إعداد:
نشوى عبد النبي – باحثة في العلوم السياسية
تقديم:
بعد عقود من النمو الاقتصادي الصيني تمكنت الصين من وضع نفسها في صلب حركة التجارة البحرية العالمية، وساعدت المكانة المميزة للصين في حركة التجارة البحرية العالمية من تحقيق فوائد اقتصادية ضخمة لها، ومنحت بكين تأثيراً أكبر على تدفق السلع حول العالم، والارتفاع السريع والمتواصل للاقتصاد الصيني على المسرح العالمي كان مدفوعا بالأساس بالزيادة الكبيرة في الصادرات، وحيث إن 80 % من التجارة العالمية تتم عبر البحار والمحيطات، فإن الاستفادة من شبكات الشحن البحري كان أمراً حيوياً لاستراتيجية الصين التنموية القائمة على التصدير.
ومن هنا فإن قطاع اللوجستيات في الصين هو قطاع حيوي بل هو منطلق الصين للمستقبل ، لذلك يركز هذا التقرير التحليلي على وضع قطاع اللوجستيات في الصين وأبرز نقاط القوة فيه في الوقت الراهن
خطط تطوير الموانىء في الصين:
احتفلت بكين عام 2023 بذكرى بمرور 10 سنوات على إطلاق الرئيس الصيني شي جين بينج مبادرة الحزام والطريق، في أكتوبر عام 2013، والتي تضم حالياً 149 دولة و32 منظمة دولي، وتهدف هذه المبادرة إلى تمكين الشعوب التي تقع على طول الحزام والطريق من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الفقر، وتعتمد هذه المبادرة بشكل أساسي على قطاع اللوجستيات والنقل بشقيه البري والبحري.
كشف مؤشر ربط الشحن البحري للربع الأول من عام 2023، أن الصين تمتلك عشرة من أفضل 100 ميناء في العالم، ويرتفع العدد إلى 11 ميناء إذا تم إدراج ميناء هونج كونج ضمن قائمة الموانئ الصينية، وبذلك تحتل الصين القائمة العالمية، يليها الولايات المتحدة التي لديها تسعة موانئ ضمن القائمة، بل إن الموانئ الصينية تتفوق على نظيرتها الأمريكية بمتوسط درجة اتصال 60.6 وذلك أعلى بكثير من متوسط نقاط الموانئ الأمريكية الذي يبلغ 44.5.
قامت الصين ببناء أكبر مجموعة من الموانئ في العالم خلال فترة الخطة الخمسية الـ13 (2016-2020)، وقد لعب التطوير المستمر لقطاع الموانئ دوراً رئيسيا في بناء “الحزام والطريق” والنهوض بالاقتصاد الصيني. خلال فترة الخطة الخمسية الـ13، ضخت الصين استثمارات إجمالية قدرها 364.4 مليار يوان (55.68 مليار دولار أمريكي) في تطوير الموانئ، وبناء خمس مجموعات من الموانئ حول بحر بوهاي، ودلتا نهر اليانغتسي، ودلتا نهر اللؤلؤ، وكذلك المناطق الساحلية الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية. وتم وضع خطة شاملة لأنظمة النقل الثمانية بما في ذلك الفحم والنفط وخام الحديد والحاويات والحبوب والسيارات ونقل المركبات بالسفن ونقل الركاب، مما يوفر محركات جديدة قوية لنمط التنمية الاقتصادية الجديد في الصين.
وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة النقل الصينية، استمر حجم الموانئ في النمو على مدى السنوات الخمس الماضية مع 2530 رصيفاً للشحن بالسفن التي يبلغ وزنها 10 آلاف طن. ومن بين أفضل 10 موانئ في العالم من حيث حجم شحن البضائع والحاويات، تمتلك الصين سبعة من كل فئة. وتم بناء أكثر من 1500 كيلومتر من الطرق لجمع البضائع وتوزيعها. وبلغ معدل النمو السنوي لنقل الحاويات بالسكك الحديدية والنقل البحري 20%..
دور الجغرافيا الطبيعية للصين في نجاح الموانئ الصينية
لا شك أن بعض المزايا الجغرافية الطبيعية مكنت الموانئ الصينية من تحقيق النجاح، فالأغلبية العظمى من الخط الساحلي الصيني يتمتع بإمكانية الوصول إليه على مدار العام، بعكس عديد من الموانئ في روسيا وشمال غرب أوروبا وكندا، حيث تؤدي الرياح والعواصف والجليد إلى الحيلولة دون عملها في أشهر الشتاء الطويلة والقارصة. كما أن عديدا من أكبر وأغنى المراكز السكانية في الصين تقع على طول الساحل الشرقي، ما يجعل بناء موانئ كبيرة أكثر جدوى من الناحية اللوجستية والاقتصادية.
