إعداد/ أحمد جمال الصياد
باحث في العلوم السياسية
مقدمة
بينما لا تزال حرب غزة مستمرة يراقبها المحللين والمتخصصين بعدسات مختلفة، وكلاً يراها من وجهة نظر مختلفة، وقد تكون هذه الرؤية أو تلك جدلية وأحياناً متعارضة، غير أن العدس الوحيدة في التحليل التي لا تقبل الجدل هي عدسة القانون الدولي، المحكوم بقواعد واتفاقيات واضحة تحدد نطاقات المسئولية وقواعد الحرب وحقوق الفئات المختلفة المشمولة بالحماية ضمن القانون الدولي الإنساني.
إن حرب غزة الحالية والتي لم تضع أوزارها بعد شهدت كافة أشكال الانتهاكات لقواعد الحرب، ورغم الأصوات المرتفعة التي تطالب إسرائيل بالتوقف وبعضها يطالب بمحاسبتها وبعضها تحرك بالفعل وكان أخرها دولة جنوب أفريقيا إلا أن إسرائيل ماضية في طريقها غير مكترثة لكل النداءات والتصريحات والمواقف العالمية.
إن القانون الدولي على المحك وفي اختبار حقيقي أمام دولة تتحدى العالم كله وتسعى بالفعل لتقويض قواعد مستقرة، وصل لها العالم بعد أن دفعت البشرية في سبيلها أثمان باهظة عبر عقود وقرون.
من هذا الإطار يقدم مركز السلام للدراسات الاستراتيجية تحليلاً قانونياً لبعض جوانب هذه الانتهاكات التي لا تزال مستمرة وقد تكون قابلة لمزيد من الإمعان الإسرائيلي في التحدي والانتهاك، وهدفنا أن نسلط الضوء على ما يجري في غزة وحربها الحالية من وجه نظر القانون الدولي.
الانتهاكات المترتبة على العمليات العسكرية
قامت دولة الاحتلال بالعديد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني في عمليتها العسكرية التي بدأتها بالقصفين الجوي والمدفعي، ودخول قطاع غزة بريا، فمنذ السابع من أكتوبر وحتى الآن نجد أن قطاع غزة تعرض لدمار غير مسبوق بسبب العنف الإسرائيلي المواصل.
استهداف المدنيين والفئات المحمية:
ففي البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف 1949م يذكر العديد من المواد التي تحمي المدنيين من أضرار النزاعات المسلحة، ففي المادة 51 الفقرة 2 لذلك البروتوكول يتم النص على ” لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا لبث الذعر بين السكان المدنيين” كما ذكرت المادة 52 في الفقرة 1 أن ” لا تكون الأعيان المدنية محلا للهجوم أو لهجمات الردع، والأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافا عسكرية”.
ومما سبق يتضح أن السكان المدنيين سواء كانوا نساء أو رجال، أطفال أو عجائز، هم ومنازلهم وجميع المباني المدنية التي من شأنها تسيير أمور حياتهم كمنازلهم والمستشفيات والمحال التجارية، محميين بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا يجب أن يتم تعريضهم للهجوم والاستهداف، وهو ما فعلت إسرائيل عكسه تماما.
فتشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 20000 ألف فلسطيني، و إصابة أكثر من 52000 فلسطيني 70% منهم من النساء والأطفال وذلك جراء عدوان دولة الاحتلال على قطاع غزة، وبحسب إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية أن 1000 طفل، و700 امرأة قتلوا، وإصابة أكثر من 2000 طفل، و1400 امرأة بجراح مختلفة، وذلك بسبب الغارات الإسرائيلية المتكررة وذلك في الأيام الأولى منذ بدء تلك الحرب، وفي تصريح من هيئة إنقاذ الطفولة أن عدد الأطفال الذين قتلوا بقطاع غزة خلال 3 أسابيع تجاوز قتلى الأطفال سنويا بمناطق الصراع على مستوى العالم منذ 2019.إن استهداف إسرائيل الصريح للمدنيين يعد جريمة حرب يجب محاسبة المسئولين عليها. فالمدنيين الفلسطينيين ليسوا بطبيعة الحال من المشاركين بشكل مباشر في الأعمال العسكرية وبشكل خاص الأطفال والنساء.
