إعداد :
د. حسام يونس
باحث في العلوم السياسية – فلسطين
تقديم:
يسعى الاحتلال الإسرائيلي بكل سرعة وفي سباق مع الزمن إلى تفتيت أوصال قطاع غزة وعزله داخليًا، من خلال إنشاء محاور ومناطق جديدة يسيطر عليها، ضمن خطة تهدف إلى فرض واقع جديد في القطاع، من المحتمل أن يكون إعادة الاستيطان فيه، عبر تفكيك وحدته وتحويله إلى مجموعة من الكانتونات المعزولة التي يسهل السيطرة عليها.
إن هذه الاستراتيجية يمكن أن ننظر إليها باعتبارها تطوراً لمبدأ “الأصابع الخمسة” الذي روج له رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، والذي كان يهدف إلى تقسيم غزة إلى أجزاء مختلفة بحيث يمكن السيطرة عليها بسهولة أكبر ، وتعتمد هذه الاستراتيجية على إنشاء محاور أمنية وعسكرية تتفرع منها طرق وممرات تقطع أوصال القطاع لخدمة المجهود العسكري، مما يؤدي إلى تقسيمه إلى مناطق منفصلة جغرافيًا وديموغرافيًا، في إطار استراتيجية تهدف إلى فرض واقع جديد يخدم المصالح الإسرائيلية. فقد أنشأ الاحتلال محور نتساريم وأعاد السيطرة على محور فيلادلفي وأنشأ محاور جديدة أخرى مثل محور مفلاسيم (جباليا)، ومحور كيسوفيم ( الذي لا يزال في مرحلة الإنتهاء منه).
إن السيطرة على تلك المحاور تمثل تحديًا كبيرًا أمام مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إذ إن لكل منهما أهمية استراتيجية حيوية للأطراف المعنية، من هنا، يصبح من الضروري تحليل أهمية تلك المحاور من الناحية الاستراتيجية ودورها في تشكيل اليوم التالي لإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لذلك يركز هذا التحليل على أهمية تلك المحاور والمصالح التي تحكم مواقف كل من إسرائيل وحماس تجاههما، وإعادة رسم مستقبل قطاع غزة.
أولاً: محور فيلادلفي (صلاح الدين) Philadelphi Corridor
إن محور فيلادلفي عبارة عن منطقة عازلة ضيقة منزوعة السلاح، يبلغ طولها 14 كيلومتراً وعرضها 100 متر، وتمتد على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، من البحر الأبيض المتوسط إلى معبر كرم أبو سالم، حيث تلتقي حدود فلسطين ومصر، وسمي هذا المحور بهذا الاسم عشوائياً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا توجد علاقة بين التسمية وولاية فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية وقد تم تعريفه على وجه التحديد على هذا النحو في مسودة خطة فك الارتباط الإسرائيلية عن قطاع غزة في عام 2004م، أما على الجانبين الفلسطيني والمصري فُيعرف بأسم محور صلاح الدين.
