اعداد
د/ ريم الجوجري
مدرس الاقتصاد بأكاديمية بدر للعلوم والتكنولوجيا
تقديم:
تكمن مخاطر الأزمات في الوقت الحالي أن العالم يعيش حالة من التداخل والتشابك وبالتبعية أي أزمة سيتأثر بها باقى اقتصاديات العالم، وهو ما حدث مع أزمة الاثنين الأسود 2024، وبدأت في سوق الأوراق المالية الأمريكية الذي شهدت تعاملاته خسائر تاريخية في ظل عمليات البيع المكثفة من قبل المستثمرين، والتي سببت في حالة من الهلع والذعر بين المستثمرين في وول ستريت وانتقلت إلي أسواق الأسهم الأسيوية والأوروبية والعربية، وانتشرت إلى مناطق أخرى حول العالم في ظل مخاوف عالمية من حدوث ركود تضخمي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية، سينتقل بالتبعية إلي اقتصاديات العالم، كما انتقلت الأزمة أيضاً من سوق الأسهم إلى أسواق السلع الرئيسية، مثل: النفط والذهب والعملات المشفرة، وبالطبع انعكست على أسواق العملات الرئيسية مع تخوف عالمى بالدخول في أزمة مشابهة لأزمة 2008.
وللإلقاء الضوء على هذه التطورات السلبية في الأسواق المالية العالمية، سوف نتناول النقاط التالية: بوادر الأزمة وأسباب تصاعدها، وانعكاس الأزمة على الأسواق العالمية الأسيوية والأوروبية، بالإضافة إلي الاسواق الخليجية والمصرية، ورؤية مستقبلية حول السيناريوهات المحتملة لها.
أولاً: مؤشرات الأزمة وتداعياتها على الأسواق المالية العالمية:
حالة سوق الأسهم الأمريكي. عند إغلاق التداولات انخفض “داو جونز” بنسبة 2.60% أو 1033 نقطة عند 38703 نقاط، ليسجل المؤشر الصناعي أسوأ أداء يومي منذ خسارة 1276 نقطة في جلسة 13 سبتمبر 2022.فيما تراجع “إس آند بي 500” بنسبة 3% أو 160 نقطة عند 5186 نقطة، وهبط “ناسداك” بنسبة 3.45% أو 576 نقطة عند 16200 نقطة. وفي سوق السندات، واصلت أسعار الفائدة الأمريكية، التي تتحرك في الاتجاه المعاكس لأسعار السندات، تراجعها لتصل إلى 3.76% حوالي الساعة 07:25 بتوقيت جرينتش، مقارنة بـ 3.79%، يوم الجمعة، لتلك التي أجلها عشر سنوات، مما يظهر اهتمام المستثمرين بالمزيد من الأمان، وقيمها أعلى من الأسهم التي تعتبر أصولاً محفوفة بالمخاطر، باعتبار السندات الامريكية الملاذ الامن مما أدي لزيادة الطلب عليها وبالتالي انخفض العائد عليها. فهناك علاقة عكسية بين السعر والعائد عندما يرتفع الطلب ويرتفع السعر يتراجع العائد ومع توقع انخفاض الفيدرالى الفائدة ستنعكس على عائد ال10 سنوات.
الأسواق الأسيوية . وكان تراجع المؤشرات الأسيوية أكثر وضوحا، حيث شهد مؤشر توبكس الأوسع نطاقا انخفاض بنسبة 12.23%، أو ما يعادل 310 نقاط، ليغلق التعاملات عند 2227 نقطة نيكاي بنسبة 12.4%، إذ تراجع بنحو 12.4% حيث انخفض بمقدار 4451 نقطة إلى 31458 نقطة خلال الجلسة، وهو أسوأ تراجع تاريخي لها منذ الاثنين الأسود في أكتوبر 1987، كما وتراجعت أسهم تايوان أكثر من 8% منذ 1967، وخسرت سيول أكثر من 9%، ومع تزايد المخاوف من الخسائر الكبيرة أدى ما أدى إلى تعليق التداول الآلي بواسطة البرمجيات في كوريا الجنوبية.
