إعداد:
د. أكرم حسام – رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
د. حسام يونس – باحث فى العلوم السياسية – فلسطين
مقدمة
هل لا يزال هناك أمل في السلام؟ سؤال مطروح بقوة على طاولة الحوار للدول الفاعلة في الملف الفلسطيني ، فبعد مرور ثمانية أشهر على حرب غزة، التي فاقت في بشاعتها وجرائمها خاصة في حق الأطفال والنساء والمدنيين وحجم التدمير للبنية التحتية والموارد حروب كبرى في تاريخ العالم قياساً بالفترة الزمنية القصيرة للحرب، وهناك إحصائيات أصدرتها هيئات أممية ومنظمات حقوقية تؤكد ذلك ولا يتسع المجال لذكرها هنا. فجُل التركيز الآن على الضوء المُحتمل في نهاية نفق مظلم، تُصر فيه إسرائيل عبر حكومة متطرفة على الاستمرار فيه إلى مالا نهاية بدون أفق سياسي واضح. فهل من فرصة للسلام ووقف الحرب ، هل من مجال لإلتقاط الأنفاس، إنهاء ملف الرهائن والأسرى ، إعادة الحياة الطبيعية لسكان غزة، وضع قضايا الإعمار وإعادة الإعمار كأولوية ، هدوء التوتر الإقليمي في البحر الأحمر وجبهة لبنان وسوريا والعراق، خفوت أو تلاشي أصوات بعض الفاعلين من غير الدول التي تُصر على أن تصبح رقماً في المعادلة الإقليمية في المنطقة وإقحام نفسها في الصراع الدائر في غزة بكل الصور، وإن أضرت بمصالح دول أخرى.
فمع ما نشاهده من تجاوز متعمد للقانون الدولي من جانب إسرائيل وإنتهاكات صريحة لقرارات مُلزمة وأخرها قرار محكمة العدل الدولية بوقف الحرب، واستمرار المجازر وأخرها مجزرة مخيم رفح، ومع تلاشي فرص السلام، نشطت تحركات عربية وأوربية لإعادة البحث عن حلول لوقف هذه الحرب، يمكن أن تقودها المجموعة الخماسية العربية ( مصر – السعودية – الأردن – قطر – الإمارات) بالشراكة مع دول الإتحاد الأوروبي، ولا مفر عن تنشيط مسار للسلام، يكون ضاغط وجاذب في نفس الوقت لإسرائيل والفلسطينيين من أجل العودة لطاولة المفاوضات وفق صيغ وحلول جديدة تراعي المتغيرات التي أحدثتها حرب غزة، وتحفظ في الوقت نفسه ثوابت هذه القضية ممثلة في قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرارات الأخيرة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
سنركز في هذا التحليل على التحركات الأوروبية العربية لإعادة تنشيط مسار السلام، ووقف الحرب ، مع الوضع في الإعتبار كل المتغيرات التي جرت خلال الفترة الماضية على صعيد الحرب والمواقف الدولية منها، والتغيرات الهامة في مواقف بعض الدول الأوروبية التي وقفت في بداية الحرب إلى جانب إسرائيل بالمطلق، لكن بعضها عاد للتوازن نسبياً مع بشاعة الحرب وانتهاكها للقانون الدولي الإنساني وضغوط الشارع الأوروبي خاصة الاحتجاجات الطلابية الأخيرة.
الأفكار العامة لمسودات التفاوض العربي الأوروبي:
يتضح من مجمل التحركات السابقة أن الإتحاد الأوروبي يحاول أن يحجز لنفسه موقعاً في مباحثات “اليوم التالي” بين إسرائيل والفلسطينيين، وضمن هذا الإطار جاء استقبال عددا من المسؤولين العرب في بروكسل، حيث عقدت لقاءات عدة بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ونظراءهم من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن فضلا عن الأمين العام لجامعة الدول العربية.
