إعداد: د/ أكرم حسام
رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
تقدير موقف (2)
تقديم
بعد أن تكشفت بعض الملامح على المستويين السياسي والعسكري وكذلك تحركات الأطراف الدولية والإقليمية خلال ال72 ساعة الأخيرة على عملية طوفان الأقصى، يبدو أن هناك ما يجري التخطيط له في الغرف المغلقة في بعض العواصم التي تشارك إسرائيل رؤيتها الأمنية والإستراتيجية ليس فقط فيما يتعلق بالتعامل مع حماس بل أيضاً فيما يتعلق بداعمي حماس وحركات المقاومة في المنطقة وعلى رأسها إيران. حيث تشير كل التحركات إلى الآن وحتى وقت كتابة هذا التقدير إلى أن هناك إحتمال كبير لإستغلال ما تعرضت له إسرائيل في 7 أكتوبر والذي وصفته دوائر إسرائيلية بأنه ” بيرل هاربر إسرائيل” من أجل ليس فقط كسر ظهر حماس وإنهاء المقاومة تماماً في الساحة الفلسطينية بأي ثمن يمكن أن يتم دفعه، بل من أجل كسر حلقات المقاومة المدعومة من إيران، عبر تكريس استراتيجية فصل الساحات، وهي لعبة خطرة قد تجر المنطقة ككل لحرب إقليمية موسعة، حال قررت إيران الإنخراط في هذه الحرب، دعماً لحلفائها، وهو بلا شك قرار صعب ويحتاج لحسابات دقيقة من الجانب الإيراني.
في هذا التقدير رقم(2) والذي يستكمل به مركز السلام متابعاته لتداعيات عملية طوفان الأقصى، نطرح هذا السيناريو أمام الجميع للتفكير فيه بمزيد من البحث والتحليل، لمعرفة مقومات تحقيقه وفرصه وكذلك موانع تحقيقه، ويبقى السؤال الأهم الذي سنسعى للأجابة عليه وهو ما هي الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل من هذه الحرب، وإلى أي مدى إسرائيل مستعدة لتحمل تكلفة هذا السيناريو.
أولاً: مؤشرات الموقف الراهن واحتمالات كسر قواعد الإشتباك
تكشفت خلال الأيام الثلاث الأخيرة بعض المؤشرات التي تؤشر لإصرار أمريكي إسرائيلي على كسر قواعد الإشتباك الحالية فيما بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية من جانب، وفيما بين إسرائيل وحزب الله/ سوريا ومن خلفهما إيران على الجبهة الشمالية، وهو ما يمكن رصده على النحو التالي:
- إعلان إسرائيل بشكل رسمي أنها في حالة حرب.
- تصريحات نتياهو وأبرزها:
- أنه سيغير وجه الواقع ليس فقط في غزة لكن أيضاً في الشرق الأوسط.
- ما سنفعله في الأيام القادمة سيقرر مصير الأجيال القادمة.
- البدء في عملية تشكيل حكومة طوارئ وطنية في إسرائيل وإدخال وزاء من المعارضة في الحكومة لتوحيد الصف الداخلي.
- استدعاء كامل فرق الإحتياط الإسرائيلي، والذي يعتبر قوة أساسية للجيش الإسرائيلي .
- نشر ما يقارب من 40 ألاف من القوات والتشكيلات الإسرائيلية باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان ، ونشر ما يقارب من 70 الف باتجاه المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع غزة.
- وصف ما تعرضت له إسرائيل في عملية طوفان الأقصى بأنه بيرل هاربر جديدة، في إشارة لافتة لما تعرضت له الولايات المتحدة في الحرب العالمية العالمية الثانية والتي دفعتها في حينه لقصف اليابان بالسلاح الذري لكسر إرادة اليابان وإجبارها على الإستسلام، وبالتأكيد لإقناع الدوائر الأمريكية الرسمية والحزبية والشعبية بأن إسرائيل في خطر وجودي مرة أخرى بعد أن كان يعتقد أن هذا الخطر قد تلاشى بعد حرب عام 1967 وحرب 1973.