ولكن إن أهمية الجغرافيا لا تنفي الدور الذي قامت به الحكومة الصينية لتحفيز نمو موانئ البلاد، لتلبية الطلب المتزايد باستمرار على المواد الخام وتسهيل النمو الاقتصادي الذي تقوده الصادرات، إلى الحد الذي دفع بالرئيس الصيني شي جين بينج إلى القول إن القوى الاقتصادية يجب أن تكون قوى بحرية وقوى شحن. إن لدى القيادة الصينية رؤية أكبر تهدف إلى تحويل الصين لقوة بحرية عالمية قادرة على تعزيز مصالحها في البحار والمحيطات، وخلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2019 أنفقت الحكومة الصينية 153 مليار دولار لبناء مرافق لموانئ جديدة وتحديث البنية التحتية للموانئ القائمة، وأسهم ذلك في زيادة النشاط في الموانئ الصينية الرئيسة.
من الواضح أن السلطات الصينية كانت تعي تماماً أن جهودها للهيمنة على التجارة البحرية الدولية لا يجب أن تقف عند حدود تطوير الموانئ الصينية، إذ انخرطت الصين في مشاريع للاستثمار والبناء في عشرات الموانئ عبر العالم. ولا شك أن ما يعرف بطريق الحرير البحري الذي أطلق في عام 2013 يقع في قلب عديد من مشاريع الموانئ الصينية في الخارج، وبما يعكس الاستراتيجية الصينية الطموحة لتعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال تعزيز الاتصال بين الصين والدول الأخرى. وفيما يلي عرض لأهم الموانئ والمناطق اللوجستية الصينية:
أولاً: ميناء ليانيوناج
ميناء ليانيوناج ميناء يربط الصين بالعالم، يطل على البحر الأصفر، والذي يعرف باسم طريق (الشرق للجسر البري الأوراسي) وبداية مسار (الشرق لطريق الحرير الجديد)، اختيرت مدينة «ليانيوناج» في مقاطعة «جيانغستو» بشرق الصين كمنطقة مخصصة للخدمات اللوجستية الدولية من خلال الخطة الاستراتيجية لمبادرة «الحزام والطريق» والمعروفة اختصارا بـ «BRi» كمدينة انطلاق للجسر القاري الأوراسي الجديد (آسيا – أوروبا).
نبذة تاريخية عن ميناء ليانيوناج
في عام 1984 اختيرت ليانيوناج ضمن المجموعة الأولى للمدن الساحلية المنفتحة في الصين، وبفضل هذا صار متوسط نصيب الفرد بها من إجمالي الناتج المحلي أعلى من متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في كل الصين، ولكنه الآن أقل بثلاثة آلاف يوان من متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في كل الصين.
إن الخط الساحلي لليانيوناج من نوعية ممتازة، وهو من الموارد الاستراتيجية، ولكن ليانيوناج لم تستفد من تفوق الميناء لأنها لم تطور صناعات تدعم هذا الميناء. بعد دراسة متأنية وتحقيق عميق طرحت حكومة مدينة ليونيوناج عام 2005، مستفيدة من آراء العلماء، مشروع بناء ليونيوناج لتكون مدينة ساحلية دولية جديدة في شرقي الصين، مساحتها 260 كيلومتراً مربعاً، وتضم مجموعة من البنايات الرائعة والطرق المشجرة المتقاطعة والمستنقعات الواسعة عند مدخل النهر إلى البحر والغابات داخل المدينة، وبناء قاعدتين صناعيتين على طول سكة حديد ليونيوناج – لانتشو وشاطئ البحر الذي يبلغ طوله 176 كيلومتراً، والإسراع في بناء الميناء المركزي الدولي الإقليمي والميناء الرئيسي للحاويات والميناء المتكامل الكبير الذي يساهم في دفع التطور الإقليمي بين دلتا نهر اليانغتسي وخليج بحر بوههاي.
نفذت حكومة مدينة ليونيوناج استراتيجيتها الجديدة في بناء منطقة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في ليونيوناج جيداً، وقد وسعت المنطقة مساحتها إلى منطقة الملاحات في جنوب جبل تيانتاي، والآن بها مجموعة من مشروعات الصناعات الجديدة مثل أجهزة توليد الكهرباء باستخدام طاقة الريح والسيارات الخاصة باستخدام الطاقة الشمسية والطب والأدوية الأحيائية والتلفزيون الرقمي والألياف الكربونية الخ. في عام 2007 تشكلت خمس مناطق فرعية داخل المنطقة، وهي حديقة الصناعة الدولية ومنطقة سونغتياو – دابو الصناعية ومنطقة تشونغيون ومنطقة بانتشياو الصناعية، وتم بناء منطقة دولية وبيئية ومنطقة للعلوم والتكنولوجيا العالية لتنمية الاقتصاد والتكنولوجيا في ليونيوناج.
