إعداد
د. حسام يونس
باحث في العلوم السياسية – فلسطين
مقدمة
يسعى الإحتلال الإسرائيلي إلى إعادة صياغة الواقع الإنساني في غزة، ضمن استراتيجية شاملة بما يخدم أهداف الاحتلال. فمنذ عقود، كان الدور الذي تضطلع به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) محوريًا في تقديم الدعم الإنساني لملايين الفلسطينيين، إلا أن إسرائيل سعت على الدوام لتقويض هذا الدور، وصولًا إلى الدفع باتجاه مشروع قانون لحظر أنشطة الأونروا. في موازاة ذلك، ظهر توجه متزايد نحو استخدام الشركات الأمنية الخاصة في إدارة وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول خطة الاحتلال الإسرائيلي لليوم التالي في قطاع غزة.
تهدف هذه الورقة التحليلية إلى استكشاف أبعاد هذا التحول من خلال تحليل لقانون حظر الأونروا، وتوظيف الشركات الأمنية الخاصة في تقديم المساعدات، وآثار ذلك على الاستجابة الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
خطة تقويض عمل الأونروا وأبعادها الاستراتيجية
قانون الكنيست حظر أنشطة الأونروا
أقر الكنيست الإسرائيلي بشكل نهائي قانون حظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنعها من دخول البلاد خلال 90 يومًا، في تحدٍ للضغوط الأمريكية وغيرها من الضغوط الدولية للحفاظ على أكبر مزود للمساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين في البلاد، ولم يجد القرار ترحيبا حتى من الدول الحليفة لإسرائيل، فدعت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة السلطات الإسرائيلية إلى تعليق تشريعاتها هذه، محذرة من عواقبها المدمرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك وفق ادعاء كاذب بمشاركة الأونروا فصائل المقاومة الفلسطينية الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023م.
وكانت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قد صادقت في السادس من أكتوبر 2024 م على مشروعي القانون، وأعلن الكنيست في بيان أن مشروع القانون الذي قدمه النائب بوعز بيسموت، والذي يُعد سابقة تهدف إلى وقف أنشطة وكالة أونروا في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، قد اجتاز القراءتين الثانية والثالثة خلال الجلسة العامة للكنيست، وأصبح جزءًا من قوانين دولة إسرائيل في 28 أكتوبر 2024م.
فقد صوت أعضاء الكنيست بأغلبية 92 صوتًا مقابل 10 على حظر أنشطة الأونروا، التي تعمل في إسرائيل وفقًا لمعاهدة عام 1967، من إجراء “أي نشاط” أو تقديم أي خدمة داخل إسرائيل، بما في ذلك مناطق القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية التي ضمتها إسرائيل، كما أقرّ الكنيست في جلسته اقتراح قانون آخر ينص على “منع مؤسسات الدولة وكيانات وأشخاص يتولون مناصب عامة بحسب القانون من إقامة أي علاقة بالأونروا، أو لأي جهة من طرفها، مع إلغاء التسهيلات الضريبية والحصانة الدبلوماسية التي تتمتع بها الأونروا.
هذا القرار مزيج من 3 اقتراحات قدمها رون كاتس ودان إليزو ويوليا مالينوفسكي من حزب “إسرائيل بيتنا” وأعضاء آخرون في الكنيست، مع الإشارة إلى أن اقتراح إعلان الأونروا منظمة إرهابية كان من اقتراح مالينوفسكي، ولم يتم التصويت عليه.
واستولى الاحتلال الإسرائيلي على الأرض المقام عليها مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بمدينة القدس في 10 أكتوبر 2024م، وتم تحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية تضم 1,440 وحدة سكنية، بداعي استخدام الأرض دون موافقة سلطة أراضي إسرائيل، وتغريم الوكالة وإجبارها على دفع عشرات ملايين الشواقل كإيجار متأخر عن السنوات التي استخدمت فيها العقار. مع العلم بأن الأرض المقام عليها مقر الأونروا مستأجرة لصالح الأونروا حسب الوثيقة الموقعة بين الأردن والأونروا في أكتوبر سنة 1952م، وهناك وثائق وملحقات عام 1970م بحسب دائرة شئون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية.
كما أبلغت وزارة خارجية إسرائيل، الأمم المتحدة بشكل رسمي، بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع وكالة “الأونروا” عام 1967م التي تنظم عملياتها الإغاثية بغزة والضفة الغربية في الرابع من نوفمبر 2024م.
النتائج المترتبة على القانون
- إنهاء الاتفاقية بين إسرائيل والأونروا، الموقعة في يونيو 1967، التي سمحت وسهلت عمليات الوكالة والتنسيق مع سلطات الدولة. بموجب الاتفاقية، التزمت إسرائيل بتسهيل “مهمة الأونروا قدر استطاعتها”. وسيدخل القانون حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من إقراره، بينما يصبح إنهاء الاتفاقية ساري المفعول على الفور.
- إغلاق مقر الأونروا في القدس الشرقية، وهو بمثابة المركز الإداري والتنظيمي لعملياتها في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- سيمنع فعليًا تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر رفح، وسيتعين تنسيق جميع شحنات المساعدات إلى غزة مع “هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق”، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية، والتي تفتش جميع الشحنات، إن عملها يعوقه بالفعل التأخير من الجانب الإسرائيلي، والقتال المستمر، وانهيار القانون والنظام داخل غزة بحسب الهيئات الإغاثية.
- من شأن قطع العلاقات الدبلوماسية أن يمنع إسرائيل من إصدار تصاريح الدخول والعمل لموظفي الأونروا الأجانب.