نوع المبني | العدد | درجة التضرر |
مقر حكومي | 126 | بين الدمار الكلي والتضرر الجزئي |
مباني تعليمية
(مدارس-جامعات) |
92 | بين الدمار الكلي والتضرر الجزئي |
مساجد | 115 | مدمرة كليا |
مساجد | 200 | متضررة جزئيا |
كنائس | 3 | بين الدمار الكلي والتضرر الجزئي |
وحدات سكنية | 61 ألف | مدمرة كليا |
وحدات سكنية | 290 ألف | متضررة جزئيا |
(جدول من إعداد الباحث يوضح حجم الدمار في قطاع غزة)
التجويع ومنع المساعدات
وهو أمر يعد من الجرائم المخالفة لقواعد اتفاقيات جنيف والتي أكدت على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين جراء النزاعات، فنجد أن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على مسئولية دولة الاحتلال في السماح لعمليات الإغاثة إذا كان سكان الأراضي المحتلة أو جزء منهم يعاني من نقص في المؤن اللازمة للبقاء كما يتم التأكيد في البروتوكول الإضافي الأول لتلك الاتفاقية عام 1977 بضرورة السماح بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للسكان المتضررين ويكون ذلك مسئولية أطراف النزاع، وبالعودة للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف 1949م نجد أن نص في المادة 54 الفقر1 ” يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب” كما نص في نفس المادة الفقرة 2 ” يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر”
وهنا يتضح عدم السماح بدخول المساعدات للمدنيين المتضررين من النزاع العسكري هو انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني، كما أن اتباع أسلوب التجويع بحظر دخول المساعدات الإنسانية ووضع قيود على دخولها مع قطع جميع إمدادات المياه والكهرباء هو أمر يحظره القانون الدولي الإنساني، ويعد انتهاك لذلك القانون بقواعده واتفاقياته المنظمة لسير العمليات العسكرية لتقليل الأضرار الواقعة على المدنيين.
بعد الإعلان عن بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، قام وزير البنية التحتية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بإصدار أوامر بوقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء وإمدادات المياه، كما أن إسرائيل أعلنت قطع جميع الإمدادات الأخرى عن قطاع غزة مثل الوقود والمواد الغذائية، وذلك محاولة لفرض حالة من الحصار على قطاع غزة، وهو ما يتضح في تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت حيث قال ” لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود كل شيء مغلق” وهو ما وصفه العديد من المنظمات الحقوقية بأنها إجراءات عقابية، وهو استهداف واضح للمدنيين في قطاع غزة، وبالإضافة لذلك هددت دولة الاحتلال بأنها ستقصف أي مساعدات ستصل لقطاع غزة، وفي إطار تشديد ذلك الحصار قامت إسرائيل بقصف معبر رفح أكثر من مرة وذلك منعا من وصول المساعدات، والإمدادات اللازمة حتى يستطيع المدنيون في قطاع غزة من البقاء على قيد الحياة.
استهداف الكوادر الطبية
بالعودة للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف1949 نجد أن المادة 12 الفقرة 1 من البروتوكول تنص على ” يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية، وحمايتها، وألا تكون هدفا لأي هجوم”وهو ما يعني أن الوحدات الطبية من مستشفيات ووحدات صحية مشمولة بحماية اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، وأن تلك الوحدات لا يجب أن تتعرض بأي شكل من الأشكال لأي هجوم، وهو أمر إنساني بالأساس فلا يجب وضع المرضى كأهداف للحروب، كما أنه لا يجب المساس بتلك الأماكن لشدة ضرورة ما تقدمه من خدمات من شأنها تخفيف الآلام وحماية الأرواح، ولكن نجد أن الوحدات الطبية وكوادرها تم انتهاك حمايتهم وضعهم كأهداف ضمن قائمة أهداف الجيش الإسرائيلي.