وتراجعت أسواق الأسهم الصينية، حيث انخفض مؤشر هونج كونج، هانج سنج بنسبة 2.13% في التعاملات الأخيرة، وانخفض مؤشر شانغهاي المركب بنسبة 1.54%، وهبط مؤشر شنتشن بنسبة 1.85%.
أسواق الأسهم الاوروبية . في مستهل تعاملات يوم الاثنين افتتحت أسواق الأسهم الأوروبية وحوالي الساعة 07:25 بتوقيت جرينتش، بخسائر كبيرة متأثرة بالتوتر العالمي في ظل عمليات بيع واسعة النطاق مدفوعة بمخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة نتج عنه تراجع الأسهم الأوروبية بنسبة 2.5% إلى أدنى مستوياتها في نحو ستة أشهر، حيث تراجعت بورصات باريس بنسبة 2.42%، ولندن بنسبة 1.95%، وفرانكفورت بنسبة 2.49%، وأمستردام بنسبة 3.05%، وميلانو بنسبة 3.31%، وزيورخ بنسبة 2.97%، ومدريد. بنسبة 2.79%. كما هبطت أسهم التكنولوجيا بنحو 5%، في حين انخفضت البنوك بنسبة 3.22%، تراجع المؤشر الفرعي لأسهم شركات الخدمات المالية 3.6%.
الأسواق الخليجية. فى نفس الوقت الاثنين 5 أغسطس 2024 شهدت مؤشرات الأسهم الخليجية تراجعا تزامنا مع تراجع الأسواق الآسيوية بسبب المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، حيث تصدرت سجلت أسواق الإمارات المالية قائمة الأسواق الخليجية الخاسرة سوق دبي للأوراق المالية التي تراجعت بنسبة 4.5% بمؤشر أداء 4046 وخاسراً 191 نقطة، وبحجم تداولات بلغت قيمتها الإجمالية 644 مليون درهم، ويليه سوق أبوظبي بنسبة 3.4% وبمؤشر أداء 8975 وبحجم تداولات بلغت قيمتها الإجمالية 1 مليار درهم، ثم سوق السعودية حيث بداء تعاملاته بانخفاض 3% إلا أنه استعاد نشاطه لينهى جلسة اليوم وحقق نسبة 2.1%، وبمؤشر أداء 11504 وهو الأدنى سعرياً منذ 52 أسبوعا بتعاملات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 10.6 مليار ريال، ويليه سوق الكويت بنسبة 2.0% وبمؤشر أداء 7544، وسوق مسقط بنسبة1.0% وبمؤشر أداء 460، وسوق البحرين بنسبة 1.0% وبمؤشر أداء 1931، وأخيرا سوق قطر بنسبة – وبمؤشر أداء 10057
السوق المصرية. انتقلت الأزمة الى البورصة المصرية مع بداء الجلسة الافتتاحية الأسبوعية يوم الأحد 4 أغسطس أي قبل بداء الجلسة الافتتاحية الأسبوعية لأسواق العالمية في 5 أغسطس بيوم واحد، ففي 4 أغسطس تراجع مؤشر EGX30 بنسبة 2.92% بنهاية تعاملات، ليغلق عند 28503 نقطة، وفى اليوم التالي تراجع بنسبة 2.33 % إلى مستوى 27840 نقطة، بينما مؤشر EGX70 للشركات المتوسطة والصغيرة انخفض في 4 أغسطس بنسبة 4.63% ليغلق عند 6492 نقطة وفى اليوم التالي انخفض بنسبة 6.45% إلى مستوى 6074 نقطة، وانخفاض مؤشر EGX100 ذو الوزن المتساوي انخفض في 4 أغسطس بنسبة 4.32% ليغلق عند 9299 نقطة وفى اليوم التالي تراجع نسبة 5.7% إلى مستوى 8770 نقطة.
ولكن في اليوم التالى 7 أغسطس عادات البورصة استعادة نشاطها، وارتفاع مؤشر EGX30 بنسبة 1.33 % إلى مستوى 28210 نقطة، وارتفع مؤشر EGX70 بنسبة 3.05 % بنسبة 6356 نقطة. 6356، وارتفع مؤشر EGX100بنسبة 2.71% نقطة 9139.