القدرات اللوجستية لميناء ليونيوناج
تبلغ مساحة منطقة اللوجستيات 70 ألف كم2 تستوطن فيها 1600 شركة:
- أنشئ بها نظام متعدد الوسائط يدمج الطرق والسكك الحديد والأنهار مع البحر، بحيث بات مجمعاً صناعياً يشمل خدمات الاسكان والطاقة المتجددة، وهذا ما ساعد على تسهيل التبادلات التجارية بين أعضاء منظمة شنغهاي الدولية.
- بها منطقة تجارة حرة، وزادت حجم الحاويات بالميناء من 300 مليون طن إلى نحو 4 مليارات طن عام 2022، وتعتزم الصين ضخ استثمارات تقدر بنحو 150 مليار يوان لتطويره ليصبح أكبر ميناء دولي، وقد تم تصدير أكثر من 226 ألف سيارة عبر الميناء، وهو يعتبر واحدًا من أكبر ثلاثة موانئ في الصين.
- تعتزم الصين التوسع في المنطقة المخصصة للسيارات في الميناء لتستوعب 52 مليون سيارة. وهناك ثلاثة خطوط سكك حديدية للمحيطات، إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وإلى الولايات المتحدة وإلى جنوب إفريقيا، ويربط الميناء بخطوط سكك حديدية بها 4 محطات ترانزيت محلية، فضلاً عن خط للقطار السريع “الصيني – الأوروبي” الذي يتجه نحو خمس دول آسيا الوسطي وهي (الصين -روسيا) و(الصين – تركيا) و(الصين- منغوليا) و(الصين – أوزبكستان -قيرغيزستان).
- تقع مدينة لياونينج على الساحل الأوسط للصين، شمال شرق إقليم جيانجسو، وهي تعد مركزا للنقل الشامل برياً وبحرياً، وهي واحدة من 42 مركزاً للنقل الشامل في الصين، وبها مجمع بتروكيمياويات شامل من ثلاث شركات باستثمارات تقدر بـ 500 مليار يوان، ويعد واحدا من سبعة مجمعات كبرى في الصين.
يلعب هذا الميناء دورا محوريا في خطة الحزام والطريق بخطوط نقل بحرية، واستقطب نحو 300 شركة محلية ودولية صينية وأجنبية لديها أكثر من 21 خط نقل إلى المحيطات والشرق الأوسط والخليج العربي (ميناء جبل علي في دبي) وصولاً إلى موانئ اليابان وكوريا الجنوبية. في جانب آخر من الميناء هناك محطة للمسافرين تطل على جزيرة غاية في الجمال الطبيعي.
ثانياً: المنطقة اللوجستية الدولية لمنظمة شنغهاي للتعاون
افتتحت المنطقة اللوجستية الدولية لمنظمة شنغهاي للتعاون، التي تقع على مساحة 69.79 ألف متر مربع، بهدف خدمة مبادرة (الحزام والطريق) وتعمل بها 1.6 ألف شركة وتتمتع بنظام لوجستي متعدد الأنماط من طرق وخطوط السكك الحديدية ونقل بحري، وبها صناعات لوجستية ومواد خام ومحطات للطاقة المتجددة والمواد الخام. وحققت نموا كبيرا في السنوات الماضية، حيث ارتفعت العوائد المالية للمنطقة من 25 مليون يوان عام 2018 إلى 6.31 مليار يوان في عام 2022، وزاد حجم البضائع المشحونة من 14.64 مليون طن عام 2018 إلى 64.93 مليون طن عام 2022.
أهم الموانئ الصينية ميناء شنغهاي الذي عالج بمفرده عام 2019 نحو 17 % من إجمالي إنتاج الحاويات في الصين، وإضافة إلى كونه أكبر ميناء في الصين، فقد احتل أيضا المرتبة الأولى عالميا باعتباره أكثر موانئ الحاويات ازدحاما في العالم منذ عام 2010، عندما تجاوز ميناء سنغافورة.
