إعداد/ فاروق حسين أبو ضيف
باحث سياسي متخصص في الشؤون الإفريقية
تقديم:
سعت عدد من الدول الإفريقية اتخاذ خطوات حثيثة لدمج الشباب في العمليات السياسية بأشكالها المختلفة من خلال وضع الأطر العامة لهذا الهدف استدراكاً لما يمكن اعتباره إهمالاً طويلاً لعنصر الشباب في المرحلة السابقة؛ على الرغم مما يشكلونه من أهمية بالغة في الديموغرافية الإفريقية. ولكن مع كل الجهود الرسمية وغير الرسمية فلا يزال هناك العديد من العراقيل تتحدى دور الشباب السياسي، وتعوق مشاركتهم في القضايا المصيرية للقارة.
ورغم القوة البشرية الكبيرة التي تستحوذ عليها إفريقيا من الشباب، فإنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الطاقات البشرية، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها الدول الإفريقية، وفي هذا الإطار، يتطرق هذا المقال التحليلي إلى تناول المعوقات التي يعاني منها الشباب داخل القارة، فضلًا عن تسليط الضوء على دور الشباب داخل القارة في العملية السياسية، وذلك في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للقارة.
الشباب الأفريقي كمصدر قوة :
تستأثر القارة الإفريقية بأعلى نسب شباب في العالم، وذلك مقارنة بإجمالي عدد السكان؛ حيث نسبة الشباب داخل القارة نحو 60% -الشباب دون الـ25عامًا- وذلك من إجمالي تعداد سكان إفريقيا، وهو الأمر الذي يمنح القارة بعض الميزات الديموغرافية التي لا تقل أهميتها عن الثروات الطبيعة وكذلك المقومات التي تتمتع بها إفريقيا، والتي كانت سببًا رئيسًا في تكالب القوى الدولية عليها، ونظرًا لكون الشباب واحدة من أهم الركائز الأساسية التي تعتمد عليها القارة في تحقيق نهضتها، والدور الهام في تحقيق الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها.
وفي هذا السياق، أشارت العديد من التقديرات أن عدد السكان الأفارقة الذين تتراوح معدلات أعمارهم بين 15 و34 عامًا بلغ تعدادهم ما يقرب من 454.5 مليون نسمة قي عام 2020، فيما وصل إجمالي أعداد الأفارقة الذين تنخفض أعمارهم عن سن الـ 35 عامًا نحو مليار نسمة بنسبة بلغت 22.7٪ من جملة الشباب عالميًا، في المرتبة الثانية عالميًّا بعد قارة آسيا (58%)، ومن المتوقَّع أن يبلغ حجم الشباب داخل القارة بنسبة 181.4٪ بحلول عام 2100، أي ما سوف يعادل ضعف تعداد سكان أوروبا حينها بالكامل، ومن المتوقع أن تستحوذ القارة وقتها على نصف عدد شباب العالم.
أصبح ينظر إلى الشباب في إفريقيا على أنه واحدًا من أهم العناصر الديموغرافية، وأهم موارد القارة، ويمثلون أكثر من ثلث سكانها، وبينما يوجد أكثر من مليار شاب في جميع أنحاء العالم؛ يعيش حوالي ٨٠٪ منهم في الدول النامية، ولا سيما في الدول الإفريقية ويصف الديموغرافيون إفريقيا بالقارة المليئة بالشباب؛ حيث تضم نسبة كبيرة من الشباب؛ إذ تأثرت الدافع لتطوير سياسات بينما يختلف المراقبون حول العلاقات الدقيقة بين الديموغرافيا والتخلف وضعف الروابط الاجتماعية والأزمات السياسية فمن الصعب استبعاد ارتباط هذه التغيرات بالبنية الديموغرافية الإفريقية، أو استبعاد أن الشباب قد يكونون ضحايا السياسات العامة التي تفتقر إلى استباقية المشكلات الحيوية لفئة الشباب، وفي مقدمتها مشكلة غياب السياسات الاستيعابية الذي قد يؤدي إلى دخول الشباب في مغامرات يحسبونها مخرجاً من ظروف الفقر أو الخمول أو الملل، ولكنها تؤدي بسهولة إلى تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة أو الشبكات الإجرامية.