أسعار النفط والذهب والعملات المشفرة البيتكوين. في قطاع النفط تراجعت أسعار النفط لتشهد تحركات حذرة حيث أن سعر النفط يتأثر بالعامل الجوسياسي والمفترض أن يزيد، ولكن هذا لم يحدث ولكنها تأثرت بالتوتر في الأسواق المالية والتنبوء بحالة الركود التضخمى التى قد تصيب العالم، وفي الاثنين 5 أغسطس انخفض مزيج برنت بنسبة 0.66 %، و 75.63، وانخفض خام نايمكس بنسبة 0.78% و 72.25. وفي قطاع الذهب ومن المعروف أنه ملاذ أمن أوقات الازمات، تراجعت أسعار العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم شهر ديسمبر لنسبة 1% أو 25.4 دولار عند 2444.4 دولار للأوقية، وارتفع خلال المعاملات الفورية بنسبة 0.14% إلى 2446.83 دولارًا للأوقية، بعد انخفاضه بنسبة 1% في وقت سابق من الجلسة. وارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 0.8 بالمئة إلى 2488.50 دولارا. وانخفضت عملة البيتكوين إلى 51 ألف دولار قبل أن ترتد قليلاً وهي الآن عند 54.3 ألف دولار، بانخفاض 9٪.
ثانياً: التحليل :
تحليل أسباب الأزمة:
ظاهريا لقد بداءت الأزمة يوم الاثنين 5 أغسطس 2024م ، ولكنها لم تكن حدث مفاجئ أو طارئ ولكنها كانت تراكمات وامتداد لمؤشرات ماضية في ظل موجة بيع حادة من قبل المستثمرين وتعمقت يوم الجمعة قبل الاغلاق حيث تعمل الأسواق الأمريكية من يوم الاثنين حتى الجمعة من الساعة 9:30 صباحاً حتى الساعة 4:00 مساءً بتوقيت نيويورك ومع بداية يوم الاثنين وبدأ الجلسة الافتتاحية الأسبوعية للسوق تحولت إلى موجة هبوطية عالمية، وتتمثل أسباب تصاعد الأزمة فيما يلى:
- تقرير التوظيف الأمريكي . الذي صدر يوم الجمعة حيث كشفت بيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي bls، في بيان صحفي عن ملخص الوضع الوظيفى وأوضح فيه أن معدل البطالة الأمريكية ارتفع إلى 4.3%، مضيفا 114 ألف وظيفة مقارنة بأكثر من 175 ألف وظيفة خلال يوليو الماضي، وهو ما يزيد عن المتوقع حيث ارتفع بنسبة 0.2 نقطة مئوية 4.3% مقارنة بـ 4.1%، وهذا هو أعلى معدل بطالة منذ أكتوبر 2021.
- أشارة البنك المركزى الياباني لرفع سعر الفائدة على الين. حيث تم رفع سعر الفائدة على الين الياباني مؤخرًا إلى 0.25%، ولأول مرة منذ 17 عامًا ، وتسبب هذا الأمر فى حدوث اضطراب عالمي فهناك معاملات كبيرة قائمة على الاقتراض ستتأثر بهذا الرفع حيث كان المستثمرين يقترضون من البنوك اليابانية بفائدة صفرية وذلك لاستثمار تلك الأموال في شراء عملات أخرى أو أصول أجنبية ذات عوائد أعلى فيما يعرف ب ” الاستثمار قصير الأجل أو الأموال الساخنة التداول بالفائدة” carry trade، والقائمة علي دراسة فروق أسعار الفائدة بين العملات المختلفة لتحقيق أكبر مكسب (عبر الأصول المشتراة) من تكلفة اقتراض الأصل الأول. ومع رفع سعر الفائدة على الين الياباني سيحدث العكس وهو بيع الأصول الأجنبية وشراء الين، ومع التوقع بخفض الفيدرالي الامريكى سعر الفائدة سيؤدى لرفع الين ويضغط على شركات التصدير المدرجة على نيكاي وتوبكس.ونشير هنا بهذا الخصوص إلى أن صناديق التحوط وغيرها من المستثمرين المضاربين كانوا يحتفظون بأكثر من 180 ألف عقد للمراهنة على ضعف الين، بقيمة تزيد على 14 مليار دولار، في بداية يوليو، وتكمن المشكلة هنا أن التحوط من مخاطر العملة كان مكلفا على مدى السنوات القليلة الماضية، لذلك من المرجح أن العديد من هؤلاء المقترضين لم يقوموا بالتحوط، وبينما يسارعون إلى القيام بذلك الآن، فإن هذا يزيد من الطلب على الين، وهذا من شأنه أن يخلق خطر الدخول في حلقة مفرغة، حيث يدفع الين القوي المستثمرين وغيرهم إلى إغلاق رهاناتهم على تراجع العملة اليابانية، من خلال شراء المزيد من الين، والذي يترتب عليه بيع الأصول في أماكن أخرى في الأسواق العالمية.