- إعلان إسرائيل وضع قطاع غزة بالكامل تحت حصار مطبق وحرمانه من الوقود والكهرباء والمواد الغذائية والذي ينذر بكارثة إنسانية وشيكة في القطاع، إن لم تتدخل المنظمات الدولية وتمارس ضغط حقيقي على إسرائيل على الأقل فيما يتعلق بفتح ممرات إنسانية.
- قيام العديد من الدول بإجلاء رعايها من إسرائيل تحسباً لإتساع نطاق المواجهات الحالية.
- قيام الولايات المتحدة بتحريك حاملة طائراتها المتمركزة في مياة البحر المتوسط بإتجاه شرق المتوسط وتحديداً بالقرب من سواحل لبنان وإسرائيل.
- الإعلان الأمريكي عن تقديم حزمتين من المساعدات العسكرية المباشرة وتسيير جسر جوي لإسرائيل لإمدادها بالأسلحة وتدعيم قدرات منظومة القبة الحديدة وإمدادها بنوعيات متقدمة من القذائف الذكية التي كانت مطلباً إسرائيلياً منذ فترة.
- قيام حزب الله في اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى بقصف المنطقة المحتلة في مزارع شبعا والرد الإسرائيلي عليها بقصف مناطق لبنانية وقصف الخيمة التي سبق لحزب الله نصبها على مناطق التماس والتي أثارت أزمة بين الجانبين من قبل وكذلك قصف إسرائيل لأي تحركات لعناصر حزب الله على خطوط التماس.
- مبادرة إسرائيل في اليوم الثالث لعملية طوفان الأقصى بقصف جنوب لبنان وهو الهجوم الذي أسفر عن قتل 9 عناصر من حزب الله.
- الإعلان عن إجتماع أمريكي فرنسي ألماني لبحث تداعيات التصعيد الراهن في الساحة الفلسطينية الإسرائيلية.
- صدور تحذيرات أمريكية متكررة لإيران سواء بشكل مباشر أو بالتلميح لعدم الدخول في هذه المواجهة.
- إعلان البنتاجون أنه سيقدم دعم غير مشروط لإسرائيل، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تهديد للشعب اليهودي.
- قيام الولايات المتحدة بنقل أسلحة من مخازنها الإستراتيجية وقواعدها المتمركزة بالأردن ودول أخرى لإسرائيل إلى جانب فتح مخازنها الموجودة داخل إسرائيل للإستخدام في هذه الحرب
- تحذير روسيا من مغبة توسيع نطاق المواجهات الحالية خارج حدود ساحة الصراع الحالية.
- توارد تقارير ” غير مؤكدة” عن رغبة سورية في إستغلال الموقف الحالي، حال توسعت المواجهات لتشمل حزب الله في تحريك قواتها باتجاه إستعادة السيطرة على هضبة الجولان المحتلة بدعم إيراني بالأساس.
- شراسة الرد العسكري الإسرائيلي الذي وصف بغير المسبوق في تاريخ المواجهات السابقة مع الفصائل الفلسطينية، وبهذا الخصوص نشير تحديداً إلى ما يلي:
- كثافة الهجوم النيراني على كافة مناطق غزة دون إستثناء ،والذي تجاوز وفق التقديرات الإسرائيلية نفسها خمس أضعاف ما تعرض له حزب الله ولبنان في حرب 2006م.
- تعمد إسرائيل إستهداف كامل البنية التحتية الفلسطينية بما فيها المستشفيات والطرق والمدارس والمساجد ومباني الوزرارات والأجهزة الحكومية ومقار الشركات العاملة في غزة.
- استمرار عملية الدفع بالتشكيلات العسكرية الإسرائيلية لمناطق غلاف غزة لمحاصرة المسلحين الفلسطينيين الذين لايزالوا متواجدين في منطقة غلاف غزة حتى وقت كتابة هذه السطور، والذي يأتي أيضاً ضمن الإستعدادات الإسرائيلية لتنفيذ إقتحام بري شامل للقطاع حسب ما ورد في بعض التقديرات بهذا الخصوص.