يشكل الشباب إمكانيات هائلة، وقوة دافعة، لازدهار القارة الإفريقية، حيث يُقدّر عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و٢٤ عاماً ١٩,٤٪ من إجمالي السكان، بينما يمثل الأطفال دون سن ١٥ عاماً ما يقرب من ٤١% من إجمالي السكان، ومن المتوقع أن يمثل سكان إفريقيا الشباب أكثر من ٤٠% من شباب العالم في أقل من ثلاثة أجيال قادمة كما تشير تقديرات أخرى إلى أنه بحلول عام ٢٠٥٠م من المتوقع أن تشكل الأعداد الهائلة من الشباب الأفارقة أكثر من ربع القوى العاملة في العالم.
علاوة على ذلك؛ يوجد إجماع متزايد على أن شباب إفريقيا سيستمر في النمو خلال الخمسين عاماً القادمة، بينما تتجذر مشكلة الشيخوخة في بقية قارات العالم. كما أشار آخر التقديرات إلى أنه بحلول عام ۲۱۰۰م يمكن أن تشهد إفريقيا ولادة ٤٠% من أطفال العالم، ومع النمو السريع للسكان من المتوقع أن تكون إفريقيا موطناً لـ ٣٣٢ مليون شاب تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٢٤ عاماً بحلول عام ٢٠٣٠م، وأكثر من ٤٥٠ مليون بحلول عام 2055بمتوسط عمر ۱۹ عامًا. ومع وجود هذه النسبة الكبيرة من الشباب، فإن الشباب يمكن أن يكون لديهم القدرة على تحقيق التوازنات السياسية في القارة من خلال المشاركة السياسية، والتعاطي مع القضايا التي تؤثر فيهم باستخدام العملية السياسية، بقدر ما يتيحه الهامش السياسي للدولة المعنية.
ونشير بهذا الخصوص إلى أن الاتحاد الإفريقي، قد اعتمد الاتحاد تعريفاً للشباب، فهو يشمل الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و٣٥ عاماً، حسب ميثاق الاتحاد الإفريقي للشباب؛ حيث أن هناك بعض البلدان الإفريقية التي – يمتد سن الشباب في عرفهم إلى ٣٥ عاماً، كما هو الحال في غانا ونيجيريا والسنغال وسيراليون، وتشكل نسبة هذه البلدان جزءاً كبيراً من سكان إفريقيا.
المبادرات الإقليمية والدولية ودورها في تمكين الشباب في إفريقيا
الميثاق الخاص بالشباب داخل الاتحاد الإفريقي
في إطار حرص الاتحاد الإفريقي على تنمية الشباب، اعتمد ميثاق الشباب الأفريقي (AYC)، منذ 15 عامًا، برعاية مبعوث الشباب للاتحاد الأفريقي وبالتعاون مع معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) ، وذلك بهدف يوجه إشراك الشباب وتمكينهم والعمل على تعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية، كما أعلن الاتحاد أن عام 2009 حتى 2018 هو “عقد الشباب الأفريقي”، في سبيل تفعيل دور الشباب، والعمل على تمكينهم في الحياة السياسية، وسعت العديد من الدول الإفريقية لعمل برامج لاستهداف الشباب وتشجيعهم على المشاركة في الحياة السياسية.
المبادرة الخاصة بالقادة الأفارقة للشباب والمعروفة بـ (Young African Leaders Initiative)
تعد هذه المبادرة التي اطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2010، بدعم الرئيس السابق “باراك أوباما”، بهدف دعم وتثقيف القادة الأفارقة الشباب، من خلال الأنشطة التي تقدمها الحكومة الأمريكية للاستثمار في الجيل القادم من الشباب الإفريقي، وقد ساهمت المبادرة في تخريج أكثر من 24 ألف من شباب إفريقيا، منذ العام 2010، وتولى العديد من خريجي مبادرة (YALI) العديد من المناصب القيادية، وحاز بعضهم على جوائز دولية، وحصل خريج غاني من زمالة مانديلا، وخريجة كينية من مراكز القيادة الإقليمية الأربعة بالجائزة الأولى والثانية في مسابقة الابتكارات الأفريقية ضد فيروس كورونا لموقع Africa.com، كما رُشحت خريجة صومالية من برنامج زمالة مانديلا لجائزة نوبل للسلام في عام 2019، وأهم برامج المبادرة هي:
- البرنامج الخاص بزمالة مانديلا بواشنطن والخاص بالقادة الأفارقة الشباب، وهو البرنامج الذي أُطلق في عام 2014، وهو يستهدف 700 شاب تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عامًا للدراسة في الولايات المتحدة، كل عام، والمشاركة في معاهد القيادة لمدة ستة أسابيع في الجامعات الأمريكية.