الأفكار العربية المطروحة:
حسب التقارير المتداولة فقد طرحت اللجنة الوزارية العربية رؤية أمام مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي تدعو إلى وقف إطلاق النار وتؤدي لإقامة دولة فلسطينية وحسم قضايا الوضع النهائي خلال 6 أشهر، عبر حزمة خطوات متكامة لتحقيق وقف إطلاق النار والسير نحو قيام الدولة الفلسطينية، واعتماد وجود قوات دولية لحفظ السلام بقرار من مجلس الأمن، وتولي المؤسسة الأمنية الفلسطينية مهامها في قطاع غزة في ظل سلطة واحدة وسلاح واحد وقانون واحد.
الأفكار الأوروبية للسلام:
لا تنفصل التحركات الحالية للإتحاد الأوروبي عن مجمل تحركاته التاريخية إزاء مسار السلام بشكل عام ، كما لا تنفصل عن التحركات التي قام بها منذ السابع من أكتوبر 2023م وحتى الأن ، وهي في مجملها مجرد تنشيط لخطة السلام السابق عرضها على بعض الأطراف في بدايات هذا العام والتي تضمنت ما يلي:
- ينبغي أن تؤدي هذه العملية إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة “تعيش جنباً إلى جنب” مع إسرائيل، و”التطبيع الكامل” للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
- تساعد الجهات الدولية الفاعلة على إعداد “أرضية للسلام” وبناء “بديل سياسي متجدد” لـ”حماس”.
- يتعين على الأطراف الدولية الفاعلة أن تعقد “في أقرب وقت ممكن” مؤتمراً تحضيرياً للسلام بهدف التسوية للحرب المستمرة في غزة، وخاصة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
- ينبغي أن يجمع المؤتمر وزراء الخارجية ومديري المنظمات الدولية لبحث عملية السلام، بينما يعقدون “في وقت واحد تقريباً” اجتماعات منفصلة مع أطراف الصراع.
- يجب على المؤتمر تشكيل مجموعات عمل وتصميم “إطار مبدئي” لخطة السلام خلال عام واحد.
- يجب أن تتناول الخطة “بأكبر قدر ممكن من الناحية العملية” العناصر الأساسية للسلام الشامل، بناء على قرارات الأمم المتحدة السابقة وجهود الوساطة.
- يجب أن توفر الخطة “ضمانات أمنية قوية” لإسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، “بشرط الاعتراف الدبلوماسي الكامل المتبادل، والتكامل بين إسرائيل والفلسطينيين في المنطقة”.
- ينبغي للمؤتمر أن يتشاور مع أطراف النزاع “في كل خطوة وفي أي وقت” أثناء صياغة خطة السلام. ويجب استمرار العمل على الخطة حتى لو قرر أحد الجانبين الانسحاب.
- بمجرد أن تصبح الخطة جاهزة، ينبغي تقديمها إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، وتشير الوثيقة إلى أنه “سيكون عليهم التفاوض على النص النهائي”.
- بالتوازي مع هذه العملية، ينبغي للمشاركين في المؤتمر أن يسعوا جاهدين للتخفيف من الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وتأمين إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، ومنع التصعيد الإقليمي، وتعزيز الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، ودعم إعادة إعمار غزة، وغيرها من الأهداف. ([i])
المنظور الاستراتيجي الأوروبي للحرب في غزة:
لابد أن نؤكد أن أوروبا تنظر للصراع الدائر حالياً في غزة والمنطقة من منظور جيواستراتيجي يختلف عن المنظور الأمريكي- رغم وجود قواسم مشتركة أهمها مسألة أمن إسرائيل / صعوبة التحول بالمواقف ضد إسرائيل بالكامل لإعتبارات سياسية تاريخية وأخرى داخلية في الوقت نفسه/ التعامل مع حماس والتنظيمات المسلحة في غزة ككيانات غير مشروعة وتصنيف بعضها على قؤائم الإرهاب كتنظيم إرهابية – فالقرب الجغرافي من منطقة الصراع، والخشية من تولد أزمات مثل اللاجيئين والهجرة غير الشرعية، تجعل العدسة الأوروبية تختلف قليلاً عن العدسة الأمريكية التي تنظر للصراع من نفس العدسة الإسرائيلية، مع هامش اختلاف بسيط في آليات تحقيق الأهداف ، ولا ننسى الأرث التاريخي الاستعماري لأوروبا في المنطقة العربية والذي لا تزال بعض ملامحه ومرتكزاته قائمة إلى اليوم في بعض البلدان العربية، لذلك ليس مستغرباً أن تجد الدول العربية الفاعلة وعلى رأسها مصر من الإتحاد الأوروبي شريكاً ممكناً وداعماً باستمرار لأي مسارات لتحقيق الإستقرار الإقليمي بشكل عام، ولعل الموقف الأوروبي من إيران وملفها النووي ورفض أوروبا الإنخراط في المهمات البحرية الإستثنائية التي كونتها الولايات المتحدة في منطقة الخليج وصولاً للبحر الأحمر ( المهمة سينيتال – محمة حارس الإزدهار) وتفضيلها للعمل بشكل مستقل عن بعض التوجهات الأمريكية التي قد تقود لإشعال المنطقة والمواجهة مع إيران تحديداً خير دليل على وجود مساحة معقولة من الإختلاف بين المواقف الأوروبية والأمريكية يمكن استغلالها لصالح قضايا المنطقة بشكل عام.
