تقدير موقف (1)
إعداد:
د/ أكرم حسام – رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
د/ حسام يونس – باحث فى العلوم السياسية – فلسطين
تقديم:
تشهد الساحة الفلسطينية الإسرائيلية منذ فجر يوم السابع من أكتوبر 2023 م وحتى وقت نشر هذا التقرير تطوراً وتصعيداً عسكرياً قد يكون غير مسبوق في تاريخ المواجهات بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، حيث بادرت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام التابعة لحركة حماس بتنفيذ عملية عسكرية هجومية خارج السياج الحدودي لقطاع غزة، استهدفت من خلالها بعض القواعد والمراكز العسكرية التابعة لسلاح الحدود الإسرائيلي وكذلك المستوطنات الواقعة في منطقة ” غلاف غزة” كما تسميها إسرائيل ، وهي المنطقة التي تضم عدد كبير من المستوطنات الإسرائيلية.
لا شك أن هذه العملية النوعية من جانب الفصائل الفلسطينة قد وجهت صفعة كبيرة للكبرياء الإسرائيلي وسياسة الغطرسة التي دوامت عليها حكومات إسرائيل المتعاقبة وكرستها حكومة نتياهو الأخيرة بصورة أكثر حدةً وصلفاً.ومعه يتوقع ردود إسرائيلية عنيفة على هذه العملية وسط دعم أمريكي وغربي لإسرائيل فيما أسموه ” بحقها في الدفاع عن النفس” وحتى الآن غير معروف تبعات هذه المواجهات، وإلى أين ستمضي وما هي حدودها ومتي وكيف تتوقف، لكن بالتأكيد أن عملية السابع من اكتوبر من شأنها إحداث تغيير في قواعد الإشتباك بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، هذا على المستوى العسكري، أما على المستوى السياسي فسيكون لهذه العملية إهتزازات وإرتدادات ستطول الداخل الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء سواء بالسلب أو بالإيجاب ، كما يمكن لهذه العملية أن تؤثر على بعض المسارات الإقليمية الخاصة بمسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في هذا التقدير الأولي، يتعرض مركز السلام بالتحليل لهذه العملية وأبعادها حتى الآن وما يمكن أن تقود إليه من سيناريوهات على المدى القصير.
أولاً: تحليل أولي لعملية طوفان الأقصى
قامت عناصر فلسطينية مسلحة تابعة لحركة حماس فجر يوم السابع من أكتوبر 2023م، بتنفيذ عملية نوعية متكاملة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وحسب ما أفادت به التقارير الإعلامية المختلفة حتى الآن يمكن تتبع طريقة تنفيذ العملية على النحو التالي:
- إطلاق مكثف للصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية تقدر بخمسة ألاف صاروخ.
- تنفيذ عملية اختراق للسياج الحدودي الفاصل بين القطاع ومنطقة حزام غزة من خلال إحداث ثغرات بالجدار الحدودي.
- تنفيذ عملية سيبرانية أمكن من خلالها تعطيل نظام المراقبة الحدودية ثلاثي الطبقات وتعطيل كاميرات الرصد المثبتة على الجدار الحدودي.
- إستخدام المناضيد الطائرة من أجل تنفيذ عملية إنزال جوي بوسائل تقليدية وبدائية لكنها حققت فاعلية في المباغتة وإحداث الصدمة لدى الجانب الأخر.
- الهجوم براً على الكيبوتسات والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة فيما يعرف باسم غلاف غزة.
- تم الهجوم أيضاً من خلال البحر كقواعد إنطلاق ثابتة وبعيدة عن الرصد .
ثانياً: نتائج العملية
أدت العملية إلى تحقيق نتائج كبيرة للجانب الفلسطيني نبرزها فيما يلي:
- فقدان سيطرة الجيش الإسرائيلي على منطقة غلاف غزة بشكل مؤقت وحتى قرب إنتهاء ساعات يوم السابع من أكتوبر.
- اقتحام فصائل المقاومة للمستوطنات والكيبوتسات في الغلاف على موجتين من الهجمات، وأسر مالا يقل عن 40 إسرائيلياً ما بين جندي ومستوطنين، ومقتل 150 إسرائيلياً بالإضافة إلى 800 جريح وعشرات الرهائن بحسب الأرقام الصادرة عن نجمة داوود الحمراء.
- التمكن من السيطرة على عددٍ من المركبات والعربات العسكرية والمدنية، والآلات والأدوات الزراعية وإتلاف وعطب عدد من المدرعات العسكرية.
