إعداد/ د. أكرم حسام
رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
تقديم:
مثل نجاح إسرائيل في اغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله – الذي يعتبر زعيم تاريخي للحزب بحكم بقاءه في منصبة لثلاث عقود تقريباً- ضربة قوية وموجعة للحزب، لم يكن يتوقع أحد أن تحُدث بهذه السرعة في التصاعد الذي شهدته جبهة لبنان مؤخراً، لذلك كان الأمر مفاجىء لكثير من المراقبين، وصادم لمؤيدي وأنصار الحزب وداعميه.
إن نجاح إسرائيل في الوصول لرأس حزب الله، جاء بعد نجاحات متتالية على مدار عشرة أيام تقريباً تمكنت خلالها إسرائيل من تنفيذ عمليات استخباراتية نوعية بعضها غير مسبوق (فجيرات أجهزة البيجر، تفجيرات اللاسلكي والهواتف المحمولة، اغتيالات قيادات من الصف الأول، اغتيال قيادة مجموعة الرضوان، تدمير وتعطيل عدد كبير من منصات وقواعد ووسائل إطلاق الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى (حسب الرواية الإسرائيلية). لذلك هو حدث له ما بعده وسيترتب عليه تغيير في كثير من المعادلات القائمة حالياً سواء داخل لبنان أو خارجه، وإن كان الوقت لا يزال مبكر لإستكشاف ملامح هذا التغيير، إلا أن سير الأحداث بهذا الشكل وردود الأفعال التي جرت على مستوى الداخل اللبناني والداخل السوري (بعضها احتفى بعملية الاغتيال)، والردود التي جاءت على لسان المسئولين الإيرانيين وتصريحات قادة إسرائيل تؤكد أن عملية الاغتيال ليست هي قمة التصعيد، بل أنها قد تكون بداية الإنهيار لقمة جبل الجليد الذي مثله حزب الله كفاعل سياسي مؤثر على الساحة اللبنانية خلال السنوات الماضية، بالإضافة لمكانته ضمن محور المقاومة، الذي تشكل عبر سنوات طويلة، لعب فيها الحزب بالتعاون مع فيلق القدس الدور الرئيسي في تثبيت دعائمه.
الرؤية الاستراتيجية الأوسع للصراع:
يمثل التصعيد الحالي على الجبهة اللبنانية جزءً أو استكمالاً للحالة التي نشاهدها في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى على أكثر من جبهة، والتي عكست التصادم بين المشروعين الإسرائيلي والإيراني في لحظة تحدي فارقة. فإسرائيل بدأت منذ تولي الحكومة الحالية – توصف بالأكثر يمينية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية- في تنفيذ مخططات الصهيونية الدينية (وهي الأكثر تعبيراً عن خطوط مشروع التوسع والهيمنة الإسرائيلي بالمنطقة وفق الراويات التوراتية المغلوطة) بما فيها السيطرة على الضفة الغربية وتهويد القدس والعودة لسياسة الاستيطان وإجهاض أي محاولات لإقامة دولة فلسطينية، والرغبة في التوسع والسيطرة على أراضي ما بين النهر والبحر، لذلك عملت حكومة نتنياهو على ضرب قوى المقاومة من ناحية ومحاولة فصل القضية الفلسطينية عن مسار التطبيع مع الدول العربية.
على الجهة المقابلة فطنت حماس والجهاد وباقي الفصائل المسلحة لهذا الأمر وكان لابد من تعطيل هذه العملية، من خلال قلب الطاولة على الجميع، لذلك جاءت عملية طوفان الإقصى بكل تبعاتها التي شاهدناها على مدار عام تقريباً، ودعمتها إيران بقوة عبر تفعيل ما أسمته مفهوم “وحدة الساحات”. فإيران من جانبها وجدت أنها أمام فرصة سانحة لتثبيت هذا المفهوم الجديد في معادلة توازن القوى بينها وبين إسرائيل من ناحية، وبينها وبين دول المنطقة بشكل عام، وأرادت أن تقول للولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية أنها القادرة على التحكم في وتيرة الصراعات في المنطقة وأن مفاتيح الحل والتصعيد بيدها، وأنها عبر محور المقاومة التابع لها قادرة على إحباط أو إجهاض أي مشروعات بالمنطقة (مشروع السلام الإبراهيمي – مشروع الممر الهندي الأوروبي). ولابد أن نذكر بكل وضوح أن كلا المشروعين يمثلان خطراً على جوهر نظرية الأمن القومي العربي، لكن بمنطلقات فكرية وأيدلوجية وأدوات مختلفة، ونذكر كذلك أنه ليس بالضرورة أن تتصادم هذه المشاريع، بل بإمكانها أن تتلاقى في نقطة معينة، كما أن فكرة التضحية ببعض الأدوات المستخدمة في الصراع والتحول عنها واردة جداً. وضمن هذا الإطار العام، يمكن أن نحلل سياقات التصعيد الجارية حالياً بين إسرائيل وحزب الله.
إيران واستراتيجية إدارة الصراع عبر وحدة الساحات .
