إعداد:
د.أكرم حسام – رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
محمد عادل – باحث فى العلوم السياسية
تقديم:
تتعرض الإدارة الأمريكية لضغط واضح بسبب حرب غزة، فشعبية الرئيس بايدن في تراجع حسب استطلاعات الرأى داخل الولايات المتحدة وكذلك الضغط الدولي المتنامي لصالح وقف الحرب، بينما لا تزال واشنطن مستمرة في دعم إسرائيل للإستمرار في الحرب، وكأن الموقف الأمريكي قد أصبح في مربع واحد مع إسرائيل في وجه المجتمع الدولي.
بينما من المنظور الاستراتيجي فإن النظرة الأمريكية لهذه الحرب تختلف عن نظرة إسرائيل، فواشنطن ترى حرب غزة ضمن أزمات أخرى في العالم والمنطقة وتريد أن تستغل هذه الأزمة لصالح تكريس هيمنتها وإظهار قوتها وسيطرتها على الشرق الأوسط مع الإستمرار في التحكم في خيوط الصراع ومنع تدحرجه لمستوى إقليمي أوسع مع الحفاظ على كثيلار من قواعد اللعبة في المنطقة والتوازنات القائمة بينما تل أبيب تراها معركة دولة إسرائيل الأهم في القرن الحالي وأنه لابد من الإنتصار فيها بأي ثمن . من هنا بدأت الفجوة بين الموقفين الأمريكي والإسرئيلي في الإتساع ، وقد تلاحظ حراك سياسي وعسكري أمريكي مكثف خلال الأسبوعين الماضيين ، على مستوى البيت الأبيض (مستشار الأمن القومي) ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والبنتاجون، وكان أخرها زيارة وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي لواشنطن.
في هذا التحليل يسعى مركز السلام للدراسات الإستراتيجية للوقوف على أبعاد التغيير في الموقف الأمريكي من الحرب على غزة، وحدود هذا التغيير وكيف سيؤثر على الوضع الحالي وكذلك الترتيبات السياسية والأمنية القادمة في المنطقة.
دوافع التحركات الأمريكية الأخيرة في المنطقة:
ققامت الولايات المتحدة بعدة تحركات هامة نجملها فيما يلي :
- زيارة مستشار الأمن القومي جاك سوليفان لإسرائيل وبعض دول المنطقة.
- زيارة وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” إلى إسرائيل والمنطقة برفقة قائد القيادة الأمريكية المشتركة.
- زيارات ولقاءات وإتصالات دبلوماسية منها إتصالات على مستوى القادة مع بعض قادة المنطقة خاصة مصر وقطر وسلطنة عمان والسعودية والإمارات بإعتبارها الدول الأكثر تحركاً في هذا الملف.
- استقبلت الولايات المتحدة عدد من المسئولين لمناقشة حرب غزة والأوضاع في الشرق الأوسط كان أبرزها زيارة وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي.
- تأييد مشروع قرار الهدنة الإنسانية في غزة بعد أن استخدمت حق النقض لمنع تمرير القرار بصيغته الأولى التي كانت تدعو لوقف لإطلاق النار.
- الإعلان عن تشكيل تحالف بحري دولي تحت قيادتها لحماية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب من هجمات الحوثيين المتكررة.
- تنشيط قدراتها البحرية في البحر الأحمر للتصدي للهجمات القادمة من اليمن.
- الدخول في المسار الإنساني ومحاولة إقناع إسرائيل بفتح معبر كرم أبو سالم وكذلك مناقشة مسألة ممر إنساني بحري لغزة من اليونان أو قبرص، في تغيير واضح فيما يتعلق بسياسة المعابر المتصلة بأهمية ومركزية معبر رفح الذي ظل منذ إندلاع الأزمة شريان الحياة الوحيد لدخول المساعدات.