لذلك لم يكن مستغرباً ما طرأ من تغيرات مهمة خلال الاشهر الماضية في مواقف بعض الدول الأوروبية من الحرب في غزة، حتى على مستوى الدول التي كانت أكثر تقدماً في دعم إسرائيل في الأيام الأولى للحرب ( بريطانيا – ألمانيا – فرنسا – هولندا) . وهناك عدة مؤشرات تدلل على ذلك :
- التصريحات الرسمية لجوزيف بوريل ممثل السياسة الخارجية للإتحاد تجاه الحرب ومسألة إحترام القانون الدولي.
- تصريحات ومواقف الدول الأوروبية المختلفة من مسألة وقف الحرب خاصة قادة ألمانيا وفرنسا.
- قيام دول اوروبية بتوقيع عقوبات – ولو محدودة الأثر والتأثير- على إسرائيل ( تستهدف مستوطنيين – حظر بعض الأسلحة)، وهي إجراءات جديدة من نوعها.
- تأييد أوروبي لقررات محكمة العدل الدولية الأخيرة الخاصة بوقف الحرب.
- تأييد معظم القرارات العربية ، وحتى غير العربية من روسيا والبرازيل وغيرها، التي عُرضت على الأمم المتحدة ( الجمعية العامة – مجلس الأمن) الخاصة بالحرب ، والتى أوقفتها الولايات المتحدة عبر آلية الفيتو.
- اعتراف ثلاث دول أوروبية أعضاء في الاتحاد بدولة فلسطين، واحتمالات انضمام دول جديدة لمسألة الإعتراف أحادي الجانب بكل ما يحمله من دلالات وأهمية، مع عدم إغفال حقيقة وجود بعض الانقسامات في المواقف الأوروبية ، والتي حالت في السابق دون اعتماد بيانات مشتركة لدول الاتحاد السبع والعشرين أو أفضت إلى نصوص عامة تجاه حرب غزة ، فخلال القمتين الأوروبيتين في ديسمبر 2023 وفبراير 2024، لم يقر أي نص يمكن البناء عليه كموقف أوروبي مشترك وضاغط بوضوح نحو وقف الحرب.
ويمكن القول أن الإتحاد الأوروبي – رغم الانقسامات في صفوفه- يحاول أن يحدد لنفسه إطار ومحددات للحركة تتمثل فيما يلي:
- إظهار استقلالية نسبية في المواقف الأوروبية من الحرب ومسار السلام بعيداً عن الموقف الأمريكي المنحاز بالكامل لإسرائيل، لتأكيد إستقلالية السياسة الأوروبية بشكل عام، حيث تقود فرنسا تلك السياسة بشكل واضح.
- طرح الإتحاد الأوروبي كجهة راعية أو وساطة لأي مباحثات مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع الثقل السياسي والاقتصادي والمالي للتكتل وإمكانية تقديم ضمانات الثقة للأطراف المتفاوضة بجانب القدرة على تمويل مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية.