- منع التنسيق مع الجيش الإسرائيلي للسماح بشاحنات المساعدات، ما سيحدّ بشدة من قدرة الأونروا على مزاولة أنشطتها في غزة والضفة الغربية المحتلة.
- سيعرض عمليات الأونروا في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة للخطر الشديد، وسيتسبب في عواقب كارثية على اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
إن هذا القانون سيجعل من الصعب على الأونروا التعامل مع البنوك الإسرائيلية، مما سيؤدي إلى الانهيار الإداري للوكالة في الضفة والقطاع بسبب العراقيل التي ستوضع على دفع الرواتب، وعلى الدفع للموردين الذين لهم علاقة ببنك ليؤمي (الإسرائيلي)، وفقاً لصحيفة هآرتس
في الرابع من نوفمبر 2024م.
أهداف إسرائيل والولايات المتحدة:
إن سياسة إسرائيل في إنهاء مهام وأنشطة الأونروا في المناطق المحتلة عام 1967م، ليست بالجديدة، كما أن إلغاء الأونروا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة أمر أشبه بمستحيل عموماً، لذلك كثفت تل أبيب من جهودها لإفشال الأونروا كسبيل لتحويلها إلى وكالة شكلية، مثل تجربة جعل لجنة التوفيق الدولية بشأن فلسطين، المكلفة بتوفير الحماية الدولية الشاملة، وبحل قضية اللاجئين عبر تطبيق القرار 194 لعام 1948م، هيئة شكلية غير فاعلة، موجودة اسمياً ولكنها غائبة كلياً عن الفعل منذ مطلع الخمسينيات، هي نموذج ناجح ومتاح للولايات المتحدة واسرائيل. وعليه، لا يمكن فهم وقف التمويل الأمريكي للأونروا إلا التنصل من المسؤولية الدولية حيال قضية اللاجئين وحقوقهم عبر تحويلها إلى قضية عربية وفلسطينية.
ومنذ نهاية عام 2015م، تعرضت الأونروا لهجوم أمريكي شرس من جانب الكونجرس الأمريكي تحديداً يهدف إلى التشكيك في شرعية وجودها من الناحيتين السياسية والأخلاقية، في محاولة لتقويض دورها. وترتكز هذه الحملة على مزاعم بأن الأونروا تمثل “عائقاً أمام السلام” وتساهم في إطالة أمد الصراع العربي-الإسرائيلي، بالإضافة إلى اتهامها بتطبيق معايير مزدوجة لعدم سعيها إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين.
واكتسبت تلك الهجمة دافعاً قوياً مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السابقة، ففي عام 2018م، اشتدت الحملة الإسرائيلية ضد وكالة أونروا، مستفيدة من الدعم العلني الذي وفرته إدارة ترامب. فبعد إعلانها الاعتراف بالقدس “عاصمة” لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، دعت الإدارة صراحة إلى إنهاء عمل أونروا. وفي هذا الإطار، قررت وقف الدعم المالي السنوي المخصص للوكالة، والذي كان يُقدر بنحو 365 مليون دولار. كما أتبعت ذلك بقرار آخر يقضي بحجب مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار كانت مخصصة للضفة الغربية وقطاع غزة خلال نفس العام.
بعد اعتراف دونالد ترامب بالقدس “عاصمة” لإسرائيل، جعل بنيامين نتنياهو إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين أحد أهدافه الرئيسية. ووفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين حتى منتصف 2024م نحو 7.4 ملايين من إجمالي حوالي 14.8 مليون فلسطيني وفلسطينية داخل فلسطين التاريخية وخارجها)(.
وفي هذا الإطار فقد استغلت الحكومة الإسرائيلية هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر عام 2023م، باعتبارها فرصة تاريخية وذهبية في آن واحد للنيل من مكانة وشرعية الأونروا في قطاع غزة والضفة الغربية، بالصورة التي من الممكن أن تخدم سياسة إسرائيل في إبادة وتجويع الشعب الفلسطيني، وإن لم يكن بالقتل فمن الممكن بالقتل المعنوي تهجيره عن أرضه.
فقد وضعت وزارة الخارجية الإسرائيلية خطة لاستهداف الأونروا تم تسريبها عبر قناة 12 الإسرائيلية يوم 28 ديسمبر 2023م، نقلاً عن مصادر مسئولة، ونشرت ملخصها صحيفة Times of Israel في اليوم التالي، وتهدف الخطة إلى إنهاء عمل الأونروا في قطاع غزة، تمهيداً لإنهائه في باقي مناطق عملها، وتنقسم الخطة إلى ثلاث مراحل:
الأولى هي الكشف في تقرير شامل عن تعاون مزعوم بين حركة حماس والأونروا، التي تقدم الرعاية والخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين من حربي 1948م و1967م وأحفادهم.
المرحلة الثانية “قد تشمل تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة.
أما المرحلة الثالثة، فستكون عبارة عن “عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب.
موقف القانون الدولي من قانون حظر أنشطة الأونروا:
يعد هذا القانون تصرفًا عدوانيًا ضد مؤسسات الأمم المتحدة وميثاقها، وانتهاكًا واضحًا لأحكام القانون الدولي والأعراف والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946م. كما يتناقض بشكل كبير مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة القرار رقم 302 الذي أنشأ وكالة “الأونروا” استجابة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين عام 1949م، ومنح الوكالة تفويضًا لتقديم المساعدة والحماية لهم. وهذا يشير إلى التزام المجتمع الدولي بقضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد فشله في تنفيذ القرار 194 الذي يضمن لهم حق العودة().