إنطلاقاً من الرؤية العامة لإيران في إدارة الصراع بالمنطقة- والتي طورت عبرها مفاهيم كثيرة، منها وحدة الدفاع عن المظلومين، مقاومة الشر، وحدة المقاومة، محور المقاومة، وحدة الساحات….. وغيرها – تم استغلال مرحلة ما بعد طوفان الأقصى لتثبيت مفهوم “وحدة الساحات”وتردد بقوة وفي أكثر من مناسبة على لسان قادة محور المقاومة بما فيهم إيران.
ضمن هذا المفهوم، كان حزب الله في طليعة هذه الساحات وأكثرها نشاطاً بالفعل، حيث بدأ حزب الله في تفعيل مفهوم وحدة الساحات عقب عملية طوفان الأقصى، فمع وضوح قوة الرد الإسرائيلي الذي أطلق العنان لقواته للإنتقام ليس فقط من حماس بل أيضاً من سكان غزة من المدنيين، وجدت إيران أن جبهة غزة بحاجة لإسناد من محور المقاومة لتخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي عليها وهو ما ظهر بعد أيام معدودة من بدأ الحرب من خلال هجمات محدودة من حزب الله بصواريخ الكاتيوشا والمسيرات في مناطق شمال إسرائيل.
الملاحظ أن المواجهة التي دخلها حزب الله تطورت وتصاعدت شيئاً فشيئاً كما ونوعاً، إلى الحد الذي اضطرت معه إسرائيل خلال عدة أشهر من 2024 إلى إجلاء ما يقارب من 60 الف إسرائيلي من سكان مستوطنات وقرى شمال إسرائيل (حسب الأرقام الرسمية).
الملاحظة الأخرى هي أنه منذ بداية الحرب على غزة، كان رد حزب الله محكومًا بضوابط، واستطاع لفترة طويلة تحقيق توازن دقيق من خلال الحفاظ على مستوى محدد من الردع مع إسرائيل، بالتزامن مع تفادي الدخول في حرب مدمرة وشاملة قد تقوض مكانة حزب الله في لبنان، لكن لطالما انطوت هذه المقاربة على مخاطر كبيرة، إذ لم يكن من المؤكد قط أن إسرائيل ستجاريه في ذلك وتلتزم بمستوى العنف الذي يريده الحزب.
وهو ما حدث بعد أكثر من ثمان شهور من دخول حزب الله ساحة المعركة، حيث جمدت إسرائيل نسبياً الجبهة الجنوبية مع غزة ونقلت الحرب وثقلها العسكري للجبهة الشمالية مع لبنان وبدأت في توجيه العديد من الضربات الاساسية للحزب، بدأت بتفجيرات أجهزة إتصال البيجر في 18سبتمبر 2024م، وتفجيرات أجهزة الهاتف واللاسلكي والأجهزة المحمولة في 19 سبتمبر، اي بعد يوم واحد فقط مما أوقع أعداداً من القتلى والجرحى كان أغلبهم من عناصر الحزب والعاملين بمؤسساته المختلفة في واحدة من أقوى الهجمات السيبرانية التي شهدها العالم منذ سنوات بهذا الشكل واعتبرتها إسرائيل إنجازاً استخباراتياً عالياً. ثم تبع ذلك في 20 سبتمبر 2024 والأيام التي تلتها تنفيذ عملية استخباراتية أخرى باغتيال قادة وحدة الرضوان وهي مجموعة نخبة تابعة لحزب الله، في اختراق أمني كبير أيضاً ترتب عليه إرتباك في مستويات القيادة والسيطرة والإتصال في حزب الله.
استغلت إسرائيل هذا الإرتباك وقامت بعدد كبير من الغارات الجوية العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق وقرى الجنوب أوقعت كذلك أعداد كبيرة من القتلى والجرحى جلهم من المدنيين ومع تعالي مستويات العنف من إسرائيل واستخدامها كافة أنواع التكتيكات العسكرية واستخدام الهجمات الالكترونية والاستعداد للدخول في حرب موسعة على لبنان، وصولاً لاغتيال زعيم الحزب السيد حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024م.
وغني عن الذكر أن استراتيجية وحدة الساحات تم تفعيلها كذلك عبر إشراك الحوثيين في المعادلة من خلال إعلانهم التدخل في الحرب إلى جوار حركة حماس وقيامهم خلال الأشهر الماضية بتهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخاصة السفن المتجهة لإسرائيل، ثم تطوير عملياتهم بتوجيه مسيرات وصواريخ بعيدة المدى باتجاه إسرائيل. كذلك قيام بعض المجاميع المسلحة في العراق وسوريا (الجماعة الإسلامية في العراق) بتوجيه باستهداف بعض القواعد الأمريكية بالعراق وسوريا والأردن، كذلك توجيه مسيرات للعمق الإسرائيلي خاصة في منطقة الجولان السوري المحتل وغيرها.
تعاملت إسرائيل مع هذه الاستراتيجية بعنف وكان تركيزها السياسي منصباً على تحميل إيران المسئولية، ونتج عن ذلك قصفها للقنصلية الإيرانية في سوريا واستهداف بعض عناصر فيلق القدس سواء داخل سوريا أو لبنان، بينما ركزت جهدها العسكري بالتعاون مع الولايات المتحدة على الرد على أي هجمات تتعرض لها (ضرب ميناء الحديدة مرتين حتى الآن – الرد بشكل مستمر على حزب الله داخل مناطق الجنوب وعلى طول الخط الأزرق- استهداف بعض التحركات الإيرانية في سوريا …الخ).