- هروب المئات من المستوطنين من أماكن سكناهم، في مشهد له دلالات كثيرة.
- تركيز الإعلام الحربي الفلسطيني التابع للفصائل على مشاهد أسر الجنود وردة فعل الشعب الشارع الفلسطيني على ذلك بالفرح والإبتهاج.
ثالثاً: أسباب العملية ومبررات الجانب الفلسطيني
جاءت هذه العملية كرد فعل على إنسداد الأفق السياسي بالكامل، نتيجة سياسة نتياهو الرافضة لمسار السلام وصيغة حل الدولتين، وإنحيازه التام لتوجهات اليمين الديني المتطرف ممثلاً في الحركة الصهيونية الدينية التي فرضت وزراء على تشكيله حكومة نتياهو مثل وزير الأمن الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سومتيرتش وأخرون وتبني هذه الحكومة لسياسة توسيع المستوطنات وإعلانها بشكل صريح عن إستراتيجية ضم الضفة الغربية لإسرائيل . كما جاءت هذه العملية أيضاً رداً على استمرار سياسة التنكيل والقتل بحق الفلسطينيين بشكل يومي، حيث شهدت الأسابيع والأيام القليلة الماضية مواجهات مفتوحة بين المستوطنيين والفلسطينيين تحت حماية ودعم الجيش الإسرائيلي للمستوطنيين ما ممكنهم من تنفيذ عمليات إرهاب منظم للفلسطينيين في منازلهم ومزارعهم وكذلك في الطرقات العامة، علاوة على ما أسفرت عنه هذه المواجهات من وقوع ضحايا وإرتقاء شهداء من الفلسطينيين العزل. كما لا ننسى أن تكرار وإستمرار الضغط على الفلسطينيين يولد حتماً هذا الإنفجار، فعندما تتساوى قيمة الحياة مع قيمة الموت، وعندما نرى واقع صعب للحياة المعيشية في قطاع غزة الذي يعيش تحت حصار خانق و نسبة البطالة بين الشباب تتجاوز 80% ، كل ذلك في منطقة عبارة عن شريط ساحلي ضيق يكتظ بالسكان، فكان من الطبيعي أن تتغلب ثقافة الرفض للواقع على ثقافة السلام وفرص تقبل العيش المشترك.
لا شك أن كل هذه الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي يعيشها الفلسطينيون بشكل عام وسكان قطاع غزة قد مكنت الفصائل الفلسطينية من تقوية خطابها السياسي الداعي لضرورة إستمرار سلاح المقاومة جنباً إلى جنب مع مسار السلام ” المجمد” ، لذلك هدفت الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس من عملية طوفان الأقصى إلى ما يلي:
- تأكيد أن حركة حماس لا تزال طرفاً أساسياً في عملية المقاومة ضد إسرائيل، بعد أن حاولت إسرائيل تحييدها خلال المواجهتين السابقتين مع حركة الجهاد في صيف هذا العام.
- حرص حماس على إظهار وحدة المقاومة الفلسطينية وتعاونها مع باقي الفصائل بما فيها الجهاد الإسلامي وسراي القدس وغيرها من خلال تأسيس وتفعيل غرف العمليات المشتركة.
- الرد على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني منذ بداية هذا العام والتي مثلت إحراجاً ما لفصائل المقاومة، ومسالة جدوى العمل المقاوم.
- تغيير قواعد الإشتباك مع الجيش الإسرائيلي الذي إعتاد في المرات الماضية للمواجهات على تنفيذ ضربات عقابية موجعة للفلسطينيين في القطاع والضفة دون رد مناسب وملائم من الجانب الفلسطيني ، يثنيها مستقبلاً عن تكرار مثل هذه الإعتداءات.
- تثبيت حقيقة قدرة الفلسطينيين على الحفاظ على الوجود المادي والبشري في الأرض، والدفاع عنها في ظل سعي إسرائيل الدؤوب والمتسارع لابتلاع أراضي الضفة الغربية وطرد سكانها منها ، وتدمير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني.
- الرد على الإنتهاكات المتكررة بحق الأماكن المقدسة والدفاع عن القدس والمقدسات التي تواجه تحديات غير مسبوقة في ظل سياسة التهويد وطمس الهوية العربية والإسلامية للمدينة، واقتحام الآلاف من المستوطنين والمتطرفين اليهود للمسجد الأقصى احتفالاً بالأعياد اليهودية، من أجل المساس بالمكانة الدينية للمسجد الأقصى لدى المسلمين، وكسر الرابطة العقيدية والعاطفية مع المسجد الأقصى، بغرض التقسيم الزماني والمكاني له.