يمثل تقليص أنشطة الأونروا في غزة انتهاكًا للإجراءات المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية في القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. ففي 26 يناير 2024، أصدرت المحكمة قرارها الأول بشأن الإجراءات المؤقتة، والذي ألزم إسرائيل باتخاذ “تدابير فورية وفعالة لضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية اللازمة لتحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة”، وفي 28 مارس 2024، أكدت المحكمة على ضرورة أن “تتخذ إسرائيل جميع التدابير الفعالة والمناسبة، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة، لضمان تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية الملحة من قبل جميع الأطراف المعنية دون أي عوائق(). وهذا القانون يتعارض مع قرارات محكمة العدل الدولية المذكورة، كما يمكن اعتبار نتائجها انتهاكًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
إن وقف أنشطة الأونروا، وما يترتب على ذلك من منع وصول المساعدات الأساسية للاجئين، خصوصًا في غزة، قد يُصنّف أيضًا كجريمة حرب بموجب اتفاقية روما، التي تجرّم تعمد استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب. كما أن هذه التشريعات تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المادة 2(5)، التي تلزم جميع الدول الأعضاء بدعم الأمم المتحدة في أعمالها. كما تتعارض مع المادة 104 التي تمنح الأمم المتحدة الأهلية القانونية اللازمة لتنفيذ وظائفها، والمادة 105 التي تكفل امتيازاتها وحصاناتها لضمان أداء مهامها بفعالية.
كما أن الأونروا وموظفيها محميون بموجب القانون الدولي وتعتبر الإجراءات الإسرائيلية غير قانونية وباطلة ولاغية. وتخالف هذه الإجراءات امتيازات وحصانات الأمم المتحدة بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 الذي أنشأ الأونروا، و194 الذي أكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. كما تتعارض مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي أكد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة.
ردود أفعال الأمم المتحدة على القانون
أدان العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام أنطونيو غوتيريش، القانون. مؤكداً غوتيريش على الدور المركزي الذي تلعبه الأونروا في توصيل المساعدات وقال إن الحظر الفعلي سيكون له “عواقب مدمرة”. ووصفت القائمة بأعمال رئيس مكتب تنسيق المساعدات التابع للأمم المتحدة، جويس مسويا، القرار بأنه “خطير ومثير للغضب”، بينما قال فيليب لازاريني من الأونروا إن مشاريع القوانين “ستزيد من معاناة الفلسطينيين ولا تقل عن العقاب الجماعي”.
وأعلن المتحدث باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان جيريمي لورانس أن عمليات تسليم المساعدات “ستتوقف” بدون الأونروا، ووصف رئيس الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس هذا التطور بأنه “لا يطاق”. وأشارت إيمي بوب إلى أن الأونروا ليست مجرد وكالة مساعدات، بل إنها توفر أيضًا التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والحماية للاجئين الفلسطينيين.
كما ذكّرت رئيسة اليونيسف كاثرين راسل بأن الأونروا ضرورية لتقديم المساعدات المنقذة للحياة للأطفال والأسر الفلسطينية، مؤكدة أن “هذا القرار خطير؛ حياة ومستقبل الأطفال الفلسطينيين على المحك”، بينما أدان جيمس إلدر، أحد موظفي اليونيسف في المنطقة، القرار قائلاً “لقد تم العثور على طريقة جديدة لقتل الأطفال”.
في أعقاب الإعلان، أصر المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ينس ليركه على أن الأمم المتحدة تحاول “عدم تنفيذ” قرار الكنيست، مستشهداً بتدفق الاحتجاج ليس فقط من الأمم المتحدة، بل وأيضاً من “مسؤولين حكوميين بارزين ورؤساء دول”.
أبلغ غوتيريش رئيس الجمعية العامة أنه كتب رسالة إلى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يدعو فيها حكومته إلى الاستمرار في السماح للأونروا بالعمل واحترام التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
وأصدر أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 30 أكتوبر 2024م بياناً جماعياً يحذر بشدة من أي محاولات لتفكيك أو تقليص عمليات الأونروا وتفويضها، وأعربوا عن قلقهم البالغ إزاء اعتماد التشريع وأشاروا إلى تقديرهم لعمل موظفي الوكالة. إذا استمر تمرير مشاريع القوانين دون عوائق، فسوف تدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يومًا من اعتمادها.
وفي حقيقة الأمر إن مواجهة الأمم المتحدة لقانون الكنيست المتعلق بحظر الاونروا وأنشطتها في المناطق المحتلة عام 1967م، خصوصاً وأن الطرف الآخر هو إسرائيل فإنه ليس بإمكان الأمم المتحدة تحدي هذا القانون حتى ولو لم يكن تشريعاً، لأن وجود الأونروا في الأراضي المحتلة يتوقف على موافقة إسرائيل باعتبارها “دولة مضيفة” تتمتع بالسيادة على أراضيها، وسلطة قائمة بإدارة الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن قرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن ديسمبر 1949م ، وهو غير ملزم قانونياً كمعظم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، ومن الناحية القانونية، ليس بوسع الأمم المتحدة ما تفعله لتجبر إسرائيل على التراجع عن قرارها، خاصة أن الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة التي بإمكانها التأثير على إسرائيل، تتبنى الرواية الإسرائيلية.