- المراكز القيادة الإفريقية الإقليمية؛ حيث أنها من أبرز المراكز التي تديرها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمعروفة بـ(USAID – US Agency For International Development)؛ حيث توسعت هذه المراكز في 4 دول إفريقية، وهي جنوب أفريقيا – السنغال – غانا – كينيا؛ حيث تم منح تدريبات لما يزيد عن 20 ألف شابًا إفريقيا، تتقارب أعمارهم ما بين 18 و35 عامًا.
المبادرة الشبابية الإفريقية الدولية (Young Africa International)
تأسست هذه المبادرة في عام 1988 بهولندا، بهدف تمكين الشباب الإفريقي، وتعزيزه بمهارات التوظيف وريادة الأعمال، ويضم عدة دول إفريقية منها زيمبابوي وزامبيا وموزمبيق وبوتسوانا وناميبيا، ويهدف إلى إنشاء مراكز تدريب لتوظيف الشباب في هذه الدول. كما يسمح لأصحاب المشاريع المحليين بإدارة أعمالهم في بيئة ناجحة. من خلال إنشاء منظمات محلية غير ربحية لتعزيز دور الشباب، من خلال الأعمال التجارية المحلية مع منح الشباب الفرصة في المشاركة، وتطوير مهارات جديدة داخل بيئة العمل، تستهدف الفئة العمرية من 15 إلى 25 عامًا، ويشمل البرنامج 43 دورة تدريبية في التعليم المهني في المهارات الفنية والزراعية والتجارية، والمهارات الحياتية للمساعدة في تمكين الشباب من اتخاذ خيارات صحيحة، وفي عام 2017، تخرج من البرنامج نحو 1980خريجًا مهنيًا، كما أن 96% من خريجي البرنامج يعملون لحسابهم الخاص.
البرنامج الخاص بمتطوعي الاتحاد الإفريقي (AU YVC)
يعتبر البرنامج واحد من أهم أدوات الاتحاد الإفريقي، والذي يخدم أجندة “إفريقيا 2063″، ويعمل على إلى تأهيل الكوادر الشبابية الإفريقية للعمل في جميع دول الاتحاد الإفريقي، ويسعى لتحقيق أهداف التنمية البشرية في أفريقيا، من خلال تبادل المهارات والمعرفة والإبداع والتعلم وذلك لبناء قارة قوية متكاملة تعزز أهمية إفريقيا في العالم، وأطلق البرنامج لأول مرة في 3 ديسمبر 2010 في أبوجا بنيجيريا، بحضور الرئيس النيجيري، ووزراء شباب دول الاتحاد الأفريقي، وممثلين عن الاتحاد الأفريقي، كما يعمل على دمج الشباب بمؤسسات الاتحاد الإفريقي، إشراك الشباب الأفريقي في تنمية القارة، وتوفير الفرص للشباب الأفارقة لخدمة واكتساب الخبرة المهنية، وتكون مدة التدريب عام واحد.
إشكاليات تمكين الشباب الإفريقي :
تحليل الواقع الراهن:
توجد مجموعة من الأنشطة التي تشكل المشاركة السياسية، فيبدو أن التصويت والاحتجاج هما المجالان اللذان حظيا بأكبر قدر من الاهتمام في الآونة الأخيرة؛ حيث أن التصويت سمة بارزة للديمقراطية الانتخابية، وهو مقياس مهم لمشاركة الشباب السياسية وإدماجهم، ويشير تحليل اتجاه مقياس إفريقيا باروميتر (Afrobarometer) إلى أنه من بين ١٦ دولة في الفترة من 2005م إلى ٢٠١٥م، وعلى الرغم من أن الشباب أقل اهتماماً بالسياسة فإن نسبا كبيرة من الشباب يشاركون في التصويت، فقد أظهرت البيانات أن اثنين من كل ثلاثة شباب تتراوح أعمارهم بين ١٨ و ٣٥ عاماً صوتوا في الانتخابات الوطنية الأخيرة في اكثر من دولة وأفاد أكثر من نصفهم بأنهم مهتمون بالسياسة، وأنهم اتصلوا بزعيم مجتمعي أو سياسي.