- مشكلة الأموال الساخنة. تكمن المشكلة فى اعتماد بعض الدول على الأموال الساخنة كمصدر دولارى، حيث من المتوقع في مثل هذه الحالات حدوث خروج مفاجئ لمليارات الدولارات من أي بلد فى يوم واحد بسبب الاشاعات أو خوف المستثمرين من أي أزمة قد تواجه البورصات، لذا يجب علي متخذى القرار الاعتماد على مصادر مستدامة للدولار، مثل: الصادرات والسياحة واقتصاد الخدمات.
- خسائر قطاع تكنولوجيا المعلومات في اليابان. تعرض قطاع تكنولوجيا المعلومات في اليابان لهزة حيث باع بعض المستثمرين سندات الحكومة اليابانية لشراء أسهم التكنولوجيا الأمريكية، وهذه استراتيجية محفوفة بالمخاطر للغاية لأسباب عديدة، أحدها أن تقلب الأسهم والسندات الحكومية مختلف تمامًا، بالإضافة إلي خسائر شركات التكنولوجيا التي تصنع رقائق الخاصة بالذكاء الاصطناعي حيث زاد الانفاق الرأسمالي ولكن هذه الشركات ستأخذ وقت لجني العوائد لذلك كانت التوقعات أقل من المتوقع.
- المخاطر الجيواستراتيجية العالمية . كان للعامل الجوسياسي والتوتر في منطقة الشرق الاوسط وتخوف من اندلاع حرب إيرانية إسرائيلية وفي الشرق الأوسط دوراً في تعميق الشعور بالخوف، خاصة بعد اغتيال إسرائيل زعيم حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، نهاية الأسبوع الماضي. وكذلك اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري لحزب الله بالإضافة لمطالبة غالبية السفارات الأجنبية، وعلى رأسها السفارات الأميركية والبريطانية وبعض الدول العربية، جالياتها في لبنان إلى مغادرة البلاد فوراً بأي شكل وإلى أي وجهة.
تحليل اتجاهات الأزمة:
منذ اللحظات الأولى من الأزمة في الأسواق المالية العالمية ظهر تخوف لدى البعض من تُشبيها بالأزمة الاقتصادية والتي تعرف بأزمة الرهن العقاري لعام 2008 وتكرار نفس السيناريو وأن تتأثر القطاعات المختلفة داخل الدول وخاصة أن هناك بعض الدول لم تتعافى منها حتى الآن، وخلال السنوات الماضية عمل صندوق النقد الدولى بالتعاون مع الحكومات الوطنية على وضع بعض السياسات وخطط إنقاذ وخاصة لمنع حدوث أو تكرار مثل هذه الأزمات ، أوعلى الأقل التنبوء بها قبل حدوثها وتدخل الحكومات والبنوك المركزية لضخ أموال وخطط لإنقاذ وتمويل الشركات والبنوك لمنع إفلاسها بالإضافة لاستحداث أدوات غير تقليدية للسياسة النقدية تمكِّنها من تقديم دفعة تحفيز إضافية وتعزيز الإدماج الاقتصادي.
هناك عدة سيناريوهات:
السيناريو الأول تكرار نفس الأزمة ولكن بقوة أكبر من 2008: وخاصة أن الوضع الاقتصادى العالمى الحالي يعد أسؤ من الوضع عام 2008، حيث مر بعثرات كثيرة وأزمات متلاحقة أدت إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادى وعدم اليقين بشكل عام مثل افلاس اليونان وخروج إنجلترا من الاتحاد الاوروبى وتداعيات جائحة كورونا ، تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا ، بالإضافة لذلك هناك بعض الدول تعانى من ارتفاع التضخم وارتفاع مستويات كل من الدين العام والخاص وعجز ميزان المدفوعات وأى هزة مالية لن تستطيع تلك الدول مقاومتها .