وجدير بالذكر أن هناك توجه لدى بعض الموظفين في الأونروا إلى النظر في مهامها في الوقت الحالي ونذكر في هذا الشأن حديث نائب المفوض العام للأونروا، “أنطونيا دي ميو”،الذي أثارت فيه جدلاَ فلسطينياً بوصفها تحمل “أبعاداً سياسية وأمنية واجتماعية” تمس اللاجئين الفلسطينيين، وتتناقض مع مهام الأونروا التي يجب ان تتواصل بموجب القانون الدولي حتّى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، في مقالٍ لها بعنوان “الأونروا شريان حياة للأمل” نشرته في مجلة “Cairo Review of Global Affairs” الصادرة عن الجامعة الأمريكية في القاهرة، عن استعداد الوكالة لنقل خدماتها إلى إدارة فلسطينية “في ظل احتمالات حقيقية للتوصل إلى حل سياسي”، وهو ما يتناقض مع مهام الوكالة التي يتوجب ان تتواصل بموجب القانون الدولي حتّى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وفق القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة. وقالت دي ميو أيضاً، إنّ “وكالة الأونروا ليست لديها مصلحة في الاستمرار إلى الأبد، وأنها مستعدة لدعم عملية انتقالية محددة زمنياً، تتولى خلالها إدارة فلسطينية تقديم الخدمات التي تقوم بها الوكالة حالياً”.
إسرائيل وتوظيف الشركات الأمنية الخاصة لتقديم المساعدات الإنسانية
تدرس إسرائيل إطلاق “برنامج تجريبي” قد يسمح لشركات الأمن الخاصة الأميركية بأن تحل محل الجيش في شمال غزة “لمرافقة قوافل الغذاء والدواء” للفلسطينيين الذين ما زالوا في المنطقة المدمرة، من أجل يوم تالي أفضل في قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل. تمت مناقشة الاقتراح في اجتماع عقده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع وزير الدفاع إسرائيل كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في 19 نوفمبر 2024م.
ومن وجهة نظر إسرائيل ترى بأن يكون هناك دور للشركات الأمنية الخاصة لتأمين اليوم التالي في غزة بما يحقق مصالحهاـ بالمقارنة مع أية جهة أخرى بإمكانها تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، فهي مثلاً ترفض أي دور لوجود قوة أممية في قطاع غزة، وذلك لأنه في وجود قوة للأمم المتحدة في قطاع غزة تعكس مخاوفها من فقدان السيطرة الأمنية والسياسية على القطاع، حيث ترى إسرائيل أن أي وجود دولي قد يقيد حريتها في التحرك العسكري أو يُستخدم كغطاء لدعم أطراف معادية لها، مثل حماس. كما أن ذلك قد يؤدي إلى تعزيز شرعية مطالب الفلسطينيين بالسيادة على القطاع.
وبالنسبة لوجود قوات عربية، فإن هناك صعوبة نشر قوات عربية في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب تعود إلى عدة عوامل، من بينها غياب توافق سياسي بين الدول العربية على طبيعة وحجم المهمة، والخشية من الانزلاق في صراع داخلي مع الفصائل الفلسطينية المسلحة مثل حماس، بالإضافة إلى المخاوف من ردود فعل إسرائيلية أو دولية تعارض هذا التدخل. كما أن الوضع الأمني المعقد في القطاع وعدم وجود ضمانات لسلامة القوات يزيد من التحديات أمام تنفيذ مثل هذه الخطوة.
وهذا إلى جانب رفض الحكومة اليمينية الإسرائيلية أي دور للحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية السماح بلعب أي دور في غزة، بغية الاستمرار في تعميق الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإضعاف فرص تحقيق مصالحة وطنية شاملة أو استئناف عملية السلام بشكل جدي.
في يناير 2024م، جربت قوات الدفاع الإسرائيلية “فقاعات إنسانية” يديرها أشخاص محليون ليس لديهم علاقات بحماس، مثل شيوخ بعض العشائر، في ثلاث مناطق في شمال غزة. وكان من المفترض أن تدير هذه الشخصيات التي تم فحصها توزيع المساعدات التي ينقلها الجيش الإسرائيلي من معبر إيريز الغربي. وفي حال نجحت ، فسوف تتوسع مسؤولياتها لتشمل مجالات الحكم المدني وتوفير الخدمات مثل المخابز، وسوف يمتد استخدام “الفقاعات” جنوباً.
ولكن هذه الخطط التجريبية لم تنطلق قط. فقد كانت خطة “الفقاعات” كانت بمثابة فشل ذريع انتهى بقتل حماس للعديد من الفلسطينيين المكلفين بتوزيع المساعدات بسبب التخابر مع الاحتلال، إلى جانب أن العشائر الفلسطينية رفضت أن تتسلم المساعدات بعيداً عن السلطة الرسمية، واكتفت بدور قيام الشباب من العشائر في جميع أنحاء قطاع غزة بتأمين دخول المساعدات لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق حتى تصل إلى مستحقيها من خلال الجهات المخولة بالتوزيع، خصوصاً بعد استهداف الاحتلال المستمر لأجهزة الشرطة التي كانت تعمل على تأمين شاحنات المساعدات.
فيبقى وجود الشركات الأمنية الخاصة الدور في اليوم التالي هو الخيار الأمثل لدى إسرائيل، ون يتم استخدام الشركات الإسرائيلية، لكن إسرائيل تبحث في استخدام شركة أمنية أمريكية، والتي سيوفر جيش الاحتلال الإسرائيلي محيطًا أمنيًا حولها، مثلما حدث في محافظة شمال غزة وتطبيق ما يسمى بخطة الجنرالات أي توفير المحيط الأمني لعملها عبر القتل والتهجير.
أهم وأبرز الشركات الأمنية المرشحة للعمل في قطاع غزة
ومن بين أبرز المنافسين على العقد الذي تبلغ قيمته ملايين الدولارات ما يلي:
1- شركة كونستيليس* Constellis
تعتبر شركة كونستيليس الخليفة المباشر لشركة المرتزقة سيئة السمعة بلاك ووتر، غيرت شركة بلاك ووتر اسمها، واندمجت مع شركات أخرى عملت مع الجيش الأميركي، وشكلت مجموعة تسمى كونستليشنز. وتوظف الشركة حاليا 20 ألف شخص في الولايات المتحدة، وتنشط في 39 دولة أخرى حول العالم، وتحاول منشوراتها تجنيد المرتزقة بوعد بظروف اجتماعية متقدمة وتأمين، و70% من موظفيها من قدامى المحاربين في وحدات عسكرية أميركية.