- محاولة إمتلاك أوراق ضغط وتفاوض جديدة يمكن من خلالها إخراج الأسرى الفلسطيين من سجون الإحتلال.
رابعاً: إنعكاسات العملية على إسرائيل
بالنسبة للجانب الإسرائيلي فقد شكلت هذه الهجمات فشلاً عسكرياً واستخباراتياً كبيراً – في ظل التزامن والتشابه مع نصر 6 أكتوبر المجيد عام 1973م-، وخصوصاً وأن قطاع غزة تحت المظلة الأمنية الإسرائيلية، فقد نجحت المقاومة بخداع الاحتلال والإعداد لهذه الضربة الاستباقية من خلال سياسة تسخين الحدود عبر الاحتجاجات الشعبية قرب السياج الفاصل مع إسرائيل شرق قطاع غزة أيام الجمعة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة وسط رصد لتصعيد تدريجي في حدة المواجهات، بعد إعلان إسرائيل في 5 سبتمبر 2023م منع الصادرات من قطاع غزة حتى إشعار آخر، وإعلان حركة حماس فيما بعد قبولها بالوساطة الإقليمية مما أدى إلى إدراك الاحتلال أنه لا يوجد لدى حركات المقاومة في غزة أية نوايا للتصعيد. وخصوصاً أن مصادر أمنية من جيش الاحتلال قيّموا حركة “حماس” خلال الأسبوعين الماضيين بأنها في حالة ردع وليست معنية في تصعيد.
كما أن الإعلام الإسرائيلي في ضوء هول الصدمة والخسائر البشرية الكبيرة، لم ينشر ما يحدث على أرض الواقع في بداية المعركة، فقد اتبع سياسة الصمت والتكتيم الإعلامي، والجمهور الإسرائيلي لم يعرف ما يدور من اقتحام مركبات المقاومة للمستوطنات الإسرائيلية، أو حتى عن الاشتباكات الضارية، والمفقودين من المستوطنين، سوى عن طريق الإعلام الفلسطيني وشبكات التواصل الاجتماعي.
كما أن الحدث في حد ذاته يمثل مساساً بهيبة ومكانة الجيش الإسرائيلي واستخباراته ، وقتل وأسر العشرات من الضباط والجنود، واحتجاز عدد كبير منهمم في المخيمات وتأمينهم في أماكن آمنة وفي أنفاق المقاومة. واستمرار القتال في مقر قاعدة قيادة غرفة غزة، ومنطقة الغلاف غزة لعدة ساعات، حيث جرت المواجهات حتى الآن في 22 مستوطنة، واضطراراه لتجنيد 4 فرق احتياط.
الرد الإسرائيلي :
ظهرت خلال الساعات القليلة الماضية ردود فعل على المستويين السياسي والعسكري نجملها في الآتي:
- أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن أن إسرائيل في حالة حرب، ودعا الشعب الإسرائيلي للصبر متوعداً بالإنتقام الشديد، وحاولت حكومة نتياهو عبر هذا التصعيد السياسي الحفاظ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في ظل الأزمة السياسية الداخلية المعروفة.
- إعلان حالة الإستنفار في صفوف قواته العسكرية والتوجيه بسحب قطاعاته على الجبهة الشمالية مع لبنان بإتجاه غزة والضفة، واستدعاء 4 فرق إحتياط.
- أعلنت المعارضة بقيادة يائير لابيد عن استعدادها للمشاركة في حكومة طوارئ من أجل تحقيق النصر على اعداء إسرائيل حسب وصفهم، مع إمكانية استبعاد وزراء لا يتسمون بالخبرة الكافية في هذه الأزمات مثل بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير .
- توجيه قوات الحدود لتطويق منطقة غلاف غزة لحصار العناصر الفلسطينية التي لا تزال موجودة داخل المستوطنات وتسيطر على بعض المعسكرات والقواعد هناك، من أجل تصفية هذه العناصر بالكامل وتحرير ما لديهم من أسرى ونقل الجرحى والمصابين.
- توجيه ضربات جوية من خلال سلاح الجو ضد أهداف محددة في قطاع غزة، استهدقت من خلالها مجموعة من الأبنية السكنية في منطقة رفح جنوب القطاع وشمال بيت لاهيا ومناطق أخرى وكان من أبرز نتائجها هدم واستهداف برج فلسطين وهو أحد أبرز الأبراج السكنية في قطاع غزة.