تم إنشاء المحور نتيجة لمعاهدة السلام التي أبرمت عام 1979 بين مصر وإسرائيل، واتفق الطرفان في المعاهدة على أن تكون الحدود متوافقة مع حدود فلسطين في عهد الانتداب البريطاني. ومع ذلك، أدى هذا إلى تقسيم مدينة رفح الكبرى في غزة، والتي كانت تمتد على الحدود. وتم في البداية توفير الترتيبات اللازمة لإسرائيل لنشر قوات مسلحة محدودة هناك، مثل كتائب المشاة والمنشآت العسكرية والتحصينات الميدانية، ولكن من دون الدبابات أو المدفعية أو الصواريخ المضادة للطائرات، باستثناء بعض الصواريخ أرض-جو. كما تم التخطيط لتواجد مراقبين من الأمم المتحدة لضمان مراقبة المنطقة
في عام 2005، وفي إطار خطة فك الارتباط الإسرائيلية، قامت إسرائيل بسحب قواتها من محور فيلادلفيا. عقب ذلك، وُقِّعت اتفاقية جديدة بين مصر وإسرائيل عُرفت بـ”اتفاقية فيلادلفي”، والتي خوَّلت مصر نشر 750 من عناصر حرس الحدود لتأمين المنطقة، مع التزامهم باستخدام تجهيزات غير عسكرية. مثَّلت هذه الاتفاقية تحولًا مهمًا في إدارة الأمن على الحدود، وإدارة معبر رفح بآلية تشغيل جديدة بمراقبة من الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل من جانب آخر عبر كاميرات التصوير، وتولت مصر مسئولية مواجهة تهريب الأسلحة، وقامت بالفعل بمسئولياتها تجاه هذا الأمر. وعلى الرغم من ذلك أدعت إسرائيل بوجود الأنفاق الممتدة تحت الحدود كوسيلة أساسية لمرور الأسلحة والموارد الموجهة إلى حماس عبر مصر، حيث ترى إسرائيل أن هذه الأنفاق، كانت تمثل شريان إمداد استراتيجي لحركة حماس، خصوصاً بعد سيطرتها على المقار الأمنية في قطاع غزة عام 2007م، أما بالنسبة لحماس وسكان غزة فإن هذه الأنفاق تم الإعتماد عليها في تأمين احتياجات السكان الفلسطينيين في القطاع ، في ظل الحصار وبالتالي فإن فقدان السيطرة على المحور يحد من قدرة حماس على الحركة ويعوق تدفق الأسلحة والموارد اللازمة.
بعد مرور شهرين من إعلان إسرائيل الحرب على قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 30 ديسمبر 2023م أن هدف إسرائيل هو إعادة احتلال المنطقة العازلة. وقال في ذلك الوقت: “يجب أن يكون محور فيلادلفي ــ أو لنقل بشكل أكثر دقة، نقطة التوقف الجنوبية [لقطاع غزة] ــ في أيدينا”، وعلى إثر ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية عسكرية محدودة في رفح – على حد زعمه-، تحركت القوات الإسرائيلية نحو مدينة رفح في 6 مايو 2024م، تمكنت في أقل من ساعتين من السيطرة على معبر رفح في اليوم التالي، والسيطرة على الشريط الحدودي في 30 مايو 2024م أي بعد مرور 23 يوماً.
ومنذ توغل قوات الاحتلال والشهادات التي تصدر منها تشير إلى تنفيذ الاحتلال عمليات هدم ممنهج لمنازل وممتلكات المواطنين، بالإضافة إلى عمليات بناء سواتر رملية وتجهيزات هندسية، كان آخرها نسف وتفجير مبنى بلدية رفح. وأظهرت دراسة لمركز تحقيقات المصادر المفتوحة “بيلينجكات” حول مدينة رفح أن ما يقرب من 44 % من مباني المدينة تضررت أو دُمرت. واستندت الدراسة إلى بيانات مجموعة رسم خرائط الأضرار اللامركزية التي اعتمدت بدورها على بيانات القمر الصناعي “سنتينل-1”. ونقلت الدراسة عن المراسل العسكري لصحيفة تايمز أوف إسرائيل قوله في 16 يوليو 2024م إن جيش الاحتلال عازم على بناء منطقة عازلة حول محور فيلادلفيا على أن يصل عمقها إلى 800 م شمال الحدود المصرية-الفلسطينية، لذلك هدمت كتلاً سكنية كاملة على طول هذا الطريق، بما في ذلك مخيم البرازيل للاجئين وحي السلام، حي الشعوث والبراهمة، والزعاربة، ومنطقة تل السلطان، وصولاً شرقاً إلى القرية السويدية، والمواصي. ليعلن جيش الاحتلال عن هزيمة لواء رفح في 21 أغسطس 2024م.