فلم يقتصر استهداف القوات الإسرائيلية في قصفها المدنيين فحسب، بل تعدى ذلك واستهدفوا العديد من المستشفيات والطواقم الطبية وهو انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني، وبحسب المرصد الأورومتوسطي أن أكثر من 200 من أفراد الكوادر الطبية قد قتلوا وذلك ما بين طبيب ومسعف وممرض، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 213 من أفراد الكوادر الطبية بإصابات وجروح مختلفة جراء هجمات الاحتلال المتكررة، وقد صرح المرصد بأن أكثر من 20 من طواقم الإنقاذ والدفاع المدني قد قتلوا أيضا.
كما نجد أن القصف الإسرائيلي لم يستهدف فقط الطواقم الطبية بل المستشفيات أيضا، فقامت قوات الاحتلال بقصف مستشفى العودة الواقعة في منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة حيث وجهت سلطات الاحتلال إنذار لمنظمة أطباء بلا حدود بإخلاء تلك المستشفى خلال ساعتين، وكان الطاقم الطبي وقتها لا يزال يعالج المرضى والمصابين بها، كما قامت إسرائيل بتوجيه هجوم بتاريخ الثامن عشر من أكتوبر 2023 على المستشفى الأهلي العربي ( المعمداني)، ذلك الهجوم راح ضحيته أكثر من 500 قتيل، فساحة تلك المستشفى كانت ممتلئة بالكثير من المدنيين الباحثين عن ملاذ آمن، والذي تم استهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية، وهو ما يعد جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، بالإضافة لاقتحام مجمع الشفاء الطبي وبحسب الأمم المتحدة أن إسرائيل باتت تستخدم مجمع الشفاء كمركز للقتال في المنطقة مما أدى لمحاصرة كل من في المستشفى من أطقم طبية ومرضى ونازحين وذلك مع خروج المبنى الرئيسي للمستشفى عن العمل فعليا بالإضافة للهجوم على مستشفيات أخرى مثل المستشفى الإندونيسي الذي خرج عن الخدمة بسبب نقص إمدادات الطاقة وأيضا تضرر المستشفى نتيجة القصف والانفجارات التي ألحقت أضرارا بمبنى المستشفى بسبب هجمات قوات الاحتلال، هذا بالإضافة لتعرض مستشفى عبدالعزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال لهجوم إسرائيلي مباشر أدى لحرائق هائلة أضرار كبيرة في المستشفى، كم أن قوات الجيش الإسرائيلي قامت باقتحام مستشفى كمال عدوان واعتقال العديد من أفراد الطاقم الطبي للمستشفى و حسب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الذي صرح بأن ” تم اعتقال العديد من أفراد الطواقم الطبية، وتسعى منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بشكل عاجل للحصول على معلومات حول وضعهم “.
التهجير القسري
بالعودة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة نجد أن في المادة 7 الفقرة 1/د تم النص على أن الإبعاد والنقل القسري للسكان هو جريمة ضد الإنسانية، وفي الفقرة 2/د من نفس المادة نجد أنها تنص على تعريف للإبعاد والتهجير القسري فتم تعريفه بأنه ” ترحيل الأشخاص المحممين قسرا من المنطقة التي يجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي”، وهو المنهج الذي تبنته إسرائيل بإلقاء العديد من المنشورات لبعض أهالي قطاع غزة تحذرهم من أن مناطقهم أصبحت مناطق قتال وليست بعيدة عن القصف الجوي والمدفعي، والجدير بالذكر أن القطاع بأكمله لم يصبح آمنا لسكانه منذ بدء تلك العمليات العسكرية، فالتهجير القسري الذي شهده أهالي قطاع غزة هو انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.
فقامت إسرائيل بتوجيه دعوات للفلسطينيين في قطاع غزة بأن يخلوا منازلهم وأن يتركوا مناطقهم ويتجهوا جنوب القطاع، والجدير بالذكر أن 70 شخص قتلوا وأصيب 200 خلال استهداف قافلة من النازحين لجنوب القطاع، وهو استكمالا لسلسلة استهداف المدنيين في قطاع غزة، وهو الأمر الذي عبر عنه الاتحاد الأوروبي بأنه أمر خطير للغاية ويكاد يكون مستحيل، وهو ما وصفه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن ” منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وتهجير سكان القطاع من شماله إلى جنوبه في الوقت التي تستعر فيه حربها على القطاع هو خرق فاضح للقانون الدولي”، فتلك الدعوة لإخلاء المنازل وترك بلدانهم هي جريمة أخرى تضاف لسجل الجرائم الإسرائيلية، فهي تعتبر مخطط واضح لتهجير الفلسطينيين عن أرضهم وهو ما ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني وجريمة ضد الإنسانية.
استهداف الصحفيين
بالعودة للبرتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف نجد أن المادة 79 من الفصل الثالث خصصت لتوفير الحماية للصحفيين، فنصت الفقرة 1 من المادة 79 على أن ” يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصا مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50″، فتلك الفقرة بذلك حددت الصحفيون بأنهم أشخاص مدنيين، وهم مشمولون بحماية القانون الدولي الإنساني من هذا المنطلق،
وفي الفقرة 2 من نفس المادة تم النص على ” يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا اللحق ( البروتوكول) شريطة بألا يقوموا بأي عمل يسئ إلى وضعهم كأشخاص مدنيين” ففي هذه الفقرة أكد فيها المشرعون على حظر استهداف الصحفيين، وأصبح بموجبها لزاما على الأطراف المتنازعة أن تعمل على حمايتهم وعدم وضعهم كأهداف لها شريطة ألا يقوموا بأعمال تخل بتلك الصفة، مثل الاشتراك في الأعمال الحربية مثلا، فطالما الصحفي يمارس عمله بدون عمل يخل بصفته المدنية، فهو مشمول بحماية القانون الدولي الإنساني، وأي استهداف له يصبح انتهاك لهذا القانون.
فبحسب تحقيق قامت به لجنة حماية الصحفيين أنه راح ضحية تلك الحرب أكثر من 57 صحفي وعامل إعلامي، وفي تصريح لنفس اللجنة أن الأيام الأكثر دموية في استهداف الصحفيين كان اليوم الأول من الحرب 7 أكتوبر والذي قتل فيه 6 صحفيين، و 18 نوفمبر حيث قتل فيه 5 صحفيين، كما أن حصيلة الصحفيين المستهدفين في غزة تخطت 92 صحفيا منذ بداية 7 أكتوبر 2023، وفي تصريح لوكالتي رويترز وفرانس برس قال الجيش الإسرائيلي أنه لا يضمن سلامة الصحفيين والمراسلين، وذلك جاء بعد أن طلب الوكالتين من الجيش الإسرائيلي بألا تستهدف إسرائيل الصحفيين في ضرباتها الموجهة لقطاع غزة، وهو ما قال عنه شتويند، مدير فرانس برس، “إننا في وضع مخاطرة لا تصدق ومن المهم أن يفهم العالم أن هناك فريقا كبيرا من الصحفيين يعملون في ظروف خطورة قصوى”.
استهداف وإلحاق الضرر بالمباني التابعة للأمم المتحدة
بحسب البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف، نجد أنه تم النص في المادة 52 الفقرة 1 بأن ” لا تكون الأعيان المدنية محلا للهجوم أو لهجمات الردع”، كما تنص الفقرة 2 من نفس المادة بأن ” تقصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب”
وهو ما يعني أن المباني المدنية طالما أنها لا تستخدم لأغراض تخدم سير العمليات العسكرية فهي أعيان مدنية ومشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، والمباني التابعة للأمم المتحدة مثل مباني الأونروا هي مباني مدنية أيضأ واستهدافها يعد انتهاك للقانون الدولي الإنساني.
فأعلنت وكالة أونروا التابعة للأمم المتحدة عن الأضرار وحجم بعض المباني التابعة لها التي تم استهدافها وإلحاق الضرر بها من قبل القوات الإسرائيلية، ففي نوفمبر 2023 أعلنت تلك المنظمة عن استهداف مبنى تابع لها في رفح جنوب قطاع غزة، فذلك المبنى تعرض للقصف ثلاث مرات من قبل البحرية الإسرائيلية، وقد ذكرت تلك المنظمة أن ذلك المبنى كان المبنى رقم 60 للأمم المتحدة الذي يلحقه الضرر بسبب الاستهدافات الإسرائيلية له، ذلك بالإضافة لإعلان تلك المنظمة عن استهداف مدرسة تابعة لها تأوي العديد من النازحين من شمال قطاع غزة، تلك المدرسة التي تعرضت للقصف الجوي الذي خلف عشرات من القتلى والمصابين، وحسب تصريح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني:” إن تجاهل حماية البنية التحتية المدنية بما في ذلك مرافق الأمم المتحدة والمستشفيات والمدارس والملاجئ وأماكن العبادة، هو شهادة على مستوى الرعب الذي يعيشه المدنيون في غزة كل يوم”، فتلك المباني بموظفيها محميين بموجب القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، وأي اعتداء عليهم هو جريمة وانتهاك للقانون الدولي.
احتجاز الرهائن من المدنيين:
إن كان القانون الدولي يكفل الحق لكل شعب في تقرير مصيره عن طريق الكفاح المسلح فإنه يجرم أيضا احتجاز الرهائن، فتحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف أخذ الرهائن، كما تحظره أيضا اتفاقية جنيف الرابعة وتعتبره انتهاكا جسيما لها، فالمدنيين مشمولين بحماية القانون الدولي ولا يجب استخدامهم كدروع بشرية، أو احتجازهم كرهائن.
فاحتجاز حماس للرهائن رغم عدم مشروعية ذلك العمل قانونيا، إلا أنه يمثل ورقة ضغط سياسي على إسرائيل، ويمهد دائما للهدنة التي تتخللها اتفاقية لتبادل الأسرى، وهو ما حدث بالفعل في الهدنة الأخيرة.
الخلاصة
سيكون لحرب غزة وقع كبير على مسألة النظرة الدولية للقانون الدولي ومدى احترامه وانطباقه على الجميع، وقد توفر سوابق لانتهاكات بعضها لم يحصل بهذه الصورة المروعة من قبل، حيث بدأت تخرج بعض التقارير التي توثق الانتهاكات وتطالب بالمحاسبة.
فبين قوة إحتلال وسلطة أمر واقع تتحمل مسئوليات بموجب القانون الدولي تجاه الأراضي التي تحتلها ومن عليها من سكان من جانب ، و حركات فلسطينية مسلحة ساعية لتحرير أرضها المحتلة تحت راية المقاومة وهو حق كفله لها القانون الدولي من جانب أخر ، يقف القانون الدولي حكماً منصفاً إذا ما تم الإرتكان إليه ، غير أن غلبة الأبعاد السياسية والمصالح والخلل في توازنات القوة تجعل هذا القانون أحيانا أداة في في يد القوى ضد الضعيف ، لكنها معادلة غير عادلة وتخالف بلا شك فلسفة التشريع القانوني التي جاءت لتضع ميزان للعدل والقصاص يضمن المساواة وعدم الكيل بأكثر من مكيال.