تحليل أسباب الإنكشاف الأمني لحزب الله:
لم يكن يتوقع أحد أن إسرائيل استطاعت في أقل من أسبوعين تحقيق كل هذه الأهداف في الجبهة اللبنانية، حيث بدا الحزب أضعف مما تخيله الكثيرون. هذا الحزب الذي ظل أمينه العام يهدد إسرائيل ويتوعدها بالجحيم في كل خطاباته العلنية، تهاوت بنيته العسكرية بسرعة كبيرة وتم إصطياد قيادات الصف الأول والثاني، الواحد تلو الآخر، وعلى رأسهم أمين عام الحزب وقيادته السياسية التي من المفترض أنه كان يتمتع بمستوى تأمين عالي جداً.
هذا يدفعنا للبحث عن الأسباب وراء هذا التهاوي السريع في صورة الحزب كقوة عسكرية غير نظامية، عملت على تطوير قدراتها خلال السنوات الماضية وزادت من عدد مقاتليها ليصل لـ 100 الف مقاتل حسب ما تحدث به حسن نصر الله نفسه في أحدى خطبه، وكان ينظر للحزب على أنه درة التاج لمحور المقاومة وعموده الرئيسي. إذن ما هي الأسباب ؟
في التقدير أن هناك أسباب استراتيجية ساهمت في ذلك، وأبرزها ما يلي:
- دخول الحرب الى جانب حركة حماس دون تحديد استراتيجية خروج، حيث ربط الحزب الهدف بالتوقيت والكيفية التي تحددها إسرائيل لنهاية حرب غزة ومتى تريد أن تتوقف (من أسوء قرارات التخطيط افتقاد رؤية للهدف السياسي العسكري من الحرب، وافتقاد استراتيجية خروج، وأن تسمح للخصم بأن يحدد نهاية الحرب في التوقيت والكيفية التي يريدها). لذلك وجد الحزب أنه تورط في مسار عسكري يصعب التراجع عنه، وقد لا يكون قادر على تحمل تبعاته السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية عليه.
- تركيز قيادة الحزب على فكرة إسناد غزة عبر إشغال جزء من قوات إسرائيل على الجبهة الشمالية، ورغم قيامه بهذا الأمر بالفعل، لكن التزام الحزب بقواعد الاشتباك وعدم تطوير دوره في الحرب على مدار ١١ شهر تقريبا، سمح للقوات الاسرائيلية المتمركزة على حدوده أن تراقب هي الأخرى تحركات قياداته الميدانيين، وتُحدث بنك أهدافها حسب إحداثيات مناطق إطلاق الصواريخ عليها، وترصد وتحلل وتستخرج الدروس من الأنماط الجديدة المتبعة في عمليات الحزب الصاروخية (أهم تهديد حقيقي لإسرائيل) على مدار عام تقريباً، مما سهل لها فيما بعد أن تصل لهذه الأهداف بسهولة. ونعتقد أنه لو ظل حزب الله كامناً، كما كان قبل ٧ اكتوبر 2023، لربما كان في وضع أفضل مما عليه الآن.
- خروج الحزب خارج المسرح اللبناني، وتواجده على الساحة السورية ساعد على حدوث اختراقات في دوائر عمل الحزب من خلال أجهزة الاستخبارات التي كانت ولا تزال موجودة على المسرح السوري، كما أن طول خطوط الإمداد للحزب، والتحالفات الهشة التي كانت تتكون وتتفكك بشكل مستمر بين الفصائل المسلحة أثناء الحرب السورية ربما ساعد على اختراق الحزب بشكل أكبر، عبر عملاء تابعين للموساد وغيره من الأجهزة، ولعل هذا من ضمن الأسباب التي تفسر لنا السهولة التي تعمل بها إسرائيل في لبنان خلال العشرة أيام الماضية.
- تركيز الحزب على التحول من قوة مقاومة للشعب اللبناني ككل – كان لها دور كبير في طرد القوات الإسرائيلية من لبنان- إلى قوة سياسية داخلية تنازع على المقاعد والمناصب وتفرض رأيها بقوة السلاح على القوى السياسية المدنية الأخرى، ووصل الأمر خلال الاستحقاقات الإنتخابية الأخيرة لدرجة فرض الأمر الواقع وتعطيل مسار العمل السياسي. كذلك إنتشار الحزب ليس فقط في مناطق الجنوب لكن في البقاع بالشرق ومناطق جبل لبنان ساهم في تعرض مناطق كثيرة في لبنان للقصف علاوة على نزوح ما يقرب من مليون لبناني حسب ما ذكر رئيس الحكومة اللببنانية في إفادته للصحفيين قبل أيام (وهذا يفسر لنا سبب ضرب إسرائيل لهذه المناطق (مناطق سنية معروفة – منطقة الكولا بالعاصمة بيروت). ولعل هذه النقطة قد أفقدت الحزب جزء كبيراً من تأييد الشعب اللبناني له بعد أن تخندق في مربع طائفي مذهبي، وتحول لقوة ضاغطة على انتظام وسير العمل بالدولة اللبنانية بشكل مؤسساتي وقانوني، علاوة على تحميل اللبنانيين له مسئولية الدمار والخسائر التي يتعرضون لها(قصف منازلهم وممتلكاتهم وأعداد القتلى والجرحى وأعداد النازحين). لذلك رأينا داخل لبنان مظاهرات فرح وابتهاج باغتيال حسن نصر الله. ولا ننسى أن تدخل الحزب في الأزمة السورية نظر إليه سلبياً من دوائر عديدة داخل لبنان وداخل سوريا أيضاً خاصة أنه أخذ قرار التدخل دون تشاور أو مباركة مع الحكومة اللبنانية، لذلك لم يكن مستغرباً كذلك مظاهر الفرح والإبتهاج في بعض المناطق السورية بمقتل حسن نصر الله.