- العمل ضمن المسار الموازي Track 2 Diplomacy على تهيئة الظروف المناسبة للعودة للمفاوضات من خلال طرح أفكار مثل إصلاح السلطة الفلسطينية، والحديث مع الدول العربية الفاعلة حول هذا الملف الحساس، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب.
- الضغط على إسرائيل من خلال ورقة القانون الدولي ( تأييد قرارات محكمة العدل – تأييد مواقف العدالة الجنائية التي تقوم بها الجنائية الدولية ) بجانب مسألة الإعتراف بالدولة الفلسطينية، بحجة حماية فكرة حل الدولتين من التلاشي، ولإيصال رسالة لإسرائيل بأن موقفها الاستراتيجي مع أوروبا والعالم يتعرض للتأكل التدريجي، إن لم تستجيب للجهد التفاوضي المطروح.
- طرح لعب دور أوروبي في مسألة المعابرالحدودية بين غزة ومصر وإسرائيل، وارسال بعثة مراقبة حدودية لرفح بعد التنسيق مع مصر وإسرائيل والجانب الفلسطيني.
منطلقات خطة السلام الأوروبية:
ينطلق الاتحاد الأوروبي في مشروعه الحالي للسلام في الأراضي الفلسطينية من عدة منطلقات سياسية واقتصادية وجيوسياسية وديمغرافية عديدة أبرزها ما يلي:
- الدور الإقتصادي والإنساني للدول الأوروبية في الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن العشرين، وحتى اليوم كأكبر داعم للفلسطينين ولدور المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى رأسها الأونروا.
- رغبة الإتحاد ودوله الفاعلة أن تكون حاضرة في أية تسويات سياسية أو إقتصادية في المنطقة ، خاصة بعد أن تم تهميشه إلى حد ما من قبل الولايات المتحدة وأطراف اتفاق أوسلو للسلام لعام 1993م، وكذلك ترتيبات اتفاقيات أبراهام لعام 2020م .
- يتمسك الإتحاد الأوروبي منذ الثمانينيات بحل الدولتين ويعلن أكثر من مرة عن رغبته في أن تصبح فلسطين بعد ذلك عضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة، لذلك فإن المؤتمر التحضيري للسلام الذي سيعقد ( ضمن تصميم إطار خطة السلام المطروحة حاليا) سيأخذ في الاعتبار قرارات الأمم المتحدة السابقة، واستنتاجات المجلس الأوروبي، وجهود الوساطة السابقة.
- يرى الاتحاد الأوروبي أن حل الدولتين، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل هو المسار الوحيد والمتاح حالياً لكلا الشعبين، ولكل الأطراف الدولية أيضاً، وهو بذلك يتفق مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في حل الدولتين، غير أن باقي عناصر الدولة من شعب وإقليم وحكومة وسيادة ستكون متروكة للتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بالشكل الذي يجب أن يلبي حاجات إسرائيل الأمنية أولاً.
- تختلف هذه الخطة عن خطط أو مبادرات أخرى قدمتها قوى دولية كالولايات المتحدة الأمريكية، في أنها لا تتحدث في البداية عن تدابير أمنية يقوم بها الشعب الفلسطيني من أجل أن ينال دولته، أو تفصيل الدولة بحسب المقاييس الأمنية الإسرائيلية الفضفاضة، وهي قائمة بالأساس على نفي الفلسطيني وحقوقه من أرضه، أي شروط يجب أن يقوم بها الفلسطيني حتى ينال حقوقه، ومن ناحية أخرى لا تقدم الخطة أية حلول وتفاصيل، وأنه في مؤتمر السلام المستقبلي يجب على المشاركين توضيح العواقب لكلا الجانبين اعتماداً على ما إذا كانوا يقبلون أو يرفضون الخطة التي وافق عليها الاتحاد، ولا تبين الخطة ما هي عواقب رفض الخطة على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لديه بعض إمكانات النفوذ المحتملة.