(خريطة تبين حجم الدمار في محافظة رفح من الحدود إلى الشمال، والنقاط الحمراء هي منازل مدمرة تدميراً كاملاً)
ووضع الجيش الإسرائيلي خطط جديدة لتصل ما بين 1-3 كم، وأنشأ بنى تحتية تؤكد أن بقاء الجيش الإسرائيلي في تلك المنطقة سيطول، فقد أنشأ عدة مواقع عسكرية، وقام بتركيب أعمدة إنارة ضخمة مزودة بكاميرات مراقبة، وأبراج عسكرية في عدة مواقع على طول المحور، وأظهرت صور الأقمار الصناعية ولقطات الفيديو التي حملها الجنود الإسرائيليون على منصات التواصل الاجتماعي شوارع موسعة لكي تمر منها العربات العسكرية وحولها دمار كامل، بما في ذلك بنايات سويت بالتراب في مدينة كانت يوماً عامرةً بالحياة. وشق الاحتلال الإسرائيلي طريقاً جديداً بين رفح ومعبر كرم أبو سالم، وأطلق عليه “معبر ديفيد”، ووسع الطريق الذي يمر من خلال محور فيلادلفي لتسهيل مرور الآليات العسكرية.
وفي ذات السياق أنشأ جيش الاحتلال طريق ديفيد الأمر الذي يبين أن سياسة إسرائيل هي ضم الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها، وهو جزء من خطة أكبر لتغيير التركيبة الجغرافية والديموغرافية لقطاع غزة. الهدف الرئيسي وراء هذه السياسات هو إخلاء المنطقة من سكانها الأصليين وفرض واقع جديد على الأرض يتوافق مع خطط إسرائيل طويلة الأمد”، ولا تدع مجالاً للشك أن هذه السياسة ليست إجراءً عسكريًا مؤقتًا وأن إسرائيل تهدف إلى إبقاء المنطقة تحت سيطرتها الدائمة.
(خارطة تبين طريق ديفيد باللون الأخضر الذي أنشأه الاحتلال على طول محور فيلادلفي بعد اقتحامه لمدينة رفح)
وبناءً على تلك المعطيات السالفة الذكر، نجمل أهم أسباب إعادة احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفي كالتالي:
- الادعاء باستمرار تهريب السلاح من خلال أنفاق أسفل الحدود رغم تأكيد الحكومة المصرية أنها قامت بتدميرها بالكامل.
- المحور يمثل أنبوب أكسجين حركة حماس وفق زعم الاحتلال، والسيطرة عليه سيمكن الجيش من القضاء عليها وإنهاء حكمها في غزة.
- إمكانية المساومة على المحور في حال عقد مباحثات لمفاوضات إطلاق النار، وتقليل الثمن الذي من الممكن أن تتكبده إسرائيل في حالة موافقتها على وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب.
- إرضاء لليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو وإطالة أمد الحرب على غزة.
- المحور يعد الضلع الأخير في إطباق الحصار الكامل والمشدد على الشعب الفلسطيني قطاع غزة، والتحكم في جميع نواحي مجالات الحياة في القطاع.
ومن النتائج المترتبة على الاحتلال الإسرائيلي للمحور ما يلي:
- السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح من الجانب الفلسطيني ،بعد أن كان خارج قبضتهم -المنفذ الوحيد الذي كان يتحكم فيه فلسطينيون-، واتصالهم بالعالم الخارجي من خلاله، ومن المحتمل منح إمكانية السفر من خلاله بشروط عدم العودة مرة أخرى للقطاع.
- التحكم والسيطرة على حياة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ودفعهم إلى الهجرة الطوعية، وهي بلا شك أكثر خطورة من الهجرة القسرية.
- تدمير ما لا يقل عن 40 % من المباني في محافظة، وبنيتها التحتية، مما قد يجعلها غير صالحة للحياة مرة أخرى، بالإضافة إلى شق طرق وممرات جديدة في محافظة رفح من أجل سرعة وحرية العمل العسكري في المدينة.
- عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية تماماً وفصله عن محيطه العربي، وعلى وجه التحديد عمقه المصري.
ثانياً: محور نتساريم Netzarim Corridor
محور نتساريم هو شريط من الأرض يبلغ طوله نحو 8 كيلومترات ويفصل الجزء الشمالي من غزة عن الجزء الجنوبي. يمتد هذا الخط، الذي أقامه الجيش الإسرائيلي خلال الصراع الدائر، من الحدود الإسرائيلية مع مدينة غزة إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى مستوطنة نتساريم الإسرائيلية التي كانت موجودة في قطاع غزة حتى انسحاب إسرائيل منها في عام 2005م .
يتقاطع “ممر نتساريم” مع أحد الطريقين الرئيسيين في غزة من الشمال إلى الجنوب، شارع صلاح الدين، ومتصل بطريق الرشيد، الذي يمتد على طول الساحل، كما أن تضاريس منطقة نتساريم تتميز بأنه الأرض مسطحة وواسعة مع كثافة سكانية محدودة، يمكن اقتلاعهم من أراضيهم بسهولة مما يسمح بحرية العمل العسكري.
أعلنت إسرائيل عن بدء المناورة البري
ة في قطاع غزة في 27 أكتوبر 2023م بعد مرور 20 يوم من القصف المكثف على مدن ومخيمات القطاع. وفي 30 أكتوبر 2023م، تم قامت الفرقة 36 من الجيش الإسرائيلي بالتوغل في منطقة مستوطنة نتساريم، بحلول 6 نوفمبر 2023م، حيث قطع جيش الاحتلال مسارًا غير رسمي متعرج عبر قطاع غزة والذي وصل إلى الساحل في 24 نوفمبر 2023م، وهدم عدة مباني ومرافق هامة ضمن تعبيد وإنشاء المحور ومن أهمها مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وحرم جامعة الأزهر، وقرية جحر الديك، وقصر العدالة، ومتنزهات نور، وشرم الترفيهية.
صورة تبين حجم الدمار في منطقة نتساريم قبل وبعد الحرب
يقسم محور نتساريم قطاع غزة إلى نصفين، ويمتد لمسافة 8 كيلومترات (5 أميال) تقريبًا من كيبوتس بئيري إلى البحر الأبيض المتوسط ، وهذه المسافة يستطيع أن يقطعها الجيب العسكري في 7 دقائق، وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد حول موقع نتساريم إلى قاعدة عملياتية كاملة، تضم مرافق احتجاز مؤقتة، وغرف استجواب، ومقرًا دائمًا لقيادة اللواء، ووحدات قتالية، ويتم حفر الخنادق حول المجمع لتحصينه، بينما تعمل أطقم البناء وضباط الهندسة على استكمال التحصينات، ويقع الجزء الحاسم من هذه القاعدة بينها وبين الساحل: وهو عبارة عن نقطة تفتيش ساحلية متقدمة يأمل الجيش أن تتمكن من خلالها قريباً نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيين من العبور جنوباً داخل غزة مع تصاعد الضغوط على منطقة جباليا، ويسيطر على محور نتساريم حاليًا لواءان احتياطيان مشتركان من جيش الدفاع الإسرائيلي، يدعمان فرق المشاة والمدرعات.
على مدى الأشهر الأخيرة، توسع ممر نتساريم ليغطي مساحة تبلغ نحو 56 كيلومتراً مربعاً (22 ميلاً مربعاً)، ليشكل جيباً عسكرياً إسرائيلياً في قلب شمال غزة، وفي بداية الحرب، كان يطلق على نقطة التفتيش الحدودية هنا اسم “معبر 96”. وبمجرد أن أدرك جيش الدفاع الإسرائيلي أن ممر نتساريم سيظل تحت السيطرة الإسرائيلية، أنشأ “نقطة تفتيش 3” (النقطة 3)، مع فريق صغير لمراقبة حركة القوات داخل وخارج الممر.