إن كل هذه المؤشرات تؤشر إلى أن هناك بالفعل رغبة إسرائيلية في كسر قواعد الإشتباك الحالية مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ومع حزب الله وداعميه
ثانياً: سيناريو اللعبة الخطرة: حسابات المكسب والخسارة
وفق المؤشرات السابق سردها، فإن هناك ملامح تتشكل بشكل مختلف في المنطقة، ربما من أجل تغيير واقع الأرض في غزة لعقود قادمة وتحديد مصير الأجيال القادمة كما قال نتياهو أو ربما لتغييير واقع الشرق الأوسط كما صرح بذلك نتياهو أيضاً. هذا السيناريو بلاشك لعبة خطرة قد تدفع المنطقة برمتها لحرب إقليمية واسعة، غير معروف مصيرها ونتائجها، وهل ستخرج منها إسرائيل وحلفائها بمكاسب على المستوى الإستراتيجي بعيد المدى تعادل حجم التكلفة المتوقع دفعها ( مادياً وعسكرياً وبشرياً) بما يساعد الولايات المتحدة لإعادة ترتيب قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بما يلائم مصالحها الإقليمية والدولية، أم تصبح وبالاً على الجميع مع فرص توسع مديات هذه الحرب لتصل لمستوى حرب عالمية ثالثة، وهو ما ذكره هنري كسنجر قبل سنوات عندما تحدث صراحة أن الحرب العالمية الثالثة ستجرى رحاها في منطقة الشرق الأوسط. وهو سيناريو مرعب بلا شك. نتطرق فيما يلي لفرص وتحديات هذا السيناريو:
حسابات الفرص والمكاسب الإستراتيجية من المنظور الإسرائيلي/ الأمريكي
- كسر ظهر حركة حماس وإنهاء وجودها السياسي والمؤسساتي والعملياتي على الأرض، من خلال قتل أكبر عدد ممكن من قادتها الحاليين، وتدمير بنيتها السياسية والعسكرية والأمنية، وكذلك بالنسبة لباقي الفصائل الفلسطينية، لإنهاء ظاهرة الوجود المسلح في الأراضي الفلسطينية بشكل نهائي.
- معاقبة جماعية لسكان قطاع غزة وتدمير كافة مقومات الحياة من ماء ووقود وكهرباء وغذاء وخدمات بإختلاف أشكالها( مدارس – مباني حكومية وخدمية – مساجد – أراضي زراعية …. الخ) من أجل دفعهم للخروج من غزة بإتجاه مناطق الحدود مع مصر، في تكرار لسيناريوهات سبق تجريبها من قبل ولم تنجح في عهد شارون، ويبدو أن هذا الحلم الفاسد لا يزال يداعب بعض الدوائر في إسرائيل ودول أخرى.
- إستعادة الوحدة الداخلية في إسرائيل، من خلال ترديد مقولات ” إسرائيل في خطر وجودي” وذلك بعد مرحلة من التراخي الأمني والعسكري الواضح والذي جاء نتيجة شعور زائف بالثقة بالنفس والإطمئنان لواقع إسرائيل الحالي خاصة بعد موجة التطبيع الأخيرة التي حدثت مع بعض الدول العربية، علاوة على ما ظهر خلال السنتين الأخيرتين من تمزق سياسي طال المؤسسة العسكرية والأمنية كذلك ( موقف الجيش وقوات الإحتياط من أزمة التعديلات القضائية).
- تكريس إستراتيجية الفصل بين الساحات، حال نجحت بالفعل في تحييد موقف إيران وحزب الله، وبالتالي تغير قاعدة الإشتباك الحالية مع حزب الله.
- أما في حال دخول حزب الله للحرب وافنخراط إلى جانب حماس في هذه المواجهات ، فإن إسرائيل جاهزة لهذا السيناريو أيضاً بل أنه قد يكون فرصة مواتية لها للتخلص نهائياً من تهديد حماس وحزب الله أو على أقل تقدير إضعاف هذا التهديد لسنوات مقبلة، مستغلة حالة التعاطف الدولي غير المسبوق معها وعلى رأسه التأييد والدعم الأمريكي الذي وضح أنه مستعد للذهاب وراء إسرائيل لأبعد نقطة، بما فيها الإشتباك مع إيران.