خامساً: أبرز المواقف الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف
الموقف المصري:
على صعيد المواقف العربية والإقليمية ، فقد أظهرت معظم الدول العربية والإسلامية تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وتأكيدها على القلق من مصير هذا التصعيد ، بل حملت أغلب دول المنطقة إسرائيل المسئولية عن هذا التصعيد، مع الدعوة المشتركة لضرورة وقف التصعيد. كما جاءت بيانات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي في نفس هذا الإطار. وقد دعا العراق إلى عقد إجتماع طارئ للجامعة العربية لبحث الموقف.
بينما كان الموقف المصري هو الأبرز فيما يتعلق بالتحرك تجاه البحث عن طرق لوقف التصعيد الحالي، حيث قامت القيادة المصرية منذ الساعات الأولى بالتواصل مع كل الأطراف، بما فيها الطرف الفلسطيني والإسرائيلي لإستطلاع الموقف وتقييم التوجهات المقبلة، كذلك تم التواصل مع بعض قادة دول المنطقة لتنسيق المواقف والتواصل على المستوى الدولي حتى الآن مع بعض القوى الفاعلة مثل فرنسا وروسيا وغيرها، ويتوقع أن تواصل مصر تحركها خلال الساعات والأيام المقبلة تجنباً لخروج الموقف عن السيطرة وللتقليل من حدة الرد الإسرائيلي المتوقع له أن يكون أقصى وأعنف من المرات السابقة.
وغني عن الذكر ما تملكه مصر من أدوات كثيرة في التعامل مع هذا الملف، كما أن لها خبرة طويلة في التعامل مع تعقيداته المختلفة، وقد سبق لها في أكثر من مرة أن تمكنت من إيقاف الحروب والإعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة في 2008 و2014 و2021 وكذلك في المواجهات الأخيرة مع الجهاد الإسلامي .
الموقف الأمريكي:
على صعيد المواقف الدولية، فقد كانت في مجملها داعمة للاحتلال بسبب علاقات إسرائيل الدولية وتشبيك المصالح معها، بينما يأتي الدور الأهم للولايات المتحدة حيث موقف الولايات المتحدة الدائم في مساندة إسرائيل عدوانها على الشعب الفلسطيني، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإنكار هذا الحق للشعب الخاضع تحت الاحتلال، وإعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن استعدادها لتقديم ما تحتاجه إسرائيل، فقد أرسلت 8 مليار دولار مساعدات عسكرية، ونقل صواريخ باليستية إلى الجيش الإسرائيلي خشية من تصاعد الأحداث، ووحدة الساحات في حال دخول المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله أو الفصائل الأخرى المدعومة من إيران المعركة كدعم ومساندة. وخروج الرئيس الأمريكي بايدن بخطاب سياسي كشف فيه عن فحوى الإتصالات التي أجراها مع القادة الإسرائيلين والذي عبر فيها عن إلتزام امريكي راسخ بأمن إسرائيل وتأييده لحقها في الدفاع عن نفسها وتاكيده على وصم المقاومة الفلسطينية وفصائلها بالإرهاب، كما كشف عن عملية تجرى خلال هذه الساعات ( الخطاب القي في الساعة الحادية عشر تقريباً بتوقيت القاهرة 7 اكتوبر 2023) سيتم من خلالها تنسيق أمريكي إسرائيلي كامل على كافة المستويات حيث تم توجيه أركان إدارته على مستوى مستشاري الأمن القومي والجيش والإستخبارات للتنسيق مع نظرائهم في الجانب الإسرائيلي لتقديم الدعم المطلوب لإسرائيل والإتفاق على الأهداف المقبلة وكذلك إستراتيجية إنهاء هذا التصعيد وكيفية الإستفادة منه لصالح الموقف الإستراتيجي لإسرائيل.
كما كشف بايدن عن قيامه بإجراء إتصالات مع دول المنطقة خاصة مصر والأردن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان، لمناقشة الموقف الحالي وسبل خفض التصعيد وما يمكن أن تقوم به هذه الدول بهذا الخصوص.