وبنهاية شهر نوفمبر 2024م ، تطورت إلى “المحطة 3″، وهي قاعدة عسكرية كبيرة ومنظمة على حافة غابة بئيري، وهي حاليًا في مراحل متقدمة من البناء.
(خارطة تبين محور نتساريم، والمناطق المحددة باللون البرتقالي هي الأماكن التي يوجد فيها الجيش الإسرائيلي بشكل دائم)
تشمل البنية التحتية الأمنية بوابات نقاط تفتيش مع أكشاك مأهولة، وثلاث نقاط تفتيش عند ممر الدخول، والتنسيق بين فرقة غزة وفرقة نتساريم (الآن فرقة الاحتياط 252)، وتدخل وتخرج بانتظام مركبات همفي مفتوحة الجانبين، إلى جانب سيارات جيب ديفندر المدرعة إلى جانب تدفق ثابت من شاحنات البناء والرافعات والحفارات لإنشاء طريق سريع رئيسي.
لا تزال نقطة التفتيش الواقعة في أقصى الغرب داخل المحطة رقم 3 تُعرف باسم معبر 96، وتقع على طول السياج الحدودي وهي الآن مقسمة إلى قسمين: مدخل واحد للمركبات الخفيفة والشاحنات، ومدخل آخر للمركبات المدرعة مثل الدبابات وناقلات الجنود المدرعة على بعد مئات الأقدام. يتم تشغيل معبر 96 بواسطة وحدة مشتركة من المشاة والمدرعات، في ساحة الموقع، المحاطة بحواجز جيرسي الخرسانية والسدود الترابية، توجد شبكة يستخدمها جنود الاحتياط بشكل متكرر.
وقد قام جيش الاحتلال بتثبيت خط مياه جديد من إسرائيل، وأنشأ برج خلوي مخصص في المحور، مما يسمح للجنود بالبقاء على اتصال مع عائلاتهم، وأنشأ 4 بؤر استيطانية في المحور لاستيعاب المئات من جنود الاحتياط في المحور.
وبناءً على تلك المعطيات السالفة الذكر، نجمل أهم أسباب إعادة احتلال لمنطقة نتساريم وإنشاء بؤر استيطانية ومواقع عسكرية فيه على النحو التالي:
- فصل محافظة غزة عن وسط وجنوب القطاع، ومنع تنقل السكان إلا في حالة إجبارهم قسرياً للنزوح إلى جنوب وادي غزة.
- حرية العمل العسكري في المناطق المتاخمة لمحور نتساريم خصوصاً وأن في الجنوب منه مخيمات للاجئين ذات كثافة سكانية عالية كالبريج ولمغازي والنصيرات، وفي الشمال الشرقي من المحور يوجد حي الزيتون الذي يحظى بمقاومة شرسة ضد الاحتلال.
- السرعة في نقل أدوات ومعدات جيش الاحتلال إلى مناطق عمليات الجيش، ونزع سلاح المقاومة وتفكيك البنية التحتية لفصائل المقاومة الفلسطينية.
- السيطرة على حياة الشعب الفلسطيني بالكامل، وعلى تدفق المساعدات الإنسانية والطبية أو انتقال الأفراد إلى محافظتي غزة وشمال غزة.
- خروج بنيامين نتنياهو بمشهد المنتصر لأن محور نتساريم والمحاور الأخرى من شأنها ستعطل أي إمكانية لمفاوضات وقف إطلاق النار، لان الوصول إلى هذا الاتفاق من شأنه أن يكون بمثابة هزيمة استراتيجية لإسرائيل.
- تعظيم السيطرة الإقليمية للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة إذا أضفنا إلى محور نتساريم، محور فيلادلفي والتعمق داخل مدينة رفح ما بين 1-3 كم، ومحور جباليا الذي أنشأه الاحتلال مؤخراً إلى جانب اقتطاع 1 كم من شمال وشرقي القطاع تحت ما يسمى الحزام الأمني، وتعظيم خسائر الشعب لفلسطيني في القطاع خسارة أرضه إلى جانب روحه.