أما عن بعض الأخطاء التكتيكية التي كان لها دور في نجاح إسرائيل في عملية إغتيال حسن نصر فأبرزها ما يلي:
- توجه حسن نصر الله لحضور اجتماع في قلب الضاحية الجنوبية التي كانت واقعة بالفعل تحت الاستهداف من الطيران الاسرائيلي، والذي كان قد نجح قبل أيام وساعات في الوصول لعدد من القيادات المحيطة بحسن نصر لعل أهمهم قادة مجموعة الرضوان.
- خطاب حسن نصر الله قبل ٧ اشهر، الذي دعا فيه عناصر الحزب لعدم استخدام الهواتف المحمولة، كانت إشارة مهمة أن البديل سيكون أجهزة البيجر التي خططت لها إسرائيل قبل ١٥ سنة حسب بعض المصادر الاميركية والاسرائيلية بإنشاء شركات وهمية لتوريد هذه الاجهزة عبر المتعهدين لحزب الله.
- تركيب أجهزة انذار في سيارات بعض قادة الحزب لتنبيهم حال اقتربت منهم طائرة مسيرة (بغرض تفادي الإغتيال) وهو الخطأ الذي مكن الموساد من التعرف على السيارات التي تُصدر ذبذبات وإشارات صوتية ولاسلكية بسهولة.
- تحليلات متناثرة لأسباب نجاح العملية. تتداول التقارير الإعلامية أحاديث متناثرة تأخذ أغلبها التفسير التأمري ، حيث تركز على فكرة وجود إختراق أمني للدائرة القريبة من حسن نصر الله، قدم هذه المعلومة الثمينة للجانب الإسرائيلي عن تحرك زعيم الحزب لحضور هذا الإجتماع، وهناك من التحليلات ما تشير إلى أن أحد الخيوط المهمة يكمن في وجود مسئول ملف لبنان في فيلق القدس والذي كان موجود أيضاً في هذا الإجتماع وتم استهدافه أيضاً، فبحكم تتبع إسرائيل لحركة هذا الرجل بكل تأكيد داخل لبنان، وعلمها بمستوى الدائرة التي ينسق معها فقد توقعت وجود حسن نصر ضمن الإجتماع. وهناك تقارير أخرى تتحدث عن خيانة بشكل أخر لكن على مستوى أكبر تتعلق بصفقة على مستوى أكبر بين إيران والولايات المتحدة، تم بموجبها تسليم معلومات مهمة( لكنها تبقى كل هذه التفسيرات مجرد تكهنات لا يمكن تأكيدها أو نفيها أو تبنيها من جانبنا)
الرؤية الإسرائيلية للتعامل مع حزب الله:
وضح لإسرائيل أن إيران تستغل حرب غزة لتثبيت معادلة جديدة معها مضمونها أنها تملك قدرات على محاصرة إسرائيل وضربها من كل إتجاه، دون أن تضطر إلى خوض حرب مباشرة معها، ويبدو أن قرار إسرائيل بنقل ثقلها للجبهة اللبنانية وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيعمل على تغيير موازين القوة والمعادلات القائمة في المنطقة يفسر لنا جانب من المواجهات الحالية مع حزب الله، وربما سيفسر لنا لاحقا اتجاه إسرائيل للإنتقام من جماعة الحوثي في اليمن والفصائل المسلحة في العراق وسوريا.
فعلى مدار الأشهر الماضية، ورغم تدخل حزب الله في حرب غزة بقيامه بشكل شبه يومي بقصف بعض المواقع الإسرائيلية (تحت شعار إسناد غزة)، وقيام إسرائيل بالرد عليه بنفس القدر من الضربات أو الخسائر أو الاستهدافات أو طبيعة الأهداف، وفق معادلة وضحت للجميع أنها شبه متفق عليها أو ما أصطلح على تسميته “بقواعد الإشتباك” إلا أن هذه المعادلة تتغيير الآن أو في طريقها للتغيير نحو معادلة جديدة.
فمن الواضح من كثافة هذه العمليات وتتابعها الزمني وكثافتها، إن إسرائيل تريد أن تستغل ترنح الحزب وفراغ القيادة الحالة على المستويين السياسي والعسكري من أجل الإجهاز على أكبر قدر ممكن من قدرات الحزب البشرية والمادية، ويدلل على ذلك بدأ تحولها لإصطياد قيادات الصف الثاني للحزب (وهي دلالة لها معنى كبير وهي أن أغلب قيادات الصف الأول قد تم تحييدهم أو على الأقل المؤثرين أو المعروفين بالنسبة لها).
الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل:
يشير التقييم الاستراتيجي للموقف الراهن على الجبهة اللبنانية لعدد من المعطيات التي تعكس في جوهرها الكيفية التي تدير بها إسرائيل هذه الجبهة، والأهداف الاستراتيجية للتحول الذي حصل من جبهة غزة لجبهة لبنان، ونجملها فيما يلي:
- القفز للأمام. يساعد الإنتقال للجبهة اللبنانية على القفز للأمام من ساحة غزة بكل ما مثلته من ضغط داخلي على الحكومة الإسرائيلية الحالية بسبب ملف الرهائن وعدم إبرام صفقة، ومن ضغط دولي بسبب الوضع الإنساني وتركيز المجتمع الدولي عليه بصورة كبيرة، وسحب التركيز الأعلامي من غزة لساحة جديدة لها معطيات مختلفة على كل المستويات.
- استعادة نظرية الردع الإسرائيلي. لا شك أن نظرية الردع الإسرائيلي التي اعتمدت عليها إسرائيل منذ تأسيسها وعلى مدار العقود الماضية قد تضررت كثيراً خلال الأشهر الماضية، لذلك سيكون جزء مهم من أهدافها الاستراتيجية من حرب لبنان هو استعادة وترميم نظرية الردع والتفوق الإسرائيلي الكاسح استخباراتياً وعسكرياً (وهو ما تحقق لها نسبياً من منظورها بالتأكيد عبر الضربات المتتالية التي نفذتها حتى الآن ضد حزب الله).
- تغيير موازين القوة على الجبهة اللبنانية. بقيام إسرائيل بنقل مركز الثقل العسكري والاستراتيجي لها من جبهة غزة للجبهة اللبنانية يتضح أنها تعمل من أجل تغيير موازين القوى، وهو ما جاء حرفياً على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتناهو، وتهدف من خلاله إسرائيل لإضعاف وتفكيك قدرات حزب الله العسكرية والسياسية (بنفس الطريقة التي تمت مع حماس في غزة) بما يُجبر الحزب على سحب قواته لشمال نهر الليطاني والقبول بتعديل الأوضاع على الأرض، بحيث تُنشأ إسرائيل منطقة عازلة جنوب لبنان، تسمح لها ليس فقط بإعادة سكان شمال إسرائيل لمدنهم وقراهم ومستوطناتهم، بل تضمن تحييد خطر حزب الله لسنوات مقبلة.
- تغيير التوازنات الإقليمية بالمنطقة وطبيعة التحالفات. وهو ما جاء أيضاً على لسان نتياهو في لقاء مشترك جمعه بالرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أشهر، وتحدث فيها صراحة عن ضرورة تغيير المعادلات القائمة في الشرق الأوسط والتي باتت تشكل خطر على إسرائيل ، وضمن هذا الإطار تتحرك إسرائيل ضمن استراتيجية جديدة تم تبنيها في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، ويبدو أيضاً أنها أقنعت بها الولايات المتحدة، ومضمونها التالي: أنها لحظة تاريخية يجب استغلالها لضرب أزرع إيران في المنطقة والتخلص منها أو على الأقل إضعافها ، باعتبار أنها تهدد ليس فقط إسرائيل بل تهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب، حتى لو أدت إلى حرب إقليمية مع إيران. فمثل هذه الحرب ستعيد صياغة شكل المنطقة على نحو مختلف وتعيد ترتيب التحالفات بها بالشكل الذي يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية”.
سياقات داعمة:
هناك عدة عوامل قد تساعد إسرائيل في الظرف الحالي على تحقيق أهدافها على الجبهة اللبنانية ( ما لم تتغير بعض المعطيات)، وهي كالتالي:
- الدعم الأمريكي اللامحدود، والذي سيؤمن لإسرائيل ظهرها من جانب، وسيعمل كقوة ردع لأي طرف إقليمي يفكر في التدخل في هذه المعركة.
- تركز وجود الحزب وحاضنته الشعبية في مساحة جغرافية محددة ( جنوب لبنان)، ما يعني أن إسرائيل لديها مسرح عمليات محدد بنطاق جغرافي معين، بعكس حركة حماس المنتشرة على كامل جغرافيا قطاع غزة، مما اضطر إسرائيل للتعامل عملياتياً مع كل مناطق القطاع ولذلك كلفها الأمر وقت كبير وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين نتيجة لصعوبة تجنيبهم القصف وسقوط أعداد كبيرة أيضاً من جنودها بين قتلى وجرحى. بينما نتوقع حال استمر القصف الجوي الإسرائيلي بهذه الكثافة والفظاعة ستحدث موجه نزوح جماعي لسكان جنوب لبنان إلى مناطق بيروت والشمال، فلديهم فرصة للهرب وهو ما حدث فعلياً خلال الأيام الماضية، وبدأت إسرائيل أيضاً في توجيه أوامر إخلاء للسكان من بعض الأحياء، وفيه ترويع لهم ولغيرهم، ونتوقع إتباع وتكرار نفس الطريقة، التي ستقود بعد فترة لإخلاء مناطق وقرى ومدن الجنوب من السكان وهذا ما تريده إسرائيل فعلياً. بعض تصريحات القادة العسكريين في إسرائيل تقول” لا نتوقع أن تأخذ الحملة على لبنان نفس الفترة التي احتجناه في غزة، بالنظر إلى أن الأهداف في لبنان محددة ومعروفة سلفاً.