ضغوط متصاعدة :
بعد اقتراب الحرب من إكمال شهرها الثالث، تنقل الولايات المتحدة موقفها من مربع إلى أخرى لتظل محتفظة بخيوط اللعبة في يدها ومنع خروج الأوضاع عن السيطرة خاصة على المستوى الإقليمي. ولا شك أن هذا الإنتقال يعكس ما تتعرض له إدارة بايدن من ضغوط داخلية ممثلة في تراجع شعبية بايدن الذي ينتظر معركة إنتخابية شرسة على الأبواب مع الحزب الجمهوري المتحفز لإستغلال هذه الحرب لصالحه، بالإضافة لظهور الانقسام داخل الحزب الديمقراطي حول إدارة “بايدن” للحرب، ويبدو أن هناك ضغوطا متزايدة داخل الحزب بسبب موقف الرئيس “جو بايدن” تجاه الحرب في قطاع غزة ودعم إسرائيل اللامحدود، وهو ما أدى إلى تصاعد الحديث داخل الإدارة الأمريكية من مسؤولين في الحزب يرون أن الدعم المستمر للجانب الإسرائيلي في الحرب على القطاع يؤثر على مجريات السياسة الأمريكية ويؤثر على مصالحها في الشرق الأوسط، مما دفع أحد مسؤولي وزارة الخارجية للاستقالة من منصبة، بعد تحذيرات متكررة بأن هذا الدعم سيولد فوضى كبيرة وقد يجر الولايات المتحدة نحو الصراع ويخشى الحزب الديمقراطي تحديداً من تحولات محتملة في آراء التيار التقدمي والليبرالي ( الشباب ومناصري قضايا حقوق الإنسان والتجمعات النقابية) الذين أعلنوا في الصيف الماضي بدعم بايدن لولاية رئاسية ثانية.
كما تواجه الولايات المتحدة ضغوط خارجية بسبب الموقف الإنساني في غزة والحراك المستمر داخل مجلس الأمن والجمعية العامة وإنتقادات الأمين العام للأمم المتحدة المستمرة للحرب والبيانات الصادرة من العديد من الجهات الدولية الحقوقية والإنسانية واليت تطالب بوقف فوري للحرب وبعضها وصف حرب غزة بأنها أبشع جريمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، لكن التغير الأكثر تأثيراً جاء من الجبهة القوية للحلفاء خاصة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، فلأول مرة تطالب بريطانيا بإنهاء الحرب فوراً وكذلك صدور مواقف مشتركة من بعض القوى الأوروبية تطالب بوقف إطلاق النار.
اقتراب سيناريو الحرب الإقليمية :
عملت الولايات المتحدة منذ الأيام الأولى لهذه الحرب على هدف استراتيجي رئيسي وهو حصر الصراع داخل غزة ، ومنع امتداده لساحات أخرى، لكن على ما يبدو أن فرص تحقق هذا الهدف تواجه تحديات كبيرة وقد تخرج الأمور عن السيطرة بالفعل فعلى مستوى الجبهة الشمالية مع حزب الله ارتفعت وتيرة المواجهات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية بشكل مضطرد مع استمرار تحركات سياسية تقودها أطراف دولية فاعلة للضغط على حزب الله للإبتعاد عن مناطق الحدود اللبنانية الإسرائيلية والتمركز في شمال نهر الليطاني، حيث تواجه إسرائيل حاليا أزمة تتعلق بكيفية استعادة مواطنيها الذين تم إخلائهم من المستوطنات الشمالية القريبة من الحدود اللبنانية وهؤلاء يشكلون رقماً في معادلة الضغط الداخلي على حكومة نتياهو.
كذلك برزت الجبهة الجنوبية في باب المندب بقيام الحوثيين بمنع أي سفن تمر من باب المندب بإتجاه إسرائيل وقامموا باستهداف فعلي لبعض السفن وإرغام سفن أخرى على تغيير مسارها بإتجاه طريق رأس الرجاء الصالح. ترتب على هذا الأمر إعلان شركات شحن كبرى وقف عملها في البحر الأحمر .