مؤشرات حدوث هذا السيناريو تعتمد على احتمالة حدوث ركود تضخمي في أمريكا وهو مزيج بين انخفاض نمو الناتج المحلي، وارتفاع مستويات البطالة إلي 4.3% وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات تقريباً وتنص القاعدة المسماة “قاعدة ساهم”،على أنه إذا ارتفع متوسط معدل البطالة على مدى ثلاثة أشهر بما لا يقل عن 0.5 نقطة مئوية فوق أدنى مستوى له في الأشهر الاثني عشر السابقة، فسوف يتبع ذلك ركود وقد أشارت هذه القاعدة إلى كل حالات الركود منذ عام1970.ورفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة، وانخفاض حجم الطلب الصناعي
السيناريو الثاني تكرار نفس الازمة، ولكن ليس بنفس قوة 2008: وذلك بفضل حزمة الاجراءات الإصلاحية التي نفذها صندوق النقد الدولى مثل نظام الإنذار المبكر وسياسة الحوكمة لمنع حدوث الأزمة أوعلى الأقل التنبوء بها قبل حدوثها ، والتي قد تعمل كحائط صد أمام أي أزمة مرتقبة وخاصة أنه لم تحدث أي أزمات مماثلة منذ 2008 حتى وأن تعرض العالم لاكثر من أزمة فى البورصات العالمية وتم استيعابها والتعامل معها.
السيناريو الثالث التعافي المؤقت: أي يكون هذا الارتفاع فى المؤشرات هو ارتفاع مؤقت وظاهريا ومع أي أى حدث أو توتر سياسى سينفجر الوضع وخاصة لو تأثرت عملية الإنتاج أو توقف سلاسل الامداد العالمية وبالتالي ستؤثر على النمو الاقتصادى العالمى. وتأخر تطور الأزمة كرد فعل تجاه أى أزمة أخري وخاصة فى ظل حالة التذبذب أوخاصة ارتفاع وانخفاض مؤشرات البورصة وأسعار الذهب والنفط، مع احتمالية ان يفقد بنك الاحتياطي الفيدرالي السيطرة وخاصة اذا استمر على موقفة ورفض خفض الفائدة.
السيناريو الرابع التعافي نهائيا من الأزمة: وعلى الرغم من كل هذا التوتر إلا أن هناك توقعات بالتعافى سريعاً من الخسائر الحادة ففي اليوم الثانى للأزمة تحسنت بعض المؤشرات الاقتصادية واستعادت بعض البورصات تعافيها وإن كانت هذه الزيادة طفيفة وغير مؤكدة. ولكن اذ قام البنك الفيدرالي بعمليات تصحيح سريعة قد تساعد في احتواء الازمة مثل اتباع أمريكا سياسات توسعية نقدية، وهي خفض أسعار الفائدة، لمعالجة الركود وهذا ما دفع المتداولين إلى توقع تنفيذ خفض أولي لسعر الفائدة مقدار 25 نقطة أساس بشكل طارئ في غضون أسبوع وعدم الانتظار حتى اجتماع سبتمبر، حيث تتبع أمركيا سياسات نقدية انكماشية تشددية لأكثر من 28 شهرًا (منذ أول رفع لأسعار الفائدة) ، مثلما خفض بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مؤخراً، بالإضافة لضخ أموال لمحاولة تحفيز الاستثمارات من أجل زيادة الإنتاج وإقامة مشروعات . حيث أن ارتفاع معدل البطالة ناتج عن زيادة المعروض من العمالة وهم الأشخاص الذين يدخلون قوة العمل لأول مرة أو يعودون للتو إلى العمل وليس زيادة عمليات التسريح الدائمة، حيث يرى البعض أن الازمة قائمة فقط على هبوط الأسواق المالية بالإضافة لتقليل اعتماد الدول على الأموال الساخنة كمصدر دولارى والاعتماد على مصادر مستدامة للدولار.