- الدمج بين مسار قيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل مع مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، فقد حرصت كل من إسرائيل والولايات المتحدة على التطبيع بغض النظر عن الشعب الفلسطيني وحقوقه، في إمكانية التطبيع دون النظر إلى القضية الفلسطينية، باعتبار أن القضية الفلسطينية لطالما مثلت حجر عثرة في طريق التطبيع، وعدم وجود شريك فلسطيني قادر على صنع السلام، وانتظار إيجاد حل لها وتسويتها سيؤخر جنبي ثمار التعاون الإقليمي والاقتصادي والتقني بين إسرائيل والدول العربية وذلك من وجهة نظرهم.
- الاتحاد الأوروبي يتعاطى مع الضفة الغربية وقطاع غزة على خطوط عام 1967م، ككيان واحد وعلى أنها تمثل جزءاً من الأراضي الفلسطينية المستقبلية، في حين أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتعاطى مع الضفة والقطاع على أنهما جزئيين منفصلين تماماً، وإقصاء حركة حماس عن إدارة القطاع وليس إقصاء القطاع عن مشروع الدولة .
- الإقرار بأهمية عقد مؤتمر وجمع الأطراف المعنية والمهمة، وعقد لجان وساطة للتوفيق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، فعلى الرغم من رفض حكومة نتنياهو المتكرر لقيام دولة فلسطينية، فإن رؤية الاتحاد الأوروبي تؤكد ان هذا الرفض الإسرائيلي لا يمنع الاتحاد من المضي قدماً لقيام دولة فلسطينية أو منع الآخرين عن الحديث عن هذه الدولة، وبمعنى آخر أن إقامة دولة فلسطينية لا يعتمد على سخاء وترف الحكومة الإسرائيلية سواء كانت الحالية أو المستقبلية.
- تأكيد الخطة على أهمية الدور المحوري والمركزي في المنطقة على مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، إلى جانب جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والولايات المتحدة، فبالنسبة للدول العربية مصر والأردن قد أكدت على أهمية إنشاء مجموعات عمل وجهود الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وخلق مناخ إيجابي يساهم في إزالة حدة التوتر ويقلل من درجة الميل للعنف وبيان المكاسب المشتركة التي من الممكن أن يجنيها الأطراف، والدعم الاقتصادي الكبير لكلا الدولتين ، وكانتا في السابق يعهد إيلهما وخصوصا من جانب الولايات المتحدة في تأهيل وتدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
- إضافة السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي والديني بهدف إزالة التصلب في مواقف الدول العربية تجاه عملية السلام، كما أن الخطة تبنت على الدمج بين التطبيع وعملية السلام، وخصوصاً أن تطبيع السعودية مع إسرائيل سيمثل “نقلة نوعية” في المنطقة، وقد يغير الشرق الأوسط ، إذ سيهدم “جدران العداء” ويخلق ممراً من خطوط أنابيب الطاقة، وخطوط السكك الحديدية، وكابلات الألياف الضوئية، بين آسيا عبر السعودية والأردن وإسرائيل والإمارات.
- بالنسبة لجامعة الدول العربية فقد كانت الجامعة شريكاً للاتحاد الأوروبي ضمن مبادرة إنشاء حزمة دعم السلام لتعظيم فوائد السلام للإسرائيليين والفلسطينيين بمجرد التوصل إلى اتفاق نهائي، لتنشيط عملية السلام على أساس حل الدولتين، وربما ستسهل من عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية باعتبار أن السعودية والإمارات هما من أكبر ممولي الجامعة حالياً.