التحركات الأمريكية وتأثيرها المحتمل على مسار الحرب:
برزت من جملة التحركات المريكية في المنطقة عدة قضايا مهمة يمكن إعتبارها تغييراً محدوداً في الموقف الأمريكي ولا شك أنها ستكون مؤثرة على مجريات الحرب الحالية في غزة ونجملها فيما يلي:
وضع جدول زمني لإنهاء الحرب: أكد “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي، للقادة الإسرائيلين أن الولايات المتحدة تريد جدولًا زمنيًا واضحاً للحرب، مع التأكيد على على أن استمرار إسرائيل في حرب لمدة طويلة غير وارد بسبب التحولات المحتملة في الموقف الدولي والتي تسبب ضغوط على الولايات المتحدة.
رفض فكرة إعادة إحتلال غزة . حملت زيارة سوليفان رسالة تأكيد على الانزعاج الأمريكي من التغيير الذي طرحه نتياهو مؤخراً بشان رفضه تسليم حكم غزة للسلطة الفلسطينية.
عمليات محدودة النطاق : تطالب واشنطن بتغيير إسرائيل لسياسة النهج الشامل في حربها على قطاع غزة واستبدال ذلك بضربات محددة عالية الدقة تجاه أهداف بعينها.
آلية دخول المساعدات للقطاع . تضغط الإدارة الأمريكية بشأن تغيير طريقة دخول المساعدات للقطاع من خلال فتح معبر كرم أبو سالم الذي تتحكم فيه إسرائيل بشكل كامل وكذلك من خلال مفاوضات مع قبرص واليونان لإنشاء خط مساعدات بحري لقطاع غزة عبر اليونان ويبدو أن تغيير طريقة مسار المساعدات الهدف منه الإنسجام مع الخطط الإسرائيلية الهادفة للسيطرة على محور فلادلفيا .
هدنة إنسانية جديدة. حيث تدعم واشنطن الوصول لهدنة إنسانية طويلة يتم بموجبها الإفراج عن جميع الرهائن والمحتجزين، في إطار صفقة تبادل ترعاها يمكن إتمامها بجهود الوسطاء خاصة مصر وقطر ، .
تشكيل التحالف البحري . أستغلت الإدارة اللأمريكية عمليات الحوثيين في باب المندب من أجل تشكيل قوات مشتركة للقيام بدوريات في البحر الأحمر بالتعاون مع الشركاء التقليديين الغربيين بالإضافة إلى بعض الدول في الشرق الأوسط. وهدفه تقليل الضغط الاقتصادي على إسرائيل نتيجه منع وصول السفن التجارية إليها، بالإضافة لمنع تكريس وضع جيوسياسي جديد في باب المندب والبح الأحمر يخدم إيران بالأساس.
الخلاصة
يتوقف نجاح التحركات الإمريكية والأفكار التي طرحتها لتغيير مسار الحرب على عدة أمور أهمها الموقف الإسرائيلي من هذه الأفكار التي تبدو في ظاهرها أنها تروض جنون العظمة الإسرائيلي وإعتقادها أنها بالفعل تستطيع العمل بحرية متحررة من أية ضغوط دولية حتى ولو كانت من الولايات المتحدة، بينما هي في جوهرها تخدم إسرائيل في خط استراتيجي واحد وهو مساعدتها على إنهاء هذه الحرب مع تحقيق أهدافها السياسية الاستراتيجية عبر استراتيجية المراحل العملياتية التي سبق لها إتباعها في تجاربها السابقة في أفغانستان والعراق وغيرها، وهي بالفعل تحتاج لدينامكية ومرونة كبيرة قد لا تكون موجودة في القيادة الإسرائيلية الحالية المتطرفة والتي ترى العالم من عدسة القوة والغطرسة والقدرة على البطش دون حساب.