ويمثل أعضاء البرلمان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لمن هم دون سن ٣٠ عام ما يقرب نحو (1.82%) من أعضاء البرلمان في العالم، ونحو (29.92%) من أولئك الذين تقل أعمارهم عن ٤٥ عاماً، وهذا يثير مخاوف بشأن التهميش وقلة تمثيل الشباب في السياسة الوطنية وصنع القرار على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
كما تعتبر مشاركة الشباب في هياكل الدولة مناصب الرؤساء والوزراء في العقود الأخيرة ضعيفة جداً إذا تمت مقارنتها بفترة الاستقلال، فمتوسط عمر وزراء الدولة في جمهورية غانا الأولى خلال الستينيات كان ٣٥ عاماً ولكنه ارتفع في الجمهورية الرابعة. بين عامي ١٩٩٢م و٢٠١٧م، إلى ٥٥ عاماً وبينما كان متوسط عمر السكان الأفارقة ٢٠ عاماً في عام ٢٠١٦م؛ كان متوسط عمر رؤساء الدول ٦٦ عاماً، مما يجعل إفريقيا قارة الشباب بقيادة كبار السن، وهذا يمثل فجوة كبيرة بين أولئك الذين يقودون السياسة، وأولئك الذين يتعين عليهم تحمل آثارها على المستوى البرلماني فقط.
إشكاليات التمكين السياسي:
ضعف البنية التحتية التكنولوجية داخل القارة وقلة فرص العمل للشباب . أصبحت القارة تعاني من انهيار في البنية التحتية التكنولوجية، وانخفاض في المستوى التكنولوجي والمعلوماتي والاتصالات، والتي أصبحت مؤخرًا عائقًا في تحقيق التنمية الإفريقية؛ حيث أصبحت القارة تحتاج إلى استثمارات بنحو ما يقرب من 3 مليارات دولار سنويًا من أجل معالجة حالة العجز التي تعاني منها إفريقيا، لا سيما في ظل الامكانيات المجدودة للقارة، فضلًا عن ضعف البنية التحتية التكنولوجية في إفريقيا أصبح من العوامل التي يمكن أن تعيق عملية الاستثمار، والتي تؤثر على توفير فرص العمل للشباب، ومن ثم تعزيز القدرات والامكانيات التكنولوجية والعملية في القارة؛ حيث تواجه القارة أيضًا تحديات في مستوى البنية التحتية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات متاحة للقارة، والتي من الممكن ألا تجدي نفعًا إذا كان سكان إفريقيا غير قادرين على استخدامها.
الإرهاب وعلاقة الظروف الاقتصادية بانضمام الشباب. يعتبر العامل الاقتصادي محرك رئيسي للإرهاب، إذ يلعب دورًا مهمًا في مخاطر عدم الاستقرار السياسي في دول المنطقة الإفريقية، كما أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة داخل القارة ساعدت في انتشار التطرف، كما أن الدول التي تفشل في خلق فرص عمل للشباب، تكون معرضه لمزيد من أعمال العنف التي ترتكبها هذه الجماعات المسلحة، وتعتبر منطقة غرب إفريقيا واحدة من مناطق عدم الاستقرار بالقارة، كما تتمركز بها مجموعتان إرهابيتان رئيسيتان: بوكو حرام، التي تنتشر في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر ومالي، كما تمتد إلى منطقة الساحل الإفريقي، والأخرى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM)، بالإضافة إلى بعض الجماعات المسلحة الأخرى، وفي الأغلب ينجذب الشباب العاطل عن العمل بالمنطقة إلى الجماعات المسلحة؛ حيث أن الاقتصاديات الهشة في إفريقيا تجعل الشباب غير راضين عن أداء حكوماتهم الوطنية، ويكون الدافع للشباب للانخراط داخل الجماعات المتطرفة، تعبيرًا عن استياءه من أداء الحكومة، كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن متوسط عمر أعضاء جماعة بوكو حرام يبلغ نحو 30 عامًا.
عزوف الشباب عن المشاركة السياسية. تعد مستويات المشاركة السياسية والمشاركة في الحياة العامة آخذة في الانخفاض بين الشباب الأفارقة؛ حيث تعد المشاركة في العملية السياسية وسيلة مهمة لتمكين المواطنين في الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، كما أن وجود دور للشباب في السياسات الاقتصادية مهم، وبشكل خاص للشباب الأفريقي بسبب “البطالة ” التي تؤثر على هذه الفئة العمرية، كما انخفضت أيضا معدلات المشاركة في الحياة المدنية.
والجدير بالذكر أن المشاركة السياسية للشباب في إفريقيا، ولا سيما في المناطق الحضرية، تشبه كثيرًا المشاركة في المناطق الأخرى، كما أن عدم الرضا عن تعامل الحكومة مع خلق فرص العمل له تأثير جوهري وكبير، على الكثير من الشباب فيما يتعلق بدعمهم للمعارضة. بالنسبة للمجموعة غير الشبابية، يرتبط عدم الرضا عن نطاق أوسع من القضايا بالحزبية.