- بالنسبة للولايات المتحدة فهناك خطوط عريضة تتفق معها في سياسية الاتحاد الخارجية القائمة على أمن إسرائيل كأحد أهم أولوياتها في منطقة الشرق الأوسط، وضمان دعم وتأييد الولايات المتحدة للخطة، ودعمها وتأييدها للخطة، وامتلاك الولايات المتحدة للعديد من الأدوات والإمكانات والتي من الممكن من خلالها استخدامها للمضي قدما في مسيرة التسوية السلمية، كما توجد نقطتين مشتركتين بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بخصوص حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة ، ومنها: أولاً: الضغط على إسرائيل من أجل تخفيف حدة العمليات العسكرية وتقليل استهداف المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية، ثانياً: البحث عن السيناريوهات الممكنة لوقف الحرب والوصول إلى تسويات سياسية وعسكرية تضمن تحقيق الهدف في إقصاء حركة حماس عن إدارة قطاع غزة، والوصول إلى اتفاقيات إقليمية ودولية لمسألة اليوم التالي للحرب. وبالنسبة للأمم المتحدة فإن الحاجة تبرز في أهمية التوافق والإجماع الدوليين في أهمية التسوية السلمية وفي الضغط على إسرائيل من أجل فرض الحل على الطرفين، في أنه لا يوجد بديل سوى حل الدولتين، ويتبقى إقناع الطرفين في ذلك.
تحديات تطبيق خطة السلام الأوروبية
تتمثل تحديات تطبيق الخطة على النحو التالي:
- الجدول الزمني لخطة السلام: تناولت الخطة على أنه ينبغي على الأطراف الدولية الفاعلة الاتحاد الأوروبي والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة تنظيم مؤتمر تحضيري للسلام في أقرب فرصة خلال عام، فالخطة لم تتناول وقف إطلاق النار، وربما السبب في ذلك عدم الإجماع الأوروبي في المواقف والتصريحات حول الحرب الإسرائيلية على غزة، فتبقى إشكالية عقد هذا المؤتمر قائمة في ظل عدم تحديد فترة زمنية وسقف معين لنهايتها، فإسرائيل عازمة على تدمير قطاع غزة بالكامل حتى لا يصلح القطاع للحياة وتهجير سكانه إلى الخارج طوعياً أو حتى قسرياً، وخصوصاً أن المسئولين النافذين في الحكومة الإسرائيلية يؤكدون مراراً وتكراراً على أن الحرب ستطول لعدة شهور وربما لعام 2026م، وكان بنيامين نتنياهو قد صرح أكثر من مرة هو ووزير دفاعه يوآف جالانت على أن عام 2024م سيكون عام الحرب، فمسألة إقامة المؤتمر في هذه الأجواء سيكون صعب للغاية وخصوصاً من جانب الأطراف العربية، وإطالة الحرب ستؤدي إلى الفتور وربما طرح مبادرات أخرى مستقبلاً غيرها من جانب الأطراف الفاعلة، هذا بفرض استمرار حكومة بنيامين نتنياهو لآخر العام.
- الانقسام الأوروبي: وسيترك هذا الانقسام أثره بشكل كبير على إمكانات تنفيذ الخطة، حيث لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي والفاعلين الإقليميين سيوافقون على تنفيذ خطة السلام التي اقترحتها الكتلة. فكما أسلفنا الذكر بأن الاتحاد الأوروبي يبذل قصارى جهده لتوحيد موقفه بخصوص الحرب ضد قطاع غزة، كما أنه يتعين الأخذ في الاعتبار أن على الجانب الأوروبي، الإجماع على حل الدولتين لا يعني بالضرورة الدعم الكامل لمخطط بوريل من قِبَل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
- احتمال إفشال الجهود من جانب إسرائيل: فقد عملت الحكومة الإسرائيلية على إثارة الخلاف مع جوزيب بوريل وادعت بأنه لا يعتبر محاوراً صالحاً لأنه “وضع نفسه في الجانب الفلسطيني”. مع العلم أنه تبنى في البداية الرواية الإسرائيلية في قلب الحقائق حول استخدام حركة حماس المستشفيات والمدنيين دروعاً بشرية)[ii](، وفي الوقت نفسه، دعا مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، إلى “تبني سياسة إسرائيلية أكثر قوة ” و”عدم السماح لبوريل أبدًا بأن تطأ قدماه الأراضي الإسرائيلية”. مع قناعة لدي بعض الدول الأوروبية مثل لوكسمبورج بأنه إذا إسرائيل لم تكن