2- شركة أوربيس Orbis
وهي شركة غير معروفة في ولاية كارولينا الجنوبية يديرها جنرالات سابقون عملت مع البنتاجون لمدة عشرين عاماً. توظف 450 شخصاً، وتخدم وزارة الدفاع الأميركية منذ عشرين عاماً ـ وتوفر في الأساس الخدمات اللوجستية، والمشتريات، والصيانة، وهندسة الكمبيوتر، وخدمات الدعم في القواعد والمرافق العسكرية. وقد أسسها ويديرها جاي موسمان، وهو ضابط أميركي كبير سابق في البحرية الأميركية.
3- شركة جلوبال ديلفري Global Delivery Company (GDC)
ويمتلك هذه الشركة رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي موردخاي” موتي” كاهانا(*)، أنها تتفاوض على استقدام شركة أمنية أميركية إلى غزة للعمل معها. وتتولى شركة GDC مسؤولية الخدمات اللوجستية وتوصيل الطعام، ومن بين الخيارات التي طرحها كاهانا في مقابلة إعلامية إحضار كونستيليس إلى غزة، بعد تجنيد قدامى المحاربين في وحدات قتالية من الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية، والتأكد من أنهم ليسوا يهودًا.
وتضم حوالي 14000 فرد أمن يعملون مع GDC، ويعملون في 100 دولة مختلفة. عندما يتعلق الأمر بغزة، فإن المقاولين العسكريين الخاصين هم ست شركات من جميع أنحاء العالم، إحدى هذه الشركات بريطانية، يضم فريق الموظفين المباشر لشركة GDC ضباطًا أمريكيين وإسرائيليين سابقين رفيعي المستوى، من الجيش وأجهزة الاستخبارات)(.
وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 8 أكتوبر 2024م، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اختار شركة كاهانا للتعامل مع تسليم المساعدات إلى غزة، لكن كاهانا قال إنه لم يتلق تأكيدًا. وأضاف إنه إذا تم منح GDC العقد، فإن تسليم المساعدات الفعلية إلى غزة سيتم بواسطة شركة أمنية بريطانية تعمل الآن في العراق، مكونة من قوات خاصة بريطانية والتي قال إنه لا يستطيع تسميتها حتى يتم الانتهاء من الاتفاق، وأضاف أن إن الشريك التنفيذي البريطاني سيحتاج إلى 30 يومًا للانتشار بمجرد منحه الضوء الأخضر.
تجارب سابقة للشركات الأمنية الخاصة
إن العديد من شركات الأمن الخاصة لديها سجل طويل في دعم العمليات التي نفذها الجيش الأميركي أثناء الحرب على “الإرهاب”، وتضم صفوفها محترفين مدربين تدريباً جيداً خدموا على مستويات النخبة في جيش بلادهم. ولديهم خبرة واسعة في تنفيذ أنواع المهام التي قد تكون حاسمة في المشهد الذي مزقته الحرب في غزة، بما في ذلك حماية القوافل الإنسانية، وحراسة البنية الأساسية الحيوية، وتأمين كبار الشخصيات. إن الشركات الأمنية الخاصة تدرك جيداً ضرورة تنسيق أنشطتها مع جيش يسيطر على ساحة المعركة بالكامل، ففي حالة قطاع غزة، جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لا شك أن حالات الإساءة البارزة قد شوهت سمعة الشركات الأمنية الخاصة في نظر الكثيرين. ومن أشهر هذه الحالات ما حدث في العراق في 16 سبتمبر عام 2007م عندما قتل موظفو شركة بلاك ووتر الأميركية 17 مدنياً في مذبحة ساحة النسور.
ووفقاً لجيريمي كونيانديك، وهو مسؤول إغاثة كبير سابق في إدارة بايدن، ورئيس منظمة اللاجئين الدولية الآن بأن لدى الولايات المتحدة تجارب سابقة، خلال ذروة عصر “الحرب على الإرهاب”، أحيانًا المقاولين العسكريين وهذا النوع من تسليم المساعدات العسكرية، وكانت دائمًا كارثة، فقد تعرض المقاولون الممولون من الولايات المتحدة والذين اتخذوا نهجًا أمنيًا مسلحًا لضربات كثيرة، لأنهم كانوا يُنظر إليهم على أنهم مقاتلون.
الكيفية التي تعمل بها الشركات الأمنية في توفير المساعدات
ومن المتوقع أن توافق الحكومة أيضا على خطة لتوزيع المساعدات الإنسانية في شمال غزة من قبل شركة الأمن الأميركية GDC، وتتمثل خطة GDC في إنشاء فقاعات إنسانية في غزة. وسيُكلف جيش الدفاع الإسرائيلي بـ “تطهير” أي فقاعة من الإرهابيين وإقامة جدار فاصل في غضون 48 ساعة. وسيُحظر الدخول إلى هذه المجمعات باستثناء السكان الذين يعيشون في الحي، والذين سيحصلون على إذن من خلال التعريف البيومتري
قدمت GDC الخطة إلى وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وكانت على اتصال بالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية مثل المطبخ المركزي العالمي World Centeral Kitchen التي ستقدم مساعداتها. ومن المتوقع أن يأتي تمويل المشروع من أموال الحكومة الأميركية والتبرعات من الخارج. في المرحلة الأولى، سيبدأ النشاط في شمال غزة.