- التردد الإيراني . وضح أن هناك تردد إيران في التدخل بشكل حقيقي لإنقاذ حزب الله من مصيره المحتوم، فرغم ما تبديه الدوائر الإيرانية من تصريحات مساندة ودعم إلا أنه حتى وقت كتابة هذه السطور لم تُظهر إيران أي تحرك جاد، وكأنها تركت الحزب ليواجه مصيره. حيث كان لافتا في خضم هذا التصعيد أن يتحدث الرئيس الإيراني من على منبر الأمم المتحدة عن رغبة بلاده في تسوية المشكلات مع الغرب وقوله أن الأمريكيين هما أخواننا “نحن أخوة للأمريكين ولسنا معادين لهم”. كما وجه الرئيس الإيراني في (27 سبتمبر 2024) رسالة لرئيس الحكومة اللبنانية عبر فيه عن مساندة بلاده للبنان في هذه المحنة وأكد أن هذه المساندة ستتم من خلال “ملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية”. وهنا لابد أن نُذكر أن إيران لم تفعل شيئاً أيضاً عندما اغتالت إسرائيل على أراضيها إسماعيل هنية في تعدي واضح على سيادتها وإهانة لكرامتها الوطنية، وأصبح حديث مسئوليها عن الإحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين محل تندر واستخفاف على وسائل التواصل الاجتماعي.
تداعيات اغتيال حسن نصر الله على المعادلات القائمة بالداخل اللبناني والإقليم:
من المبكر الحكم على تأثير هذا التصعيد على الداخل اللبناني أو على خريطة ومعادلة الأمن الإقليمي خاصة بين إيران وإسرائيل، فحتى الآن يصعب التكهن بما سيحدث، في ظل الإنفتاح المحتمل على سيناريوهات عديدة. فهذه التأثيرات مرتبطة بعدة عوامل ستظهر خلال الأيام وربما الأشهر المقبلة وهي:
- موقف الداخل اللبناني وموقف الحكومة اللبنانية وبعض مكوناتها من الأحزاب والتكتلات الأخرى، حال نجحت إسرائيل في تدميرالحزب أو إضعافه بشكل كبير كما تدعي (نموذج ما حدث مع حماس في غزة).
- التأثير المحتمل على الساحة السورية (علاقة الحكومة السورية بالحزب والأدوار التي كان يقوم بها هناك).
- التأثير المحتمل لهذا السيناريو على مسار حرب غزة ومدى قدرة إسرائيل على الوصول لمنتهى أهدافها في غزة والضفة الغربية.
- التأثير المحتمل لسيناريو إخراج/ إضعاف قوة الحزب من المعادلة على المشروع الاقليمي الإيراني والتأثيرات الإرتدادية على ساحات أخرى كاليمن والعراق، وعلى الساحة الرئيسية للصراع وهي إيران.
الموقف المصري من التصعيد على الجبهة اللبنانية:
مصر موقفها واضح ومعروف تجاه لبنان على طول الخط، ودعمها للبنان حكومة وشعباً قائم ومستمر في أي مرحلة صعبة مرت بها لبنان الشقيقة، ربما كان أبرزها أزمة كورونا وأزمة تفجير مرفأ بيروت …..وغيرها. وبحكم علاقات البلدين التاريخية فإن الخط السياسي المصري لم يتغير تجاه لبنان، ويتم التعامل معها ضمن مقتضيات الأمن القومي العربي، كدولة عربية شقيقة، وكجزء مهم من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بحكم جوارها لإسرائيل وعلاقاتها بسوريا ودخول حزب الله في المعادلة الأمنية مع إسرائيل من ناحية وفي المعادلة الفلسطينية من ناحية أخرى.
لابد أن نعترف أن المرحلة الحالية صعبة للغاية سواء بسياقها الإقليمي أو بسياقها اللبناني والفلسطيني، وبها تحديات كثيرة، لكن مصر لديها من الأدوات التي تستطيع من خلالها حماية الدولة اللبنانية على الأقل لأن سيادة لبنان باتت معرضة للخطر، في ظل حديث عن غزو بري إسرائيلي واحتلال أراضي من جنوب لبنان، كما أن تصريحات بعض مسئوليها (أنهم سيعدلون او يتراجعون عن اتفاق الغاز) تكشف عن جانب من هذه المخاطر التي ستواجهها الدولة اللبنانية في قادم الأيام.
لذلك ستصب مصر جهدها الدبلوماسي نحو حماية سيادة لبنان على ارضه وموارده فهذا هو الهدف الاستراتيجي، ويتفرع منه أهداف أخرى كمعالجة الوضع الانساني ومحاولة الإنخراط في الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف هذا التصعيد بالتعاون مع فرنسا والولايات المتحدة والدول العربية والإقليمية الفاعلة.