يدعم هذا السيناريو أيضا قوة الاقتصاد الأميركي ، حيث نما بنسبة 2.8% في الربع الأخير، متجاوزا توقعات المحللين. وفي حين يظل التضخم أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، فقد انخفض بشكل كبير من ذروته البالغة 9.2% في يونيو 2022، وارتفع إنفاق المستهلكين ومعنويات الأعمال في الربع الثاني، مما عزز التوقعات بأن الاقتصاد الأميركي قد يحقق ما يسمى بالهبوط الناعم دون ركود، على الرغم من بقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها في أكثر من عقدين من الزمان. بالاضافة الي انخفاض عائدات السندات بشكل كبير سيؤدي لزيادة توقعات السوق بشأن تخفيض أسعار الفائدة بشكل جذري أكثر من المتوقع من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، “على مدى الـ 12 شهرًا المقبلة، لم يتم رؤيته إلا خلال فترة الركود.
الأزمة واحتمالات تأثر الاقتصاد المصري:
بالنسبة للاقتصاد المصرى فقد حقق فائضاً أولياً في موازنة العام المالي 2023-2024بلغ 2.5% بدون صفقة رأس الحكمة، و6.1% بعد إضافة صفقة رأس الحكمة، وتدرس مصر إصدار صكوك وسندات خضراء محلية إضافة إلى سندات خضراء، فيما يتم التركيز حاليا على التمويل الميسر ومبادرات تشجيع الاستثمار ودعم الأنشطة الاقتصادية حيث بلغ دعم تحفيز الصادرات 12.9 مليار جنيه ودعم الإنتاج الصناعي بلغ 11 مليار جنيه مبادرة لدعم القطاعات الإنتاجية بنحو 80 مليار جنية.
وقد سجل السوق المصري للأوراق المالية الأربعاء 7 أغسطس قيم تداولات بنحو 3.977 مليار جنيه حيث ارتفع مؤشر البورصة الرئيسي EGX30 بنسبة 1.48% ليصل إلى مستوى 28628.19 نقطة، كما ارتفع مؤشر EGX70 للشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 2.39% ليصل إلى مستوى 6507.9 نقطة، وارتفع مؤشر EGX100 الأوسع نطاقاً بنسبة 2.10% ليصل إلى 9331.3 نقطة.
الخلاصة:
تنبه هذه الأزمة – بغض النظر عن إمكانية تكرارها أو فرص تطورها على المدى المنظور- لضرورة معالجة بعض الاختلالات في الاقتصادات الوطنية ، وجعلها أقوى في مواجهة مثل هذه الصدمات المفاجئة، ولعل أهم دروس مثل هذه المواقف الطارئة ما يلي:
- عدم الاعتماد على الأموال الساخنة كمصادر كبيرة للعملة الأجنبية، لسهولة خروجها في أوقات الأزمات الطارئة، وما يتبعها من تداعيات كارثية احياناً على الاقتصاد.
- الإهتمام بالقطاعات الاقتصادية الراسخة مثل الصناعة والزراعة وتعظيم صادرات الدولة في هذه القطاعات.
- استكشاف فرص تطوير قطاع المعلومات في مصر والذي يمكن أن تكون لمصر فيه ريادة كبيرة خاصة على مستوى الأسواق الأفريقية.
- الإهتمام بقطاعات استراتيجية حيوية مثل الأدوية ومستلزمات الصناعات المختلفة، لكون هذه القطاعات الأسرع تأثراً بحالات توقف أو تعطل سلاسل الإمداد العالمي.
- الإهتمام بتنمية رأس المال البشري في مصر، والذي يشكل من خلال تحويلات العاملين بالخارج المصدر الثاني للعملة الصعبة، مع مراعاة أن سوق العمل بالخارج يشهد حالياً تغيرات كثيرة قد تنعكس سلباً على استقبال العمالة المصرية مثل ( مستوى التعليم – التدريب – الاعتماد الكاديمي للشهادات العلمية والفنية – المهن الجديدة المعتمدة على التقنيات والذكاء الإصطناعي …الخ).
- تشجيع الاستثمار المحلي وتقديم عروض وتسهيلات جذابة للمستثمرين المصرين والأسر المصرية متوسطة الدخل لوضع أموالها بالبنوك المصرية.