حيث قدم اقتراحًا لشركة GDC للإشراف على توصيل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. تبلغ قيمة العقد في غزة 200 مليون دولار للأشهر الستة الأولى، ستمولها “الولايات المتحدة وشركاء إسرائيل”. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع أبديا اهتمامهما، إلا أن الموافقة لم تأت بعد من الحكومة الإسرائيلية أو مجلس الوزراء الحربي أو مجلس الشيوخ، لكن المحادثات جارية.
ووفقاً لكاهانا إنه حدد 14 منطقة في جميع أنحاء غزة لمجتمعاته المغلقة، وإذا تم إعطاء الضوء الأخضر لاقتراحه، فسوف يبدأ بواحدة في شمال شرق غزة. هذه المجتمعات المغلقة المصممة للفصل، ستكون محاطة بجدران أمنية وتحت حراسة مسلحة. للدخول والخروج من المنطقة، سيخضع السكان للفحص البيومتري. أي شخص يرفض، أو تم تصنيفه، على حد تعبير كاهانا، على أنه “الرجل الشرير” من قبل إسرائيل وأنظمتها للذكاء الاصطناعي، لن يتلقى المساعدات وسوف يدفع بلا شك ثمنًا باهظًا. وبهذه الطريقة، فإن الهدف النهائي للمشروع هو أن يعتمد سكان غزة بشكل كامل على مضطهديهم.
يقترح كاهانا اقتراح لتسليم المساعدات قدمته GDC في مايو2024م عبر مخطط تجريبي يتم فيه نقل الإمدادات عبر معبر إيريز إلى منشأة تخزين محمية في بيت حانون في شمال غزة، ومن هناك إلى نقاط التوزيع القريبة، سيتم التوزيع بواسطة فرق مسلحة بشكل خفيف في شاحنات مدرعة صغيرة. إن هذه الخطة تتضمن تجهيز قوات الدفاع الإسرائيلية بمعدات مكافحة الشغب لاستخدامها في السيطرة على الحشود، بما في ذلك الرصاص البلاستيكي ومدافع المياه. ولكن سيتم إنشاء قوة رد فعل سريع على بعد كيلومتر واحد أو أقل، والتي ستتدخل بأسلحة أثقل إذا تعرضت فرق التوزيع للهجوم، تتصور خطة GDC أن مناطق التوزيع سوف تتوسع إلى “مجتمعات مسيّجة” تحت حراسة مسلحة، من أجل لتوزيع المساعدات().
وتدعي الشركة في بيان صادر عنها في أكتوبر 2024م، أنه تم تدريب وتجهيز الأفراد العاملين لدى المقاول الأمني على أساليب غير مميتة وقاتلة للسيطرة على الحشود. ويتم تدريبهم على استخدام القوة المميتة فقط كملاذ أخير إذا كانت حياتهم في خطر، وجدير بالذكر، أن أي شركة أمريكية ستحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ لتقديم خدمات مسلحة للحكومة الإسرائيلية.
إن إساءة استخدام البيانات يمكن أن يكون لها آثار سلبية خطيرة على جميع جوانب حياة شخص ما، وبالنسبة لأولئك الذين هم بالفعل عرضة للخطر ويتعرضون للتمييز، فإن العواقب السلبية لاستخدام البيانات البيومترية – سواء التعرف على الوجه أو مسح القزحية أو بصمات الأصابع، سوف تتضخم.
هناك قيود وحماية يتم وضعها إذا تم جمع البيانات البيومترية من قبل المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية، لكن كاهانا أكد على الافتقار إلى الرقابة والمساءلة عندما يتعلق الأمر بالشركات الخاصة، مثل GDC، سيتم مشاركة البيانات البيومترية مع حكومات الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا.
أسباب الاستعانة بالشركات الأمنية الخاصة في قطاع غزة
منع حركة حماس أو العصابات الأخرى من الاستيلاء على شاحنات المساعدات، على حد زعم الاحتلال الإسرائيلي في تمويل أنشطتها، وبناء قدراتها من جديد مما سيؤثر على استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
سحب عنصر أساسي من الحكم المدني لحماس، يعني تقليص أو إزالة دور الحكومة المحلية في إدارة شؤون غزة بشكل كامل أو جزئي، مما يؤدي إلى تعزيز الدور العسكري أو الأمني في التحكم بالقطاع
تحرير جنود جيش الدفاع الإسرائيلي من المهمة الخطيرة.
عدم تحمل الاحتلال الإسرائيلي لأية مسئولية تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كقوة احتلال.
استخدام المساعدات الإنسانية كستار لا علاقة له بتوزيع المساعدات، بل يتعلق بالمراقبة والسيطرة على القطاع، والتأكد من عدم عودة أفراد وعناصر فصائل المقاومة إلى تلك المناطق التي ستعمل فيها تلك الشركات الأمنية في شمال قطاع غزة.
إعفاء جيش الاحتلال الإسرائيلي من أي مساءلة، وسيُسمح له بالعمل بأقل قدر ممكن من المساحة، بينما ستواصل الشركات الأمنية ومقاولوها عملهم، تحت إشرافها، ستكون هناك مزايا محددة يتم الحصول عليها من خلال استخدام هؤلاء المقاولين الأمنيين الخاصين في غزة. إن الافتقار إلى التنظيم والرقابة يعني أن المقاولين يمكنهم العمل دون عقاب. لا يمكن محاسبتهم على تصرفات موظفيهم، لأنهم يعملون نيابة عن الحكومة الأمريكية، ولا يمكن تحميل الحكومة الأمريكية المسؤولية عن تصرفات المقاول لأنهم ليسوا موظفي الحكومة الأمريكية.