وفي هذا السياق لا تختلف احتمالية مشاركة الشباب الأفريقي في الاحتجاجات بشكل كبير أيضا، ويشير هذا إلى أن الشباب الأفريقي أقل انخراطًا في الانتخابات والسياسات الحزبية، وعلى الرغم من عدم تمكين الشباب سياسيًا في إفريقيا، فإن العديد من رؤساء المنطقة تزيد أعمارهم عن 60 عامًا. وهذا يجعل بعض الباحثين الأفارقة يعتقد أن هذا يمنع مخاوف الشباب من الظهور على الساحة السياسية.
انخفاض معدلات التعليم. تشير البيانات المتعلقة بالتعليم وفقًا لمؤشرات التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لعام 2018، إلى أن التفاوتات بين الجنسين في المشاركة التعليمية ملحوظة بشكل خاص في إفريقيا، ولا سيما في جمهورية أفريقيا الوسطى، وكوت ديفوار، والنيجر، وغينيا، وهو ما أدى إلى نقص الامكانيات التي أثرت على ضعف تطوير العملية التعليمية وتعزيز المهارات للشباب.
أهم المبادرات المصرية الخاصة بتمكين الشباب في إفريقيا
حققت مصر في هذا الصدد تطورًا كبيرًا من خلال اهتمام القيادة السياسية مؤخرًا بتمكين الشباب في الحياة السياسية؛ حيث أصبح الشباب في مقدمة التعديلات الوزارية المصرية، لا سيما من خلال منصب نائب وزير أو نائب محافظ. كما قدمت مصر عدداً من المبادرات الهامة أبرزها ما يلي:
البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الإفريقي (APLP).
يعتبر البرنامج نتاجًا لتوصيات منتدى شباب العالم عام 2018، بالتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لعام 2019؛ حيث يهدف البرنامج إلى جمع الشباب الأفريقي من مختلف الانتماءات والمعتقدات، تحت مظلة واحدة بهدف تنمية الشباب وبناء السلام، ويركز البرنامج على استكمال دور مصر ومشاركتها الفعالة مع الحكومات الأفريقية الأخرى، وتوفير فرصة لتدريب أكثر من 1000 شاب من قارة إفريقيا، من خلال 10 دفعات، بنحو100 مشارك في كل دفعة، ومن أبرز شروط البرنامج أن يكون المتقدم من مواطني إحدى الدول الإفريقية، وأن يتراوح عمر المتقدم بين 25 و 45 عامًا.
مشروع الألف قائد أفريقي داخل جامعة القاهرة.
يعتبر مشروع 1000 قائد افريقي بجامعة القاهرة واحد من أهم المبادرات التي أطلقها الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، خلال فعاليات منتدى أفريقيا، ديسمبر 2018 بشرم الشيخ، ويأتي في ظل التوجهات المصرية بشأن الاهتمام المصري بالملف الإفريقي، وبالتزامن مع رئاسة لمصر للاتحاد الإفريقي، عام 2019.
الخلاصة:
ختامًا، وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن عملية تمكين الشباب داخل القارة، يمثل الخيار الأمثل لإفريقيا، لا سيما في مواجهة العديد من التحديات، في ظل التطورات المتزايدة التي تمر بها القارة الإفريقية مؤخرًا، الأمر الذي قد يفرض على دول القارة تحديًا كبيرًا من أجل تعزيز فرص الشباب في المشاركة، وتوفير الفرص من أجل تحقيق تمكين حقيقي لتنمية وثقل المهارات والقدرات، والعمل على توفير بيئة حاضنة للطاقات البشرية، والعمل على تحويلها لطاقة تخدم المجتمع وتحقق أهدافه، وفي هذا السياق، فإن القارة لا تزال تواجه مجموعة من التحديات والمعوقات في عملية تمكين الشباب وتعرقل أهداف القارة في انخراط الشباب داخل الحياة السياسية الإفريقية، لذا يمكن القول أنها تحتاج إلى ضرورة وضع استراتيجية قوية من أجل تمكين الشباب وتحقيق كوادر إفريقية حقيقية قادرة على المشاركة وصنع مستقبل أفضل للقارة ومجتمعاتها.
أن دور مصر محوري وأساسي في دعم جهود تمكين الشباب الأفريقي، بحكم ما تمتلكه من قدرات بشرية وسياسية كبيرة، ونشاطها الكبير على الساحة الأفريقية من خلال العديد من المبادرات التي حققت نتائج طيبة حتى الآن، لكنه طريق طويل يحتاج لمواصلة العمل والجهد بكل إصرار، فمستقبل مصر الحقيقي في عمقها الأفريقي واتصالها الحضاري والجغرافي والديمغرافي مع دول وسكان القارة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.