ضمن هذا السياق نشير للإتصال الهاتفي الذي أجراه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، في 29 سبتمبر الجاري والذي تناول العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث أكد السيد الرئيس دعم مصر الكامل للبنان، ووقوفها بجانبه في هذه الظروف الدقيقة، ورفضها المساس بأمنه أو استقراره أو سيادته ووحدة أراضيه، كما شدد الرئيس السيسي على ضرورة الوقف الفوري والشامل والدائم لإطلاق النار بكل من لبنان وغزة. كما وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإرسال مساعدات طبية وإغاثية طارئة للبنان بشكل فوري، تضامناً مع شعبه الشقيق.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
السيناريو الأول. احتمال قلب المعادلات بتدخل إيراني مباشر . يكتنف المشهد الراهن قدر كبير من الغموض وعدم اليقين، بسبب احتمال حدوث تغيير في المواقف لبعض الأطراف في أي وقت، فقد تتغير المعادلات بالكامل حال تدخلت إيران في الحرب واتسع نطاقها إقليمياً، وعندها لا يمكن تخيل ما سيحدث بالفعل، سنكون أمام سيناريوهات مفتوحة، قد تضع المنطقة كلها على فوهة البركان وهو سيناريو في منتهى الخطورة على الأمن الوطني لكثير من دول المنطقة بما فيه دول الخليج، التي ستجد نفسها شاءت أو أبت جزءً من مسرح هذه الحرب.
السيناريو الثاني: احتمال استعادة التوازن للجبهة اللبنانية. قد تتغيير بعض المعادلات أيضاً حال تمكن حزب الله من استيعاب كل هذه الضربات واستطاع التماسك مرة أخرى، بتعيين قيادة سياسية جديدة وملء الفراغ في القيادات العسكرية التي تم إغتيالها، وبدعم قد يصله من إيران عبر الحدود المفتوحة مع سوريا، وبإسناد يتوقع أن يحدث فعلياً من جبهة الحوثيين ومن فصائل المقاومة الإسلامية في العراق. وفق هذا السيناريو وحال تمكن حزب الله من توجيه ضربات صاروخية موجعة للأعيان المدنية في إسرائيل ونجحت صواريخه في الوصول لمدن كبرى مثل تل أبيب وحيفا وغيرها، كما قد تنقلب المعادلة على المدى المتوسط حال قررت إسرائيل هجوم بري، حيث أن هذا الهجوم سيوفر الفرصة لمقاتلي الحزب المدربين جيداً على حرب العصابات (سبق لهم تجريبها في حرب 2006 وفي حرب سوريا ضد الجماعات المسلحة المختلفة وضد داعش وغيرها) أن يشتبكوا من المسافة صفر مع القوات الإسرائيلية الراجلة والمحمولة من خلال الأسلحة الخفيفة والكمائن المحكمة وصواريخ قصيرة المدى والمفخخات والعبوات الناسفة، مما سيوقع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي ، يضطر معها للخروج مرة أخرى من جنوب لبنان (سيناريو 2006).
السيناريو الثالث. نجاح إسرائيل في القضاء على حزب الله. وفق هذا السيناريو ستستمر إسرائيل في متابعة ضرباتها القاسية للحزب وعناصره وقواعده في الجنوب، مع الضغط لإبعاد الحاضنة الشعبية للحزب شمالاً لتعرية مناطق التواجد العسكري للحزب بما يسهل استهدافها، وقد تندفع إسرائيل في سيناريو أخر وهو تنفيذ عملية برية في حزام محدود على مناطق الحدود ويمكن توسعته تدريجياً حسب سير الحرب، ويكون هدفها هو تأسيس المنطقة العازلة وتطهير المنطقة من عناصر الحزب بشكل كامل. شروط تحقق هذا السيناريو مرتبطة بإمتناع إيران عن التدخل لحماية الحزب.
السيناريو الرابع: تسوية سياسية ووقف الحرب. هذا السيناريو بالفعل تعمل عليه بعض الدول مثل فرنسا (هي الطرف الدولي الأكثر اهتماماً بهذا الملف نظراً لعلاقاتها التاريخية مع لبنان) وقد تساعدها في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية اخرى كبريطانيا وألمانيا، ولا شك أن أي حل دبلوماسي يجنب لبنان هذا الدمار المتوقع سيحظى بتأييد عربي من القوى الرئيسية مثل مصر ودول الخليج والأردن. وفق هذا السيناريو سيتم تمرير مشروع قرار ملزم عبر مجلس الأمن، مضمونه تنفيذ القرار 1701، وقد تعمل الولايات المتحدة على إقناع إسرائيل بقبول القرار، شريطة أن يؤمن لإسرائيل تحقيق هدفها المعلن (عودة سكان شمال إسرائيل) وإبعاد الحزب شمال نهر الليطاني أو في مناطق تقع خارج الخط الأزرق. بذلك تخرج إسرائيل منتصرة وبمكاسب مقبولة للشارع الإسرائيلي، وتخرج الأطراف الداعمة لحزب الله بفرصة أخرى تضمن للحزب البقاء كقوة سياسية داخل النظام السياسي اللبناني – ولو كان جريحاً أو حتى ضعيفا منهكاً – لكنها معادلة الحياة بإعاقة مقابل الموت والإنتهاء.
الخلاصة:
- معادلات جديدة طور التشكيل.يعتبر حزب الله أهم مكون من مكونات محور المقاومة بالنسبة لإيران، ولذلك فإن تعرضه لكل هذه الضربات الموجعة والقوية وأخرها اغتيال قيادته التاريخية سيكون نقطة تحول كبيرة في تاريخه، ليس فقط بحكم وضعيته في معادلة الصراع مع إسرائيل، أوعلاقته بإيران ومحور المقاومة، أو دوره في بعض الملفات التي انخرط فيها مثل الملف السوري على سبيل المثال. بل قد يكون من المهم أيضاً دراسة تأثير ما يتعرض له الحزب حالياً من ضربات متتالية لغرض إضعافه أو التخلص منه كما تقول إسرائيل على المعادلة السياسية الداخلية في لبنان، فلا ننسى أن هذا الحزب تمكن من أن يكون صاحب اليد العليا في السياسة الداخلية اللبنانية لسنوات مضت.
- استبدال القيادة وملء الفراغ. إن اغتيال حسن نصر في مثل هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة يختلف تماماً عن تنفيذ هذه العملية في توقيت أخر، فلو تم الإغتيال مثلا قبل طوفان الأقصى، كان يمكن عندها الحديث عن استبدال عادي في القيادة وهذا الأمر معروف في مثل هذه التنظيمات التي لا تتأثر كثيراً بغياب قائدها، فلديها القدرة على تصعيد قيادة جديدة. أما في مثل هذه الظروف الإستثنائية فإن غياب أو تغييب حسن نصر الله سيؤثر كثيراً في تماسك الحزب وأدائه السياسي والعسكري.
- الدبلوماسية هي الخيار الوحيد الآمن. إن التخلص من حزب الله – كما تدعي إسرائيل – ليس عملية سهلة، خاصة وأن حزب الله تمكن عبر العقود الثلاث الماضية من تكوين بنية مؤسساتية وخدمية وتعليمية وصحية منتشرة في مناطق مختلفة في لبنان، ومركزة بشكل أكبر بالتاكيد في مناطق الجنوب، وقد وصل الأمر بالحزب لتكوين طرق بديلة للتعاملات البنكية والمصرفية لعناصره ومؤيديه كبديل عن المسار المصرفي والمالي للدولة اللبنانية، علاوة على استنادة لقاعدة جماهيرة كبيرة مستندة لأسس طائفية وعقائدية ستلتف حول الحزب في وقت الخطر، لأنها ستعتبر زوال الحزب تهديد لمكتسباتها الخاصة. لذلك نقول حال صممت إسرائيل على تكرار ما حدث مع حماس في غززة على المسرح اللبناني فإن هذه العملية ستسغرق وقت أطول مما استغرقته جبهة غزة، وستكون تكاليفه باهظة على لبنان بكل تأكيد، لذلك كان نجيب ميقاتي محقاً عندما قال بكل صراحة ” أننا لا نملك خيار أخر غير الدبلوماسية”. لذلك من المهم الإنتباه لبعض التصريحات التي تخرج من الجانب الإسرائيلي والتي تقول “أنه كان من الخطأ توقيع اتفاق غاز مع لبنان (بمشاركة حزب الله) وأن الحكومة الحالية ستعمل على إيجاد ثغرات للتخلص من هذا الإتفاق والوصول لإتفاق جيد مع الحكومة اللبنانية”.
- عوامل مرجحة. ما من شك أن التصعيد الحالي ضد حزب الله، قد يفتح الباب لتدحرج المنطقة لحرب قد تقع في أي لحظة أو الدخول في شكل من الصراع الفوضوي غير المسيطر عليه. ويظل التدخل الإيراني المباشر أو غير المباشر عامل حاسم في هذا الأمر، كذلك مستوى التدخل والحزم الأمريكي المقابل لردع إيران عن التفكير في التدخل بأي طريقة تضر بها أمن إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها بالمنطقة.
- الدرس المستفاد للدولة الوطنية. يعطينا التصعيد الحالي والموقف الذي تعيشه الدولة اللبنانية حالياً ومواطني لبنان – من قصف ودمار وقتل وتهجير ونزوح وقد يكون الأسوء لم يأتي بعد – درساً مهماً نعتقد أنه قد أن الأوان لنتحدث عنه بصوت عالي، وهو مسألة المؤسسات الوطنية، ولقد كانت مصر حريصة دائماً في كافة تحركاتها الخارجية على التمسك بهذا المبدأ بل جعله ضمن مبادىء سياساتها الخارجية، وجعلته عنواناً لسياساتها إزاء الصراعات التي شهدتها المنطقة العربية في مرحلة ما بعد 2011م . ونقول وبكل أمانة أن مصر كانت سباقة في رفع هذا المبدأ، الذي يكشف عن وعي استراتيجي للدولة المصرية بقيادتها ومؤسساتها الوطنية العريقة بأن وجود فاعلين دون الدولة يشاركون المؤسسات الوطنية القرارين السياسي والعسكري ويكون لهم حرية التصرف المناطقي في بعض أقاليم الدولة، أمر في غاية الخطوة، ومسألة مُختلة الفهم والمنطق، أضرت بالدول الوطنية أكثر ما أفادتها، فعندما تحتكر قوة من خارج القوات المسلحة لمشروعية قرار الحرب واستخدام القوة بل والاشتراك في إدارة السياسىة الخارجية وبناء علاقات دولية في مسارات خاصة فهذه كارثة على الدول الوطنية والسيادة والسلم الأهلي، ولم يعد يجدي معها أي مبرر، فمن واقع الممارسة تتحول هذه الكيانات الفرعية أو الموازية فيما بعد لسرطان ينهش في جسد الدولة، بإمكانه إسقاطها إذا تهيئت له الظروف، أو إسقاطها عن جهل وسوء تقدير للموقف.