ثالثاً: المنطقة اللوجستية (الصينية – الكازاخية)
تعمل الصين وكازاخستان بقوة على تطوير النقل العابر عبر الطرق والسكك الحديدية والنقل الدولي متعدد الوسائط البري والبحري، وقاعدة التعاون اللوجستي بين الصين وكازاخستان Lianyungang ، وميناء Korgos-Dongdaemun الجاف ، وممر النقل الدولي بين غرب الصين وأوروبا الغربية وغيرها من مشاريع البنية التحتية الرئيسية لضمان أوروبا. يسمح تدفق البضائع بين القارات الفرعية أيضًا للمنتجات الكازاخستانية بأن يكون لها منفذ للإبحار. في عام 2022 ، سيصل حجم شحن السكك الحديدية بين الصين وكازاخستان إلى 23 مليون طن ، بزيادة سنوية قدرها 20٪. يعمل خط السكة الحديد السريع بين الصين وأوروبا الذي يمر عبر كازاخستان بشكل مستمر، مما زاد من استغلال إمكانات النقل العابر في كازاخستان.
افتتح رئيسا الصين وكازاخستان في عام 2014 المنطقة اللوجستية (الصينية – الكازاخية) في مدينة لياونينج، كأول مشروع منصة مادية للتعاون الاقتصادي والتجاري الدولي للحزام والطريق ، بعد ما يقرب من 10 سنوات من التطوير ، أصبحت قاعدة التعاون اللوجستي بين الصين وكازاخستان . وهي منخرطة في عمليات النقل الدولية متعددة الأنماط وشحن وتفريغ خدمات نقل الحاويات، وتقع ساحات الحاويات على مساحة 220 ألف متر مربع، وبها 3.8 ألف كيلو متر من خطوط السكك الحديدية. ويقدم المركز الرقمي التابع لها خدمات تتضمن وضع جداول التشغيل وإدارة المنطقة اللوجستية وتشغيل قطارات الشحن من الصين إلى أوروبا، وتقع على مساحة 020. 1 ألف متر مربع.
منذ إنشاء قاعدة التعاون اللوجستي بين الصين وكازاخستان، أصبح من الأنسب لكازاخستان تصدير منتجاتها الزراعية ومنتجاتها المعدنية. في الوقت نفسه، يمكن للمنتجات من جنوب شرق آسيا ودول أخرى دخول كازاخستان بسرعة أكبر. ظل مشروع هذا المشروع اللوجستي بين الصين وكازاخستان قيد التشغيل منذ ما يقرب من 10 سنوات وحقق تغطية كاملة للمواقع الرئيسية في آسيا الوسطى. توسعت أنواع البضائع العابرة من قطع غيار السيارات الأولية والمكونات الإلكترونية إلى العديد من المجالات مثل مواد البناء، والأثاث المنزلي، والكهروميكانيكية ، والحبوب ، والمعادن ، والمواد الكيميائية.
مؤشرات قطاع اللوجستيات في الصين خلال عام 2023
أعلن الاتحاد الصيني للوجستيات والمشتريات أن قطاع اللوجستيات في البلاد حافظ على نموه خلال النصف الأول من العام 2023، حيث ارتفع الطلب في السوق بشكل متواضع، وأظهرت بيانات تقرير صناعي للاتحاد الصيني للوجستيات والمشتريات أنه:
- فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية الاجتماعية: ارتفعت الخدمات اللوجستية الاجتماعية بنسبة 4.8 % على أساس سنوي لتصل قيمتها إلى 160.6 تريليون يوان (حوالي 22.51 تريليون دولار أمريكي). وأوضحت أن إجمالي إيرادات قطاع اللوجستيات زاد بنسبة 5.3 % على أساس سنوي ليصل إلى 6.3 تريليون يوان. وعلى الرغم من التحديات الماثلة، لا يزال الاتحاد الصيني واثقا بآفاق نمو القطاع لهذا العام بأكمله، مرجعا ذلك إلى إمكانات القطاع الهائلة ومرونته القوية.
- فيما يتعلق بالطلب اللوجستي على المنتجات الصناعية: على وجه الخصوص، يتمتع الطلب اللوجستي على المنتجات الصناعية بأساس متين للتعافي. وفي العام 2023، تسارع إجمالي الخدمات اللوجستية للمنتجات الصناعية شهرا بعد شهر. وكان معدل نموها في أبريل الماضي أعلى بمقدار 1.7 نقطة مئوية عن مارس. ومع تعافي الشركات في السلسلة الصناعية، تحسنت البيئة لنمو القطاعات بشكل أكبر، مما أدى إلى نمو أسرع أو تراجع أبطأ لأكثر من 60% من الصناعات. وفي أبريل 2022، ساهم تصنيع المعدات بـ1.3 نقطة مئوية في معدل نمو الخدمات اللوجستية للمنتجات الصناعية. وفي بيان مفصل، سجلت صناعة السيارات والآلات الكهربائية وصناعة تصنيع المعدات زيادة بنسبة 44.6% و17.3% على التوالي في إجمالي الخدمات اللوجستية خلال الشهر.