التفرغ لإستكمال أهداف الحرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة عبر الضغط العسكري ومجازر الإبادة ــ ناهيك عن التعامل مع التهديدات من لبنان وإيران. إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يملك الموارد أو القوى البشرية أو الشرعية اللازمة لتأمين المهام المدنية الرئيسية مثل توصيل المساعدات، وإزالة الأنقاض، واستعادة الخدمات الأساسية، وتجنيد قادة فلسطينيين جدد، وفي نفس الوقت يرفض أي دور للأونروا في غزة والضفة الغربية أيضاً.
صعوبات توظيف الشركات الأمنية الخاصة في قطاع غزة
- البرنامج التجريبي لم يحصل بعد على موافقة مجلس الوزراء الأمني ”بسبب الصعوبات القانونية في تعريف الاحتلال” على أساس القانون الدولي.
- التكلفة المالية الباهظة في ظل الازمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل بسبب عدوانها على غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن منذ أكثر من عام، وحاجتها لبنا وإعادة الإعمار خصوصاً في مستوطنات شمال إسرائيل، ومن أجل ذلك تدرس أجهزة الأمن جلب تمويل خارجي من منظمات المساعدات الإنسانية أو الدول الأجنبية للشركات المرتزقة، والتي تكلف عشرات الملايين من الدولارات لتشغيلها.
- افتقار الشركات الأمنية إلى الخبرة في توزيع المساعدات الإنسانية. فهي مجهزة لأغراض الحرب والقتال، إذ تركز الشركات الأمنية عادة على توفير الحماية وتنفيذ مهام أمنية، ولا تمتلك التدريب أو المعرفة الكافية في التعامل مع التحديات اللوجستية والمعقدة التي يتطلبها توزيع المساعدات الإنسانية، مما قد يعرقل تقديم الدعم الفوري والضروري للمتضررين.
- لا يخضع المتعاقدون للقانون العسكري، ولا يزال القانون العام الدولي والأميركي بشأن هذه القضية مفقودًا. والواقع أن مسائل العقوبة الجنائية وحتى المدنية للمتعاقدين المتورطين في أبو غريب ومقتل ميدان النسور استغرقت أكثر من عقد من الزمان حتى شقت طريقها عبر المحاكم وما زالت دون حل فعليًا. وها سطرح تساؤلات عدة ما هي آليات المساءلة القانونية لقوة المتعاقدين المقترحة: القانون الجنائي الأميركي؟ القانون المدني الأميركي؟ النظام القانوني الإسرائيلي؟ النظام القضائي للسلطة الفلسطينية؟ النظام القانوني الموازي لنظام حماس؟ لا شيء مما سبق؟.
- لا يلتزم المتعاقدون بالقيادة والسيطرة العسكرية ولا حتى بالروابط الشخصية أو الوطنية، بل ببساطة بعقد قابل للكسر بسهولة. وهناك أمثلة متعددة لموظفين في شركات عسكرية خاصة يرفضون اتباع الأوامر، بما في ذلك من ضباط أميركيين. الواقع أن بعض المقاولين رفضوا حتى إعطاء أسمائهم لضباط الجيش الأميركي الذين وصلوا إلى مسرح المذبحة في ميدان النسور. وفي الآونة الأخيرة، تحول رفض المقاولين البقاء في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية إلى “نقطة تحول” في انهيار الحكومة أمام طالبان.
التداعيات الإنسانية المحتملة
في ضوء ما تقدم، فإن قانون الكنيست يعكس تصاعدًا في السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تقليص أو إنهاء الدعم المقدم للاجئين الفلسطينيين، وسيكون له تداعياته العميقة على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، سواء في مناطق الشتات أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الإجراء وهو ما سيؤثر على العديد من الجوانب المتعلقة بحياتهم، على النحو التالي:
التأثير على الخدمات الإنسانية. تقدم الأونروا خدمات أساسية للاجئين الفلسطينيين في مجالات مثل التعليم، الرعاية الصحية، الإغاثة الاجتماعية، فإن حظر الكنيست لهذه الوكالة سيؤدي إلى تقليص هذه الخدمات أو حتى توقفها في في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يفاقم الوضع الإنساني للاجئين الذين يعتمدون على هذه الخدمات للبقاء على قيد الحياة، وبالنسبة للتعليم ستتأثر آلاف المدارس التي تديرها الأونروا، وسيؤدي ذلك إلى انقطاع التعليم عن أعداد كبيرة من الطلاب اللاجئين، مما سيزيد من نسبة الأمية ويعوق فرصهم المستقبلية. وستتوقف الرعاية الصحية بدون الأونروا، قد يكون من الصعب تأمين هذه الخدمات في بعض المناطق، مما يهدد صحة اللاجئين. كما ان توقف الإغاثة الاجتماعية سيتسبب في زيادة معدلات الفقر والبطالة.
تفشي حالة عدم الاستقرار الاجتماعي. إن حظر الأونروا يمكن أن يزيد من احتمالات الأزمات الاجتماعية، خصوصًا في المخيمات التي تعاني من ظروف معيشية صعبة في ظل زيادة معدلات الفقر والبطالة والظروف المعيشية الصعبة.
تهميش حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.إن من الأهداف الرئيسية للأونروا هو الحفاظ على قضية اللاجئين الفلسطينيين حيّة في الخطاب الدولي، بما في ذلك حق العودة. حظر الأونروا قد يسهم في محاولة تقليص الاعتراف الدولي بحق العودة، وبالتالي يؤدي إلى تأجيل أو تهميش هذه القضية المهمة.
تقويض الالتزام للمجتمع الدولي بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. تسعى إسرائيل إلى فرض واقع جديد يتجاهل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، من خلال قانون حظر الأونروا، إن هذه المحاولات لا تهدف فقط إلى إضعاف الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، بل أيضاً إلى محو آثار النكبة وتفكيك الحقوق التاريخية للاجئين الذين لا يزالون يعانون من نتائج التهجير القسري منذ عقود.