ومن أهم النتائج المرتبة على الأسباب السالفة الذكر.
- تدمير ممنهج وكامل لكافة مناحي الحياة في قطاع غزة، وعدم صلاحيتها للحياة مرة أخرى.
- ضمان عدم القيام بجهود إعادة الإعمار في قطاع غزة، وفرض الإملاءات الإسرائيلية، والتأكد من عدم قدرة الشعب الفلسطيني على بناء الحياة مرة أخرى في القطاع.
- بقاء الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، دون تحمل أية مسئولية تجاه الشعب الفلسطيني في القطاع، واستمرار حرب الإبادة الجماعية بلا هوادة.
- تمهيد الأرضية الملائمة لإنشاء بؤر استيطانية في شمالي وجنوبي غزة خصوصاً بعد العدوان الهمجي والوحشي على الفلسطينيين في محافظة شمال غزة.
ثالثاً: محور مفلاسيم Meflasim corridor
وهذه التسمية من وسائل الإعلام الإسرائيلية نسبة إلى كيبوتس مفلاسيم، كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية يوم 10 نوفمبر2024م عن خرائط جديدة تشير إلى إنشاء ممر عسكري يفصل جباليا شمال قطاع غزة عن مدينة غزة ويبدأ المحور من نقطة الحدود المحاذية لـ”مفلاسيم” وغرباً باتجاه ما يعرف بالطريق الشرقي، ثم مروراً بتقاطع شارع صلاح الدين مع الطريق العام لمدينة بيت لاهيا (محطة حمودة) ، مروراً بمنطقة “قليبو” القريبة من المستشفى الإندونيسي والمحاذية لتل الزعتر شمال شرق مخيم جباليا، ثم غرباً على طول الطريق العام، متجاوزاً مدينة الشيخ زايد، ثم إلى مدينة بيت لاهيا ليعزلها عن منطقة “المشروع” وصولاً إلى شاطئ البحر.
(خارطة تبين المحور الجديد الذي انشاءه الاحتلال لفصل محافظة شمال غزة عن محافظة غزة)
وفق أخر تحديثات على الأرض ( الاسبوع الأخير من نوفمبر 2024م) فإن قوات الاحتلال لم تبسط سيطرتها بعد على المحور الجديد بالكامل، لكنها تتواجد في أجزاء واسعة منه، خصوصا في الجزء الشرقي وصولا إلى السلك العازل، وتحديدا منطقة دوار الشيخ زايد، والمنطقة المحاذية للمستشفى الإندونيسي، حيث أقامت في تلك المنطقة حاجزا عسكريا محاطاً بسواتر ترابية، وعمدت إلى استخدام أحد المباني السكنية الكبيرة هناك كمركز للعمليات وموقع لتواجد قوات الاحتلال. ولم تعلن قوات الاحتلال رسمياً على إقامة “محور مفلاسيم”، لكن سلوكها على الأرض منذ الاجتياح البري الدموي لمخيم جباليا يشي بأن الاحتلال يخطط للسيطرة على هذا الشريط. فقد استغل الاحتلال حرب الإبادة التي يشنها على شمال غزة منذ الخامس من أكتوبر 2024م، والاجتياح الكبير لمخيم جباليا والمناطق المحيطة به لشق هذا المحور الجديد، وجاء إنشاء المحور، بعد أسابيع من الترويج لـ”خطة الجنرالات” التي تهدف لتفريغ شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، تمهيداً لعودة الاستيطان إليه، رغم أن الجيش الإسرائيلي يزعم عدم تنفيذه الخطة، التي حظيت بانتقاد دولي.
