إعداد: آية بدر
باحثة دكتوراه متخصصة في الدراسات الأمنية ودراسات النزاعات المسلحة
تمهيد:
تجاوز الصراع العسكري بالسودان شهره الثامن عشر، وتسارعت في الآونة الأخيرة العديد من الديناميكيات والعوامل التي كان لها تأثيرها على مجريات الصراع وأنماط التفاعل بين الفاعلين المنخرطين فيه وموازين القوى ونقاط الهيمنة. وفي الأسبوع الأخير من سبتمبر، بدأ الجيش السوداني تحركه من أجل استعادة السيطرة على الخرطوم، الأمر الذي من شأنه أن يُعيد ترسيم خريطة الصراع ومساراته المستقبلية المحتملة.
ومع تحقيق الجيش لبعض النجاحات من أجل استعادة السيطرة على بعض النقاط الهامة في بعض الولايات الاستراتيجية، شنت ميلشيا الدعم السريع بعض الهجمات الانتقامية، وهو ما من شأنه أن يسهم في تغير المسارات المحتملة لجولات الاقتتال وتوازنات القوى بين طرفي النزاع، خصوصًا في ظل استعادة الصراع المنسي في السودان للاهتمام الدولي من جديد جراء تفاقم المآسي الإنسانية وما يُرتكب من انتهاكات ومذابح تصل حد جرائم الحرب.
محاور المواجهة الأخيرة :
قبيل انطلاق التحركات الأخيرة للقوات المسلحة السودانية صوب الخرطوم الخاضعة لسيطرة ميلشيا الدعم السريع، كان طرفا الصراع يتقاسمان النفوذ والهيمنة على العديد من الولايات كما يتبين من الخريطة المقابلة، بل إن بعض الأقاليم كانت تشهد صراعات متجددة بين الطرفين مثلما هو الحال في دارفور وكردفان وغيرها.
https://www.economist.com/media-assets/image/20240525_WOM938.png
إلا أن تلك الخريطة قد تشهد تغيرات بفعل تحرك قوات الجيش السوداني في الأسبوع الأخير من سبتمبر تجاه العاصمة الخرطوم من أجل استعادة السيطرة عليها، بعدما كان الجل الأعظم منها خاضعًا لسيطرة ميلشيا الدعم السريع منذ تأجج الصراع العسكري في أبريل 2023 ونجاحهم حينها في محاصرة مقار الجيش.
تركزت المواجهات الأخيرة على ثلاثة محاور استراتيجية رئيسة وهي: جسر الحلفايا وجسر النيل الأبيض وجسر الفتيحاب، كما يتضح من الخريطة المقابلة.
فمنذ بدء الصراع كانت القوتان تتقاسمان السيطرة على بعض الجسور، معادا جسر النيل الأزرق الذي نجح الجيش في الاحتفاظ بالسيطرة عليه، أما جسور الفتيحاب والنيل الأبيض والحلفايا، فكان لكل منهما سيطرة على إحدى أطرافه فقط.
أسفرت تلك المعارك المستمرة عن نجاح الجيش في العبور عبر تلك الجسور لبعض نقاط تمركز ميلشيا الدعم السريع وإنهاء حصارها لبعض مناطق تمركز قوات الجيش، وتم الإعلان عن استرداد الجيش لبعض المناطق مثل منطقة الكدرو، وإن كان ذلك لا يعني حسم الأمور لصالح قوات الجيش فهي لم تنجح بعد في بسط سيطرتها على كافة أرجاء العاصمة، حيث اسهمت العمليات المضادة لعناصر الدعم السريع، المدعومة من الخارج من قوى دولية وإقليمية في تقليص انجازات القوات السودانية في بعض المناطق ، فاضطرت قوات الجيش للإنسحاب التكتيكي من بعض المناطق.
جدير بالذكر أنه في وقت سابق من العام الجاري، سبق أن استعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان، إلا أن إحكام السيطرة على كامل العاصمة يظل تحديًا أمام قوات الجيش التي لم تتمكن من طرد عناصر الدعم السريع إذ لاتزال تحتفظ بقوتها وكفاءتها القتالية على الأرض، بما يجعل الجيش يعول على الهجمات الجوية والمدفعية في عملياته العسكرية ضدها. ولاتزال ميلشيا الدعم السريع تمثل تحديًا للعديد من معاقل الجيش، خصوصًا في مدينة الفاشر غرب السودان والتي تعتبر معاقل الجيش في إقليم دارفور وتخضع لحصار من تلك القوات على نحو أفضى لعواقب وخيمة إنسانيًا.
كما أن بعض التقديرات قد رصدت مؤشرات لاحتدام وتيرة المواجهات المسلحة بين طرفي الصراع، من خلال تنامي وتيرة القصف المدفعي والغارات الجوية في كل أرجاء البلاد، وخصوصًا في نقاط الصدام مثل دارفور وبعض أجزاء العاصمة وولاية النيل الأزرق وغيرها، إلا أن كلا الجانبين تتقلص قدراتهما في توسيع نطاق سيطرتهما الإقليمية بفعل تشدد قدراتهما على جبهات عديدة، بما يجعل الهجمات بالمدفعية تكتيكًا رئيسيًا بالمواجهات.
وقبيل التحرك صوب الخرطوم، تجددت الاشتباكات في بداية سبتمبر حول مصفاة الجيلي النفطية في جنوب بحري والتي تعد مصدرًا للوقود لميلشيا الدعم السريع تعتمد عليه في عملياتها بمدن الخرطوم، فيما سعت عناصر الدعم السريع للتحرك من أجل الاستيلاء على قاعدتين للقوات المسلحة في شمال منطقة الخرطوم بحري؛ للانفراد بالسيطرة على تلك المدينة. بينما تواجه قوات الجيش السوداني مأزق في النيل الأزرق في ظل وقوعه بين شقي رحى تحرك الدعم السريع من الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان من الجنوب.
التداعيات على ميلشيا الدعم السريع:
من ناحية أخرى، تشير التقديرات لتصاعد التوترات الداخلية في صفوف عناصر ميلشيا الدعم السريع في دارفور على أساس عرقي، كما حدث في نهاية أغسطس 2024، حيث وقعت اشتباكات في مدينة مليط شمالي دارفور بين جماعتي الرزيقات والزيادية حيث أراد مقاتلو الزيادية منع مقاتلي الرزيقات من نهب سوق مدينتهم، وهو ما يمكن الاستدلال منه على الأزمات الكامنة والمتعمقة داخل صفوف الدعم السريع التي تتسم بطبيعة تكوينها غير المحترفة وعلى أسس المصالح دون العقيدة العسكرية التي يمكن أن تؤلف صف مكوناتها متباينة الأصول الإثنية والعرقية، وهو ما يدفع تلك العناصر لاستغلال انضمامها لتلك الميليشيا لتحقيق أجنداتهم ومصالحهم المتباينة بما قد يؤدي لصدام مصالحهم مع بعضهم البعض على حساب الرؤية والهدف التي يحاول قائدها ( دجلو ) وداعميه تحقيقها.
وفي ظل تحقيق قوات الجيش السوداني بعض التقدم الميداني، استمر اختلال موازيين القوى لصالحه مع سلسلة الانشقاق في صفوف ميلشيا الدعم السريع على المستوى القيادي، ولعل أبرزها وأول تلك الانشقاقات جاء مع انشقاق القائد المليشياوي ” أبو عاقلة كيكل” المنتمي لولاية الجزيرة والذي كان قائدًا للدعم السريع بالولاية منذ سيطرتهم عليها في ديسمبر 2023 وكان من قبل قائدًا لقوات درع السودان وقرر الانضمام للدعم السريع خلال الصراع الراهن. وقد أدى انشقاقه لاتخاذ القتال في الولاية مسارًا انتقاميًا على أسس جهوية ومناطقية حيث أقدمت عناصر الدعم السريع على ارتكاب مجازر وانتهاكات تصل حد جرائم الحرب، وقد رحب الجيش السوداني بهذا الانشقاق مؤكدًا العفو عن كل العناصر العسكرية التي تقرر العودة لصفوف الجيش النظامي مرة أخرى.
ونظرًا لما يمثله ذلك الانشقاق من هزيمة لقوات الدعم السريع، فقد شهدت ولاية الجزيرة موجة دامية من الانتقام من تلك القوات التي كثفت اعتدائها على مختلف مدن الولاية وسكانها عبر ارتكاب مجازر وإبادة جماعية واختطاف وتنكيل طال النساء والأطفال وكبار السن، بيد أن ميلشيات الدعم السريع قد ألقت باللوم على قوات الجيش باعتبارها المسؤولة عن تلك المجازر بفضل تسليحها للمدنيين بالولاية مما اضطر الدعم السريع للاشتباك معهم.
صاحبت تلك الهجمات الدامية موجة واسعة من التنديد الدولي والإقليمي، لعل أبرزها التنديد الأممي وما أثاره المفوض السامي لحقوق الإنسان بشأن المخاوف جراء اشتداد أعمال العنف منذ 20 أكتوبر بعد انشقاق كيكل، مما أسفر وقوع مذابح جماعية في عدة قرى مثل قرية السريحة وبلدتي تمبول ورفاع، وندد الأمين العام للأمم المتحدة بتورط الأطراف الخارجية في تأجيج النزاع بدلاً من المساهمة في حلحلته.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل توالت موجات الانشقاقات في صفوف الدعم السريع، فقبل نهاية شهر أكتوبر، عُقد مؤتمر صحفي في بورتسودان أعلن فيه 5 قادة آخرون انشقاقهم، مشيرين إلى أن نوايا الدعم السريع لتسخير سواحل البحر الأحمر السودانية لصالح دول أخرى هي السبب الرئيسي لاندلاع الحرب.
تحديثات الموقف الإنساني في السودان (أكتوبر – نوفمبر 2024):
وفي ظل عدم توقف المعارك بين طرفي الصراع، فقد كان للأمر آثاره وعواقبه الإنسانية الوخيمة، خصوصًا على المدنيين، الأمر الذي استدعى إطلاق العديد من المراقبين والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية العديد من التحذيرات من مغبة استمرار الصراع لما قد يفضي إليه من كوارث غير مسبوقة.
فمع استمرار الاقتتال، تستمر موجات القتل الجماعي وما يصاحبها من نزوح سواء داخلي، أو لخارج حدود السودان كما يتضح من الخريطة المقابلة.
ووفقًا للتقديرات الأممية، فإن السودان قد وصل إلى ما يمكن توصيفه بـ “نقطة الانهيار” مع تزايد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية الطبية، ومع نزوح أكثر من 8 ملايين شخص بفعل الحرب، وما لا يقل عن نصفهم هم من الأطفال. ووفقًا لجنة مراجعة المجاعة التي تدعمها الأمم المتحدة، فمخيمات اللاجئين في منطقة دارفور بصدد أن تتفاقم بها كوارث المجاعة، بل إنها تأكدت في مخيم زمزم في شمال دارفور، وفي الأمد المنظور، من المتوقع أن يواجه نحو 25.6 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد مع انتشار الصراع. فضلاً عما تتسبب فيه الحرب من عرقلة وصول الإغاثة والإمدادات العاجلة للسكان، وازداد الوضع سوءًا مع موجة الفيضانات في صيف هذا العام والتي أدت لانهيار بعض الجسور الرئيسة بإقليم دارفور، مما أسهم في المزيد من التعثر على صعيد وصول المساعدات للمناطق المتضررة من الحرب.
وطال التدهور الكارثي الوضع الصحي أيضًا، ففي 12 أغسطس 2024 تم الإعلان رسمياً عن تفشي وباء الكوليرا في البلاد، وبلغت معدلات الإصابات منذ 22 يوليو و15 سبتمبر نحو 8,457 حالة مُبلغ عنها، و299 حالة وفاة في حوالي 8 ولايات. واتصالاً، أشارت منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2024 إلى أن عدد القتلى منذ بدء الصراع لا يقل عن 20 ألف قتيل، إلا أن تقديرات المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو تشير إلى أن ضحايا الصراع قد يقدر عددهم بنحو 150 ألف ضحية.
ومن ناحية أخرى، قد تصاعدت التحذيرات بشأن إمكانية وقوع جريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية بإقليم دارفور من جديد في ظل تنامي مؤشرات تلك الجرائم خلال القتال في مدينة الفاشر على وجه الخصوص، مع الوضع في الاعتبار أن لإقليم دارفور خبرة تاريخية مريرة مع تلك الجرائم خلال العقد الأول من القرن الحالي والتي أسفرت حينها عن قتل نحو 300 ألف شخص من الإثنيات غير العربية من خلال مسلحي الجنجويد بقيادة حميدتي، وهو ما يُخشى تكراره من جديد خلال الصراع الحالي. وقد ارتكبت قوات الدعم السريع العديد من الجرائم والانتهاكات مثل استهداف المستشفيات وتصفية المدنيين وحتى النساء والأطفال، ويُخشى من سقوط مدينة الفاشر في أيدي تلك القوات، إذ أن غالبية سكان المدينة من العرقيات غير العربية وخاصة المساليت، فضلاً عن أنها باتت مأوى العديد من النازحين من مدن أخرى في دارفور ممن فروا من بطش قوات الدعم السريع.
ووفقًا لتقديرات منظمة هيومان رايتس ووتش، فثمة حاجة عاجلة لتدخل المجتمع الدولي لوقف ممارسات التطهير العرقي بحق إثنية المساليت في إقليم دارفور، خاصة بعد الانتهاكات والجرائم المرصودة بعيد هجمات القوات على الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والتي شهدت العديد من الممارسات مثل التعذيب والاغتصاب والنهب وانتزاع الأطفال من ذويهم والتنكيل بكبار السن والجرحى، مما اضطر أكثر من نصف مليون لاجئ للفرار من غرب دارفور إلى تشاد. وطالت الانتهاكات أيضًا السكان العرب. وقد حددت هيومن رايتس ووتش قائد الدعم السريع، وشقيقه عبد الرحيم حمدان دقلو، وقائد الدعم السريع في غرب دارفور جمعة بارك الله باعتبارهم المسؤولين عن تلك الجرائم، بالإضافة لبعض الميليشيات المتحالفة معهم وزعيمين قبليَّين عربيَّين.
كما أن المحكمة الجنائية الدولية قد استعرضت في أغسطس 2024 بعض تقديراتها للحالة في إقليم دارفور وما يشهده من انتهاكات جسيمة حتى منتصف العام الجاري، بفعل ما شهده ذلك الإقليم من جرائم حرب من قبل طرفي النزاع، مؤكدًا الاستمرار في جمع الأدلة بغية تحقيق المساءلة والمحاكمة لكل من اتركب جرائم الحرب خلال الصراع الراهن، إلى جانب المضي قدمًا في تحقيق العدالة الانتقالية بحق جرائم نظام عمر البشير في ذات الإقليم.
أبرز التطورات في أدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين:
في ظل ازدياد الصراع تعقيدًا والتجدد المستمر للمواجهات والاقتتال، يصعب أن تلوح في الأفق مسارات التفاوض ولجوء طرفي النزاع لطاولة المفاوضات تلقائيًا، فضلاً عن تعذر حسم أي منهما للقتال لصالحه، وهو ما تتنامى معه أهمية دور الأطراف الخارجية التي بإمكانها تحقيق المساعي الحميدة وتذليل سبل صنع السلام وكذا تقديم المساعدات الإغاثية والتدخلات الإنسانية، وإن كان ذلك الدور الخارجي لا يقتصر على التدخل الإيجابي فحسب، فثمة تورط لبعض القوى على نحو يُزيد الصراع تأججًا وتعقيدًا.
الأمم المتحدة ودور مجلس الأمن .
جدد مجلس الأمن قرار تمديد العقوبات المفروضة على السودان لمدة عام إضافي حتى سبتمبر 2025 مستهدفًا حظر الأسلحة واستهداف المتورطين بالصراع خصوصًا في دارفور من خلال حظر السفر وتجميد الأصول وحظر الأسلحة. هذا بالإضافة إلى تشكيل لجنة عقوبات تشرف على تنفيذ القرار.
وخلال فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد البرهان على انتقاد بلاده لضلوع أطراف إقليمية -لم يسمها- في الصراع من خلال دعمها للدعم السريع بالمال والسلاح، مشيرًا إلى أن هذا الدور هو أحد أهم أسباب استمرار الصراع وطول أمده دون انتهاء وبغيابه تنتهي الحرب، إلا أن تلك القوى تقوم بهذا الدور لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية. كما طالب البرهان الأمم المتحدة بتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية.
وجراء التدهور على مختلف الأصعدة وتفاقم المآسي الإنسانية، تنامت الحاجة لتعزيز التمويل المخصص للتدخل الإنساني والإغاثة بالسودان، وهو ما تم مناقشته في الاجتماع الوزاري لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونوقشت خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2024 في السودان والتي تستهدف جمع 2.7 مليار دولار أميركي لمساعدة 14.7 مليون شخص حتى نهاية هذا العام، ولم تفلح الجهود الدولية سوى بتوفير 49% من تلك المتطلبات التمويلية، فضلاً عن خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين في السودان للعام الجاري والتي تتطلب توفير 1.5 مليار دولار لدعم 3.3 مليون لاجئ، ولم يتوفر سوى 25% فقط من تلك المستهدفات.
الإتحاد الأفريقي.
حرص الاتحاد الإفريقي على الاضطلاع بدوره إزاء الأزمة في السودان بغية استعادة مسار الحكم المدني الدستوري من جديد، وسعى مجلس السلم والأمن الافريقي في جلسته في أغسطس 2024 لمتابعة تطورات الصراع من أجل المضي قدمًا نحو وقف إطلاق النار، فضلاً عن القيام بالدور الرقابي بشأن الانتهاكات وجرائم الحرب، وقد طالب المجلس الأطراف المتحاربة، بالوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، والبدء في مسار الحل التوافقي والمستدام للأزمة. وتم الإشادة بجهود الاتحاد الإفريقي لبلورة حل سياسي للأزمة من خلال عقد اجتماعين تحضيريين في يوليو وأغسطس من العام الجاري.
في مطلع نوفمبر الجاري 2024، تقدمت الحكومة السودانية بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بالاتحاد الأفريقي ضد تشاد بدعوى تورطها في الصراع وتقديمها دعم لميلشيا الدعم السريع، من خلال معبر أدري الرابط بين السودان وتشاد والذي يقع قرابة غرب دارفور.
كما تم الإشادة بجهود مصر إزاء الصراع السوداني ومساعيها للتنسيق والحوار بين أطراف الصراع برعاية الاتحاد الإفريقي وإيجاد. فيما تم إدانة كافة أنماط التدخل الأجنبي في الصراع في السودان وما يحدث من انتهاكات لقرارات مجلس الأمن الدولي عبر تقديم الأسلحة والدعم المالي للأطراف المتحاربة بما يؤدي لتغذية الصراع بدلاً من تهدئة الاقتتال. في حين أن رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة قد اشترط لقبول وساطة الاتحاد الإفريقي في الصراع أن يستعيد السودان عضويته المُجمدة في المؤسسة، والتي جُمدت في 2021.
دولة الإمارات .
استمر الحضور الإماراتي في المشهد السوداني من المربع السلبي المرتبط بإستمرار إتهامها من جانب الحكومة السودانية بالتدخل لصالح الدعم السريع وعرقلة مساعي السلام في السودان، وتعرض مقر بعثتها الدبلوماسية في الخرطوم لهجوم، قامت الإمارات على أثره بإدانة هذا الإمارات الهجوم، واتهمت الجيش السوداني بالوقوف خلف الهجوم عبر طائرة تابعة لسلاح الجو السوداني. وهو ما نفاه الجيش السوداني جملة وتفصيلاً. واتصالاً، سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لمناقشة ملف الصراع في السودان خلال محادثات بينه وبين نظيره الإماراتي محمد بن زايد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونفت الإمارات كل ما يثار بشأن تورطها في الصراع. وربما وصلت رسائل للجانب الأمريكي من بعض الأطراف الإقليمية الداعمة للإستقرار في السودان بضروة تحذير بعض الدول من الاستمرار في العبث بأمن السودان.
جمهورية مصر العربية.
لم تتوان الدولة المصرية عن تقديم الدعم لمسار الحل السياسي والدبلوماسي للصراع من جهة، مع الاستمرار في استقبال اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية من جهة أخرى. على سبيل الذكر، في منتصف سبتمبر 2024، وصلت سفينة الإمداد التابعة للبحرية المصرية (أبو سمبل – 2) إلى ميناء بورسودان، ومحملة بما يزيد عن 200 طن من المساعدات الإغاثية؛ وذلك لتوزيعها بالمناطق الأكثر احتياجًا بالسودان خصوصًا الولايات المتضررة من السيول في الشمال. ووفقًا لبعض الإحصاءات الرسمية الصادرة عن السفير المصري لدى السودان، فإن مصر استقبلت حوالي مليون و200 ألف سوداني، إلى جانب الآلاف الذين يعيشون في مصر منذ سنوات قبل الحرب، وقد وعد وزير الداخلية المصري السفير السوداني في القاهرة بالنظر في سبل تسهيل إجراءات تنظيم دخول وإقامة السودانيين في مصر وتخصيصهم بأطر معاملة خاصة عن بقية الأجانب.
وبرغم كل ما تقوم به مصر من جهود كبيرة على المستويين السياسي والإنساني، إلا أن الدولة المصرية لم تسلم مما طالها من اتهامات مغلوطة من قبل قائد ميلشياالدعم السريع، والتي قدّم زعيمها “حميدتي” اتهامًا صريحًا للقوات الجوية المصرية بالضلوع المباشر في العمليات القتالية لدعم قوات الجيش السوداني، وهو ما نفته مصر جملة وتفصيلاً وطالبته بتقديم الأدلة التي من شأنها أن تنفي النوايا الإيجابية للدولة المصرية إزاء السودان حيث تتركز السياسة المصرية في المقام الأول على الاعتبارات الإنسانية مع التمسك بإحياء جهود الحل السلمي للنزاع لوقف سيل دماء الضحايا من المدنيين. وردًا على ذلك، أعلنت ميلشيا الدعم السريع فرض حظر على الصادرات السودانية لمصر!
وتركز مصر جهدها الدبلوماسي في الفترة الحالية على إستعادة وتنشيط مسار الحل السياسي ، وتشجيع الأطراف السياسية على التوافق على أجندة مشتركة تدعم جهود وقف الحرب، كما تركز على فكرة توحيد منابر التفاوض والتخلص من تعددية المنابر التي تسببت في المرحلة السابقة في تشتيت الجهود، وإعطاء بعض الأطراف السياسية والعسكرية فرصة للتهرب من بعض الاستحقاقات التي تم التوافق بشأنها في منبر دول الجوار الذي رعته مصر على سبيل المثال.
كما تضع مصر في إعتبارها أن هناك إدارة أمريكية قادمة قد يكون لها تعاطي مختلف مع الملف السوداني، لذلك تضغط مصر وتكثف من تحركاتها لإستعادة مسار الحل السياسي وجذب الموقف الأمريكي بحيث يكون داعم لمنبر تفاوضي واحد ، تعمل من خلاله مصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على وضع أطر ملائمة لمفاوضات بين أطراف القتال من ناحية والقوى السياسية السودانية من ناحية أخرى، ولكي تنجح هذه الجهود تحتاج بالفعل لتكثيف التحرك الاقليمي والدولي للحصول على تأييد لهذه الخطوة من الجامعة العربية والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والقوى الكبرى كروسيا والصين.
الخلاصة:
في ظل التجدد المستمر للمواجهات بين طرفي النزاع، ومع تعنت كل طرف في الجلوس على طاولة المفاوضات على نحو يصيب الجهود الدبلوماسية لحل الصراع سياسيًا لا عسكريًا بالجمود، تثار التساؤلات بشأن الآفاق المستقبلية لهذا الصراع ومستقبل السودان بعد انتهاءه، ومدى إمكانية إعادة تجدده في ظل تجذر العوامل المسببة له في كافة تفاصيل السياق السوداني الذي يعاني من تفاقم الهشاشة وضعف المؤسسات وسوء إدارة التعدد العرقي وتفاقم المظالم التاريخية. ولعل موجة الانشقاق في صفوف الدعم السريع مع التقدم الحثيث لقوات الجيش السوداني قد تعطي بارقة أمل في أن يتمكن الجيش السوداني من حسم هذا التمرد ، والحيلولة دون توسيع الاقتتال الأهلي المرتبطة بمخاطر سيناريو التقسيم.
برغم كل التحديات، لابد أن تستمر مصر في بذل كل ما يمكن من جهد دبلوماسي وإنساني للمساعدة الأشقاء في السودان على العودة عن مسار الحرب، نحو مسار سلمي انتقالي ، يضمن استعادة النازحين وعودة لمناطقهم وعودة اللاجئيين من دول الجوار ، وعودة الاستقرار والأمن والإنتقال لمرحلة انتقالية بضمانات دولية وإقليمية موثوقة.