على طاولة المفاوضات فلا فائدة من عقد مؤتمرات للسلام، وإسرائيل غير مستعدة للسلام طالما أن حماس تشكل تهديداً([iii]). ومع ذلك، لا تشعر إسرائيل بالقلق من تلك الخطة، لأن اقتراح بوريل ليس لديه فرصة للنجاح من وجهة نظرهم. حيث توجد العديد من العقبات الأخرى، فلابد وأن تحصل على الدعم بالإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا توجد إرادة سياسية مشتركة وراء تلك الخطة، حيث توجد العديد من الدول الأوروبية ضمن الاتحاد تحتفظ بعلاقة متميزة مع إسرائيل. والخروج بقرار سيكون أكثر صعوبة لأنه سيأخذ وقتاً طويلاً لأن الاتحاد حالياً من27 دولة والتوافق حول الخطة سيأخذ وقتاً، كما أن الاتحاد ليس كالسابق حينما كان يتكون من تسع دول مثلما كان في مؤتمر كوبنهاجن عام 1973م، وتأكيد المؤتمر آنذاك على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
- الإجراءات الإسرائيلية الاستباقية لأية حلول: كجهود إسرائيل الرامية نحو تهويد مدينة القدس وأراضي الضفة الغربية بالمستوطنات والطرق الالتفافية، وزيادة عدد المستوطنين في القدس والضفة، هي بالأساس تغيرات جوهرية وهائلة، كما إن العقبات التي تحول دون وجود دولتين على طول خطوط عام 1967م، والتي من المفترض أن تشكل خط ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، هائلة بفعل سياسات الاحتلال أحادية الجانب، وتفويض أي مشروع مستقبلي يهدف لإقامة دولة فلسطينية. وقد تؤدي آثار الحرب الحالية ومخرجاتها ببساطة إلى جعل إمكانية حصول الشعبين على أرض خاصة بهما بعيدة المنال، خاصة مع وجود مشاريع حالية لإعادة الاستيطان لقطاع غزة نفسه.
- الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل ساهمت الإدارة الأمريكية الحالية في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ودعمها بشكل لا يوصف سواء سياسياً وعسكرياً ومالياً واستخباراتياً، وتحصينها من قرارات الأمم المتحدة، بالرغم من عدم استجابة إسرائيل للعديد من الضغوط الأمريكية وتزايد الخلافات بين الجانبين كتقليل استهداف المدنيين، وعدم تقليل مساحة القطاع فيما يسمى بالمنطقة العازلة، وخطة اليوم التالي للحرب على قطاع غزة….إلخ، والأمر الذي سيقود إسرائيل إلى التحلل من أية التزامات في خطة السلام الأوروبية إن وافقت هي من حيث المبدأ، وأية ضغط على إسرائيل من جانب الاتحاد الأوروبي سيواجه بضغوط على الاتحاد الأوروبي من جانب الولايات المتحدة.
الخلاصة
من الواضح أن تركيز المساعي الأوروبية في الفترة الحالية ينصب على تنشيط مسار السلام واستعادة الزخم للخطة التي سبق طرحها مطلع هذا العام، ويعول كثيراً على الأفكار والمقترحات العربية التي تقودها مصر إلى جانب كلاً من السعودية والأردن وقطر والإمارات في تفعيل هذا المسار كطريق وحيد لوقف الحرب واستعادة السلام للمنطقة.
وخلصت الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك العديد من أدوات التأثير في مواقف إسرائيل، فقد اتخذ عدة قرارات سابقة وضع ملصقات على السلع الإسرائيلية المنتجة في مستوطنات داخل الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان، والدعوة إلى حظر التجارة مع المستوطنات، وآخرها منع المستوطنين المتورطين بهجمات إرهابية ضد الفلسطينيين من الدخول إلى أوروبا، الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وهذه بلا شك خطوات متقدمة ، وفي حال عدم الاستجابة من جانب إسرائيل لهذه المساعي، قد يتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير أكثر قوة وصرامة للضغط على إسرائيل والتي تعد أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حتى تعي إسرائيل أن استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1967م، وعدم الاستجابة لقرارات الشرعية الدولية أمر مكلف وله ثمن.