لكن قراءة الواقع تقول بأن الجيش قد قام بتدمير كثيف للبيوت والبنى التحتية من جباليا نحو الشمال، الذي يبدو أن البعض منه غير مرتبط مباشرة بالقتال، وهذه التغييرات تقريباً لا يمكن إصلاحها وهي تتطلب من الفلسطينيين سنوات لإصلاحها، هذا إذا تم ذلك، وحصار مشدد يمنع الدواء والطعام والمياه، لإجبار المواطنين على النزوح جنوباً، وخلّف العدوان على محافظة الشمال أكثر من ألفي شهيد ومئات الجرحى والمعتقلين، ونزوح أكثر من نصف عدد سكانها البالغ نحو 200 ألف مواطن، وسط ظروف إنسانية كارثية، وتدمير لأحياء سكنية كاملة.
رغم نزوح عشرات الآلاف من شمال قطاع غزة، لا يزال العديد من السكان يتمسكون بالبقاء في منازلهم، ويواجهون يوميًا مشاهد الدمار والخراب. تتفاقم الأوضاع الإنسانية في ظل الحصار المشدد، والقصف المستمر، ونقص حاد في الغذاء والدواء، مع غياب تام لفرق الإنقاذ.
رابعاً: محور كيسوفيم Kissufim Corridor
لا يزال قيد الإنشاء، يمتد بين مدينتي دير البلح وخان يونس، حيث نفذت القوات الإسرائيلية عمليات متكررة أسفرت عن تدمير المنازل والبنية التحتية على طول مساره، تسعى إسرائيل إلى توسيع هذا الممر ليمتد من الحدود الشرقية لقطاع غزة وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يعمق الانقسام الداخلي في القطاع.
(خارطة تبين محور كيسوفيم الذي سيفصل المحافظة الوسطى عن محافظة خانيونس)
في 12 نوفمبر2024م، أعادت إسرائيل فتح معبر كيسوفيم، مبررة ذلك بأنه خطوة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى جنوب غزة. لكن هذا الإجراء يبدو كغطاءٍ لتوسيع السيطرة الإقليمية، وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت المنطقة المحيطة بالمعبر عمليات إسرائيلية واسعة النطاق، شملت تدمير منازل وإقامة بنية تحتية عسكرية، مما يشير إلى نية الاحتلال ترسيخ وجود طويل الأمد في المنطقة.
وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 13 نوفمبر 2024م إلى أن ما يجري من عملية هدم وتدمير في منطقة “كيسوفيم لم يصل إلى نهايته، إذ ادعى ضباط إسرائيليون أن محور كيسوفيم سيكون مشابهاً جداً لمحور فيلادلفي، وأن “نقاط عبور النازحين التي تبدو كحواجز عسكرية حالياً، ستصبح أشبه بمحطة حدودية منظمة بين دولتين”.
الخلاصة:
من خلال التحليل السابق يتبين أن الاستراتيجية الإسرائيلية واليوم التالي لقطاع غزة تهدف إلى فرض واقع جغرافي وديموغرافي جديد في قطاع غزة، من خلال استراتيجية تتراوح بين العمليات العسكرية المباشرة، وإنشاء ما يسمى بالمحاور الأمنية، وتدمير البنية التحتية، إلى جانب استخدام الحصار والتجويع كأدوات للضغط.
تسعى إسرائيل من خلال هذه الخطط إلى تقسيم غزة إلى مناطق منعزلة يسهل السيطرة عليها، في إطار رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقويض الهوية الوطنية الفلسطينية وخلق حقائق ميدانية تخدم مصالحها الاستيطانية والأمنية، وبقاء الاحتلال لفترة زمنية طويلة.
إن هذه الإجراءات تأتي في إطار مساعي إسرائيل لإعادة الاستيطان في المناطق المهجورة وتعزيز السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع، وهذا بفضل القوة العسكرية الهائلة التي يمتلكها جيش الاحتلال والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل والصمت اللاإنساني للمجتمع الدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية.