شاركت اليان بطرس المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية فى مهرجان الشباب روسيا ٢٠٢٤، حيث استضافت منطقة سيريوس الفيدرالية ومدينة سوتشي الروسيتان مهرجان الشباب العالمي 2024 في الفترة من الأول وحتى السابع من مارس 2024، في أكبر حدث دولي من أجل تطوير التعاون الشبابي بين مختلف دول العالم وجمعهم في منصة واحدة؛ حيث شارك فيها أكثر من 20 ألف مواطن من روسيا ومن مختلف دول العالم بهدف بناء مستقبل مشترك على أساس نظام عالمي عادل من خلال النشاطات والفاعليات التي أقامها المهرجان التي تجاوزت 800 نشاط وبمشاركة أكثر من 1500 متحدث؛ حيث تضمنت الفنون والعلوم والثقافة والرياضة والأعمال الخيرية وغيرها من المجالات.
مظاهر الاهتمام الروسي
- تعزيز إجراءات التنسيق: يمكن الإشارة هنا إلى أن الاهتمام من الجانب الروسي ظهر قبل بدء المهرجان بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية مثل وزارات الشباب والرياضة والسفارات الروسية والمراكز الثقافية الروسية والتي كان لهم دورًا كبيرًا في اختيار المشاركين والتنسيق لكافة الأمور وتذليل العقبات أمام المشاركين ومساعدتهم، على سبيل المثال كانت اللجنة المنظمة المصرية والروسية تدفع المشاركين لحضور الجلسات وكيفية الاستفادة من حضور هذا المهرجان ودعم خبراتهم والتعرف على مزيد من الشباب من جنسيات مختلفة لتبادل الثقافات والمعرفة سويًا؛ حيث تم إعداد جدول واجندة يوميًا بكافة الأنشطة، كما تم توزيع ملابس موحدة على الشباب المشارك وتسهيلًا عليهم في التعايش تم دعمهم بخطوط للتليفون لسهوله التواصل واستخدام الانترنت بشكل مجاني، كما تم توفير بطاقات بنكية لتسهيل كافة المعاملات المالية الداخلية للمشاركين داخل الدولة الروسية، مع بعض الخرائط التي تسمح للشباب بالتعرف على أماكن الأنشطة داخل المهرجان حيث تم إقامة المهرجان في مدينة كبيره جدًا لتتسع 20 ألف مشارك من روسيا ومن باقي الدول.
- مراعاة الاختلاف: لم تبخل الدولة الروسية بالاهتمام بتفاصيل الطعام والشراب للمشاركين حيث تم توفير مناطق مخصصة للأكل الحلال ليتناسب مع الفئات المشتركة بكافة اختلافاتها. ومن الملفت في الأمر هو الاهتمام حتى بأماكن الصلاة؛ حيث تم تخصيص منطقة للصلاة تحترم كافة الطوائف والأديان حتى وأنها تقييم أماكن مختلفة للصلوات في لكل دين وكل معتقد وهو ما يدل على مدى احترام الدولة والقائمين عليها بالمعتقدات الأخرى وأيضًا هي دلالة على التسامح وترسيخ السلام بين نفوس الشعوب المختلفة والمجتمعة في مكان واحد. بالإضافة إلى ذلك، ركزت العروض الفنية للتأكيد على احترام الثقافات المختلفة والحضارات المتنوعة عن طريق عروض مسرحية غنائية تبرز ما يمر به الشياب من عقبات وتدفعه نحن الحب والسلام، واستطاع هذا الافتتاح أن يبعث برساله لكل شاب وفتاه بأن ما يمر به خلال فترة الشباب هو شيء واحد لمختلف الألوان والجنسيات فالجميع يمر بنفس المشاعر والعقبات وأن التكاتف والسعي والحماس والعمل سوف يؤهل الشباب للانطلاق عدة مرات حتى وإن كانت هناك فترات صعب وتخبطات طبيعية بالنسبة لهذه الأعمار والتفكير المتزايد فيما يتعلق بتحديد المستقبل والبحث عن فرصة عمل مناسبة وشريك حياة يدعمه في رحلته ويشعر معه بالمخاوف الحياتية.
- التقدم التكنولوجي: أكدت فعاليات المهرجان ما وصلت إليه الدولة الروسية من تقدم تكنولوجي هائل؛ حيث تم استخدام التقنيات الحديثة خلال أيام المهرجان وليس فقط اليوم الأول، وهذه رسالة أخرى تشجع الشباب على التطوير والابتكار؛ حيث تم التعريف بكافة الشباب الذي كان لهم دور في تغيير العالم عن طريق التكنولوجيا وهو ما يخلف حافز داخل كل شاب وفتاه للتأكيد على أنهم يستطيعون أن يغيروا العالم ومواكبة التطور الهائل الذي يحدث يوميًا بل وكل دقيقة تمر في عالمنا.
- التنوع الثقافي: كان الفن بمثابة اللغة الأكثر تعبيرًا عن أجواء المهرجان؛ حيث كانت العروض الفنية المبهرة والعظيمة التي تم تقديمها بتنوع شديد دليل على أننا نستطيع أن نتفاهم ونتحدث عن طريق الفن وأن هناك طرق كثيره للتعبير وتوصيل المعلومة بطرق أخرى غير العنف والتطرف، وفي لحظة معينة تشعر وكأنك على تواصل كامل بالرغم من اختلاف اللغات تستطيع أن تحصل على الرسالة عن طريق عرض فني يستخدم كافة حواسك لإيصال المعلومة والهدف من القصة المعروضة، وهو استخدام واضح للقوى الناعمة في تغيير الواقع والتقارب بين الشعوب. وتحت هذا المهرجان استطاعت جميع اللغات والجنسيات أن تتفاهم وتتقارب، حتى أن الابتسامة والترحيب والأسلوب المتبع من المتطوعين في حد ذاته رسالة وطاقة دعم لكل الشباب للانفتاح على العالم وتقبل ثقافة الغير والتعرف عليها عن قرب وبصورة أوضح، وهي أيضًا دليل على حسن التنظيم والتنسيق والدقة في أصغر الأمور.
- تنوع مثمر واستحقاق روسي: يعود اقبال روسيا على استضافة وتنظيم المهرجان إلى تجربة روسيا التاريخية الخاصة في تحقيق الانسجام بين المجتمعات متعددة الثقافات، وقدرتها ورغبتها في أن تظهر للناس المجتمعين في المهرجان القدرة على إدارة تنوع الشعوب والثقافات والتقاليد وتجسير القدرة على التواصل والتبادل والإثراء المتبادل دون فرض معايير موحدة. كما تمتلك روسيا قيمًا وأفكارًا وخبرات وكفاءات مثيرة للاهتمام، وبما أن هذه القيم مفهومة وتقليدية بالنسبة لمعظم شعوب العالم، فلا شك أنها ستكون مطلوبة عند بناء عالم جديد. وبفضل تجربتها التاريخية وأفكارها حول مبادئ النظام العالمي المستقبلي، فإن روسيا قادرة على أن تصبح الضامن والراعي له.
موضوعات حيوية وأنشطة فاعلة
شهد المهرجان مجموعة من الفاعليات والجلسات النقاشية حول مجموعة من الموضوعات المختلفة والتي يمكن إجمالها على النحو الآتي:
1.عالم متعدد الأقطاب: من خلال ورشه بعنوان “المستقبل في ظل عالم متعدد الأقطاب” تناولت الورشة
أثر سيطرة التكنولوجيا على الحياة وعلى الأفكار، وكذلك تنوع القدرات وامتلاك العديد من القوى للتكنولوجيا والذي بدوره أدى إلى عدم سيطرة قوة واحدة على العالم، إذ يعد بناء على ذلك تجمع البريكس من القوة الصاعدة والتي سيكون لها ثقل عالمي في المستقبل القريب.
وناقشت الورشه باستفاضه تجمع البريكس باعتباره من أقوى التجمعات الاقتصادية الصاعدة، حيث أقدم أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين على إنشاء مجموعة أطلقوا عليها “بريك” (مستخدمين الحرف الأول من اسم كل دولة)، عام 2006. ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2010، ليصبح الاسم “بريكس”. وانضمت له كل من مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى المجموعة في يناير 2042.
- كلمة مارايا زاخروفا: من خلال كلمة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في المهرجان أكدت أن المهرجان لا يمتلئ بأجواء المرح والاحتفال فحسب، “بل أيضا جو من المناقشات والحوارات حول مواضيع جدية للغاية”.واضافت أن “الحقيقة هي أن الجغرافيا السياسية تتم مناقشتها في كل مكان وبطرق مختلفة. بعض الناس يناقشونها كعالم سياسي مستقبلي أو خبير أو دبلوماسي طموح جاء إلى بلدنا. والبعض الآخر ليس كذلك”.
كما تناولت الجلسة مناقشة عامة من جهة الشباب المشاركين وردود من المتحدثة ماريا زاخاروفا، واثبت اللقاء رسالة مضمونها أن روسيا من خلال تنفيذ وإقامة مهرجان شباب العالم ستثبت للعالم أجمع أن نهجا مختلفا سوف يهيمن – سموه ما شئتم، متعدد المراكز، متعدد الأقطاب – ولكن على أساس الاحترام المتبادل، والمساواة، وسعيا إلى عالم أكثر عدلًا.
- التغيرات المناخية: خلال جلسة بعنوان “المجتمع البيئي الدولي – خلق المستقبل معا”، شهد المهرجان جلسة حوارية نظمتها مؤسسة روس أتوم الحكومية الروسية ناقشت من خلالها مجالات التعاون الدولي في مجال البيئة، وكيفية إشراك الشباب في المبادرات البيئية، لتطوير مشاريع مستدامة جديدة. وأنه من المستحيل مكافحة تغير المناخ والحد من التأثير السلبي على البيئة بدون عاملين رئيسين الأول تطوير التكنولوجيا، والثاني دعم ثقافة التعاون، وأن تطوير مشروعات بناء محطات الطاقة النووية في أجزاء مختلفة من العالم، سيساعد على اتاحة مصدر طاقة نظيف للبلدان الشريكة لروسيا.
وضمن السياق ذاته، ركزت الجلسة على مفهوم الدبلوماسية الخضراء التي أصبحت واحدة من الأدوات الرئيسية لتطوير العلاقات الدولية، وأن مهمة الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية البرية والبحرية تهم الجميع، وأن تنفيذ هذه الخطط يعتمد على جيل الشباب، الذي يرتبط به مستقبلنا جميعًا.
وقد أثارت الجلسة واحدة من أهم الموضوعات المطروحة على الساحة الدولية والتي تتلامس مع التحديات المعاصرة التي تهدد المجتمع الدولي وبقاء الإنسانية؛ حيث أن قضايا التغيرات المناخية والمستقبل البيئي باتت عائق في طريق تطور الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة، كما سعى المهرجان من خلال الجلسة والمشاركين فيها إلى الخروج بحلول مستقبلية لحماية البيئة واستغلال مواردها الاستغلال الأمثل مع الحفاظ على جودة الحياة وأهمية مشاركة الشباب في المبادرات البيئية ومشاريع التنمية المستدامة، وضرورة ترسيخ أسس الوعي البيئي في أذهان الشباب والنشء.
- عدالة الرؤية الروسية: تناولت جلسات المؤتمر ما قام به الغرب من ترهيب وتشويه للمهرجان إلا أن حضور الشباب إلى هنا يؤشر على إنهم يريدون أن يكونوا أصدقاء، ويريدون السلام، ويريدون هذا التواصل، وبناء علاقات متبادلة المنفعة وتحقيق مستقبل جيد لكوكبنا، وليس الطريق المسدود الذي يجرنا إليه الغرب. كما شهدت الجلسة مناقشة عامة من جهة الشباب المشاركين مع السيدة ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية، واثبت اللقاء رسالة مضمونها أن روسيا من خلال تنفيذ وإقامة مهرجان شباب العالم ستثبت للعالم أجمع أن نهجًا مختلفًا سوف يهيمن على أساس الاحترام المتبادل، والمساواة، وسعيًا إلى عالم أكثر عدلًا.
- الشباب أساس النهضة: دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته التي ألقاها في الحفل الختامي للمهرجان إلى السلام والاستقرار والتنمية والازدهار الذي يتحقق بجهود الشباب على مستوى العالم، مؤكدًا أن روسيا تطمح لخلق الظروف الملائمة للحرية والإبداع والصداقة للجميع. خاصة أنه لا توجد ظروف متساوية في العالم للجميع، وهذا هو الظلم الرئيسي للنظام العالمي اليوم، وهو ما أكدت عليه كلمته حين قال “إن الشباب هم الذين سيحددون المستقبل، وهم من يحترمون الحرية الشخصية والحق في إبداء الرأي، وفي الوقت نفسه من الأسهل عليهم أن يفهموا بعضهم البعض، لأن المهم بالنسبة لهم هو ما يوحد الناس ولا يفرقهم، وأن روسيا ملتزمة بنفس هذه المبادئ أيضا، وهي الاعتراف بالهوية والمصالح الوطنية للدول المختلفة”.
- الماراثون التعليمي الفيدرالي: تناول المؤتمر من خلال احدى جلساته الحوارية قضية تقييد تطور وتنمية روسيا من خلال حالة الحرب المستمرة التي تخوضها مع اعدائها الواقفون ضد محاولات التطور والتنمية هذه، إذ تعتمد روسيا سلاحها الأول في الحرب هو شباب قادر على مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها البلاد بالمعرفة والعلم ولديه الصحة والتعليم الكافي لينهض ببلاده ويحقق تطورها، كما تعمل الدولة إلى جانب الدول الصديقة إلى نشر التعليم والثقافة وتبادل الحوار والخبرات بين الشباب الروسي وشباب العالم.
كما تم طرح ومناقشة المبدأ الروسي في اعتبار أن التعليم لا يتوقف عند دور المدرسة والجامعة والمؤسسات التعليمية أنما يبدأ من الأسرة ويمر بمراحل مختلفة، ويتشكل الوعي من البيئة المحيطة ومن الولاء للمجتمع والدولة الأم، وتسعي روسيا للنهوض بالتعليم ودعم وتطوير المؤسسات التعليمية.
- روسيا فى بيئة عالميه جديدة : جلسة نقاشية تمت من خلال متحديثها السيد سيرجي مانيلو، السيد كارتينا اربوفا، والسيد فلاديمر كوزنيتوف، حيث تناولوا من خلالها مواجهة القوة الروسية للصعوبات، وكيف تعلم الأبناء فى المدارس أن الطريق السهل ليس هو الحل الصحيح وانما حينما نريد أن ننجح ونتقدم لا بد أن نختار الطريق الأصعب وهو ماتعودت عليه روسيا.
كما أشارت الجلسة إلى لمحات من التاريخ الروسي ورحلة الصعود التي تستحق الاهتمام والبحث وتثير الشغف لمعرفه المزيد عن التاريخ الروسي ومسيرته ، وكيف نجح اقتصاد الدولة ونظامها التعليمي وكيف تخرج منها عدد هائل من العلماء النابغين، وفي السياق ذاته تم التطرق الى النجاح الروسي في الحفاظ على هذا النجاح والاستمرار فى مستوى جيد للاستفاده من كافه الموارد .
في الختام: استطاعت روسيا تحقيق الهدف الأسمى من المهرجان وهو إنشاء منصة لبناء الروابط بين الشباب والناشطين من جميع أنحاء العالم، الذين سيبنون معا المستقبل المشترك على أساس نظام عالمي عادل يقوم على التعاون وإيجاد توازن في المصالح وليس على مفهوم الهيمنة. وبهذا المعنى، يعد المهرجان في حد ذاته ساحة للقاء الشباب من جميع أنحاء العالم. كما ساهم المؤتمر في دعم ثقافة الحوار وتبادل الآراء وتعريف الشباب الروسي والأجنبي بالفرص الهائلة التي توفرها روسيا، وإظهار انفتاحها على العالم والمساعدة في تبديد الأساطير والقصص الغربية المشوهة للمجتمع الروسي.
استخدام المهرجان في الدعاية للسياحة داخل روسيا، والتعريف بالمؤسسات التجارية والصناعية الروسية، وتنظيم فعاليات ومؤتمرات على مدار أيام انعقاد المؤتمر من 1 إلى 7 مارس داخل قاعات المهرجان، وتم تقديم هدايا تذكارية للمشاركين، والاستعانة بمشاهير السوشيال ميديا حول العالم للدعاية الإيجابية عن روسيا.
اكدت الأجواء التنظيمية أن مهرجان شباب العالم في نسخته الروسية يحمل رسالة مهمة وقوية من بلد القياصرة، بأن موسكو قادرة على التخطيط والإدارة والتنظيم لأحداث دولية كبيرة، يمكن من خلالها توصيل صوتها وتوجهاتها إلى المجتمع الدولي، رغم كل الحصار الذي تفرضه عليها أوروبا وأمريكا، وعدد من حلفائهم حول العالم. واقتبس من كلمات الرئيس فلاديمير بوتن واختم هذا التقرير لكم وللإنسانية منى السلام.