- إستغلال الموقف الحالي داخلياً وخارجياً لتنفيذ بعض مخططاتها الإقليمية القديمة، والتي جاء بعض منها في صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خاصة فيما يتعلق بالأردن.
- دفع إيران للدخول في معركة إقليمية موسعة، تخسر من خلالها قنوات دعمها الحالية لما عرف بأزرع المقاومة، التي تستخدمها إيران في تقوية موقفها التفاوضي مع الغرب وإزاء دول المنطقة، وفي نفس الوقت تشتيت الجهد الإستراتيجي لروسيا التي حتماً ستوجه جانب من هذا الجهد لساحة الصراع المحتملة والتي ستدور رحاها على المسرح السوري ومسارح أخرى بالمنطقة.
الموانع والصعوبات:
رغم توافر مكاسب عديدة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة من سيناريو القفز من الساحة الفلسطينية لساحات أخرى، إلا أن هذا السيناريو يواجه بالعديد من الموانع التي قد تحول دون تحقيقه، ويمكن إعتبارها شروط للتحقق، وهي على النحو التالي:
- يعتبر وقوف إيران على الحياد في هذه الحرب من ضمن أهم موانع توسيعها، إلا إذا تم استفزازها بشكل مباشر من خلال توسيع الحرب ضد حزب الله وضرب تمركزاتها الحالية في سوريا بشكل مكثف.
- التكلفة الإستراتيجية العالية لهذا السيناريو والتي يصعب تقديرها في ظل أوضاع إقتصادية صعبة في أوروبا تحديداً ، والتي قد تدفع دول مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا للوقوف ضد تنفيذ هذا السيناريو ، والدفع بإتجاه تقويضه عبر محاولة فتح أفق للتهدئة بالتعاون مع الشركاء الإقليميين وأبرزهم مصر والأردن.
- التأثير المحتمل لمثل هذا السيناريو على المصالح الأمريكية بالمنطقة والتي قد تتعرض للتهديد بشكل مباشر.
- التكلفة الإنسانية العالية لمثل هذا الصراع المحتمل، والذي قد لا تتحمل أثاره اوروبا تحديداً ودول المنطقة.
- التحسب لدخول روسيا في هذا الصراع كطرف داعم لإيران بالتحديد، وبالتالي خشية انتقال الصراع للمستوى الدولي بكل ما يعنيه من أبعاد مختلفة.
- حسابات التكلفة الإقتصادية المتوقعة لهذا الصراع المتوقع حال وقوعه أن يستمر لفترة زمنية غير معلومة.
- الموقف العربي والإسلامي الجماعي الذي سيقف ضد هذا السيناريو بالتأكيد، والذي يمكن التعبير عنه سياسياً وبأدوات وأوراق ضغط كثيرة قد يكون من بينها ورقة التطبيع نفسها.
الخلاصة
وفي التقدير العام أن عملية طوفان الأقصى التي شبهتها إسرائيل بحادثة بيرل هاربر لا تزال حتى الآن حبلى بالكثير من التطورات خلال الفترة المقبلة، وما نراه بعد ثلاثة أيام فقط يجعلنا نطرح أسئلة للتفكير هل طوفان الأقصى هي عملية فلسطينة نوعية جاءت نتيجة ضعف إستخباراتي إسرائيلي حقيقي بالفعل كما نسمع حالياً ، أم أنها كانت بمثابة الفخ المنصوب والمتعمد للإنقضاض على القضية الفلسطينية وإنهاء وجودها على الأرض أو على الأقل إضعاف قدرات السياسية والعسكرية الفلسطينية لسنوات وربما لعقود قادمة.
إن المرحلة الراهنة وتحديداً بعد هذه العملية ستكون نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وربما في تاريخ المنطقة العربية ككل، وهو ما يستوجب التحسب عربياً لهذا السيناريو والعمل على إجهاض أي فرص لتحقيقه، ومن هنا تأتي أهمية اليقظة المصرية في هذه اللحظة لقيادة الجهود العربية وبالتعاون مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية ومن بينها روسيا والصين وتركيا للعمل على وقف هذا الصراع فوراً بالضغط على كل الأطراف لعودة التهدئة، وإستعادة مسار السلام وفق صيغة حل الدولتين.