الضغط على المنظمات الدولية الاخرى. في حالة حظر الأونروا، سيعتمد اللاجئون الفلسطينيون بشكل أكبر على المنظمات الدولية الإنسانية الأخرى التي قد تحاول تلبية بعض احتياجاتهمـ كأن يقوم برنامج الأغذية العالمي في تقديم المساعدات الغذائية، ومنظمة الصحة العالمية في تقديم الرعاية الصحية للاجئين، إلى جانب اليونيسف واليونسكو في تقديم الخدمات التعليمية، وأن تتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ملف اللاجئين الفلسطينيين لتعمل على دمجهم، ولكن بالنظر إلى أن هذه المنظمات غالبًا ما تكون محدودة الموارد مقارنة بالأونروا، فإن قدرتها على تلبية احتياجات اللاجئين ستظل قيد الاختبار، خصوصاً وأن بيئة عمل الأونروا هي بيئة صراع وأزمات متعددة ومتكررة، قد أكسبتها خبرة في كيفية تقديم المساعدات الإنسانية في مثل هذه الظروف، ومن الصعوبة على أية منظمة دولية أخرى ان تقوم بهذا الدور في تلك الظروف.
تداعيات استخدام الشركات الأمنية
إن توظيف الجيش الإسرائيلي للشركات الأمنية لتقديم المساعدات الإنسانية يثير العديد من التساؤلات حول تداعيات هذه السياسة على المشهد الإنساني في قطاع غزة. يأتي هذا النهج كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض دور المؤسسات الإنسانية الدولية، مثل الأونروا، وإعادة تشكيل العمل الإنساني، وخصخصة الحكم العسكري في القطاع بما يتماشى مع الأجندة الإسرائيلية في إبعاد المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن إسرائيل، ونقلها إلى مليشيات مسلحة، فمن المسلم به أن تلك الشركات تعمل وفق منطق الربح وليس المبادئ الإنسانية، تُستخدم كأداة للرقابة والسيطرة على السكان الفلسطينيين، مما يزيد من تعميق الأزمة الإنسانية، كما أن الاستعانة بالشركات الأمنية يسهم في تقويض القوانين الدولية التي تكفل الحياد والإنصاف في تقديم المساعدات، وتفتح المجال أمام انتهاكات جديدة تتعلق بحقوق الإنسان. لذلك، فإن استخدام الشركات الأمنية يعتبر خطوة خطيرة تُحوّل العمل الإنساني من هدفه الأساسي إلى أداة في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
وفقاً لمنظمة العفو الدولية في وقت سابق كيف يتم استخدام إسرائيل لأنظمة المراقبة البيومترية، مثل التعرف على الوجه، لتعزيز الفصل العنصري وقمع الفلسطينيين. كما إن أنظمة المراقبة البيومترية هذه تزيد من القيود التعسفية المفروضة على حرية التنقل وتديم بيئة قسرية وتهدف إلى إجبار الفلسطينيين على الخروج من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للسلطات الإسرائيلية.
وتشعر منظمة العفو الدولية بقلق بالغ من أن أي استخدام للمراقبة البيو مترية عن بعد، في مواجهة خطر الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، من شأنه أن يضاعف القيود القائمة على حرية التنقل وتسليم المساعدات الإنسانية ويساهم في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في غزة.
وعلى خلفية الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في يوليو/تموز 2024، والذي أكد أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة، يتعارض مع القانون الدولي، فإن أي جهد لاستخدام تكنولوجيا المراقبة البيومترية لممارسة المزيد من السيطرة في غزة، من شأنه أن يخاطر بإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المتزايدة للقانون الدولي.
خاتمة
في ختام هذه الورقة التحليلية، نجد أن محاولات الاحتلال الإسرائيلي لإعادة تشكيل المشهد الإنساني في قطاع غزة تأتي ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى فرض مزيد من السيطرة والتحكم في الواقع الإنساني، سواء من خلال حظر أنشطة الأونروا أو توظيف الشركات الأمنية الخاصة في تقديم المساعدات الإنسانية. هذا التحول يشكل تهديدًا مباشرًا للمعايير الإنسانية الدولية، ويحول العمل الإغاثي إلى أداة تُستخدم للضغط السياسي وفرض الهيمنة العسكرية والسيطرة على مناحي الحياة في قطاع غزة . إن تقويض دور الأونروا، الذي يُعد عاملًا أساسيًا في استمرارية تقديم الدعم للاجئين الفلسطينيين، إلى جانب استغلال الشركات الأمنية الخاصة لتوزيع المساعدات، يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في القطاع. كما أن هذا النهج يسهم في تقليص فاعلية المساعدات الإنسانية ويؤثر سلبًا على استقلالية العمل الإنساني، مما يفاقم معاناة السكان الفلسطينيين.
وهذا يوضح إلى حد بعيد خطة حكومة بنيامين نتنياهو لما بعد الحرب على قطاع غزة التي تتألف من “احتلال عسكري ومرتزقة ومستوطنات، وهذه وصفة مؤكدة للكارثة القادمة للأجيال في قطاع غزة.
لذا، يتعين على كافة الجهات المعنية التحرك بشكل حازم لمنع هذه السياسات العدائية، والعمل على ضمان استمرار تقديم الدعم الإنساني بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو أمنية، مع الحفاظ على المبادئ الأساسية التي تحكم العمل الإنساني، وتقديم المساعدات للمحتاجين، بغض النظر عن انتماءاتهم أو الظروف المحيطة بهم.