سادساً: السيناريوهات وفرص وقف التصعيد
المسار العسكري:
إن قراءة المشهد الحالي يعكس أن قطاع غزة سيمر بظروف قاسية خلال الفترة المقبلة الدولي، فعلى المستوى الميداني سيلجأ الاحتلال إلى ترميم صورته وصورة جنوده المهتزة، والحفاظ على معنويات شعبه، عبر محاصرة الكيبوتسات والمستوطنات في غلاف غزة، وتصفية المقاومين الفلسطينيين فيها، وإعادة بسط سيطرته عليها وعلى الأرجح سيستغرق هذا يوم أو يومين وفقاً لتقديرات الجيش الإسرائيلي، ثم سيبدأ بعملية برية غير مسبوقة ضد سكان القطاع ، وقصف الأماكن المدنية بحجة أنه تدار من خلالها العملية العسكرية ضده، للضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة، إلى جانب احتفاظ الاحتلال “ببنك اهداف” لمنازل وبيوت المقاومين الفلسطينيين وقادة المقاومة وأقاربهم، وتدمير البنية التحتية كشبكات المياه والصرف الصحي، وخطوط الكهرباء والهاتف، والأبراج السكنية والطرق، بشكل غير مسبوق وأعنف من حرب عام 2014م، وإلحاق خسائر غير مسبوقة لتدرك المقاومة حجم الكلفة والثمن للمواجهة مع الاحتلال.وهذا من المرجح أن يزيد من دائرة العنف لأكثر من أسبوعين.
المسار السياسي:
يتوقع أن يتأخر دخول المسار السياسي وجهود الوساطات التي ستقوم بها أطراف إقليمية ودولية إلى مرحلة ما بعد تحقيق إسرائيل لأهدافها العسكرية السابق الإشارة لها، حيث يتوقع مراوغة إسرائيلية في قبول مطالب خفض التصعيد وأية ضغوط يمكن أن تمارس عليها بهذا الخصوص، خاصة في ظل ما أبدته الولايات المتحدة من دعم غير محدود لها في هذا الموقف، وتأييدها لمسار الرد العنيف على أغلب الأحوال، والذي قد يحتاج لمدى زمني ليس بالقليل، ويتوقف طول أو قصر هذه الفترة من التصعيد على طبيعة الرد الإسرائيلي وما إذا كان سيتجه لعملية عسكرية شاملة أم لا وكذلك طبيعة رد الفعل من الفصائل وقدرتها على إحداث أضرار وتوجيه ضربات موجعة للداخل الإسرائيلي وقدرتها على إدارة المعركة على المستوى السياسي بالتعاون مع باقي الفصائل ومع حركة فتح على وجه التحديد، كما أن طول أو قصر هذه المدة التي سيحتاجها الوسطاء لتفعيل مباداراتهم ستتوقف أيضاً على مسألة قدرة إسرائيل على تحييد جبهة حزب الله وحصر المواجهات في مسرح عمليات غزة والضفة فقط.
يتوقع أن تلعب مصر بالتنسيق مع الأردن وبعض الدول الإقليمية وبدعم دولي خاصة من أوروبا دوراً في الضغط على الجانب الإسرائيلي للعودة لمربع التهدئة والإتفاق على خطوات عملية قد يكون من بينها ملف الأسرى الإسرائيلين الذين تم أسرهم خلال عملية طوفان الأقصى، وتثبيت وقف إطلاق النار بضمانات دولية.
الخلاصة:
في حقيقة الأمر أن المواجهة الحالية ستضع آثارها الاستراتيجية على الملف الفلسطيني الإسرائيلي من عدة جوانب أهمها مصير حكومة نتياهو التي نعتقد أن هذه العملية قد وجهت ضربة قوية لها وقد تعجل بنهايتها وعودة المعارضة بزعامة لبيد للحكم، كما سيكون لهذه العملية أثارها فيما يتعلق بإعادة رسم قواعد الإشتباك المستقبلية بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، وكذلك مستقبل أجندة اليمين الديني في إسرائيل خصوصاً في نقطتين أن تهويد وضم أراضي الضفة الغربية من الممكن إيقافه، وإيقاف عربدة المستوطينين ضد الفلسطينيين، مع بقاء فرص ممكنة لإعادة إحياء عملية سلام وفق صيغة حل الدولتين.
أما على المستوى الإقليمي ، فيتوقع أن هذه العملية بكل أبعادها ومساراتها المحتملة ستخلف آثاراً سلبية فيما يتعلق بمسار التطبيع الحالي بين إسرائيل والدول العربية، حيث أكدت هذه العملية ان الملف الفلسطيني سيظل عقبة في هذا الطريق المدعوم امريكياً وإسرائيلياً.