إعداد:
د.أكرم حسام
رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
تقديم:
يترقب المعنيون بالأزمة السودانية النتائج التي ستتمخض عن مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية، الذي جري الاستعداد له من جانب مؤسسات الدولة المصرية المعنية قبل أشهر وكان محدد له الثامن والعشرين من شهر يونيه 2024م، لكنه تأجل لبضعة أيام لإستكمال بعض التحضيرات الضرورية لضمان نجاح المؤتمر . يأتي هذا المؤتمر الذي يعقد يوم السادس من يوليو الجاري ضمن سلسلة الجهود المصرية للتعاطي الفاعل مع تطورات الأوضاع في السودان، والتي دخلت منذ أكثر من عام في مرحلة خطرة من التفاعلات الحادة نتيجة الإحتكام للغة السلاح، ومحاولة ميلشيات الدعم السريع في ابريل 2023م فرض رؤيتها ومواقفها على الجيش الوطني السوداني، مما أدخل البلاد في دوامة حرب طاحنة، تتسع رقعتها وتتشعب خيوطها وتتعقد قضايها كلما مر الوقت.
لذلك كانت القاهرة أكثر المهمومين بهذه الحرب وتبعاتها، لكونها من أكثر الدول المعنية بهذا الملف لإعتبارات جيواستراتيجية وتاريخية وديمغرافية، ولا يضاهيها في ذلك أي دولة أخرى من الدول التي تتحرك في هذا الملف، من قريب أو من بعيد ، ولا يجب أن ننسى أن مصر من أكثر الدول التي تأثرت بالحرب السودانية التي اندلعت بين قوات الجيش السوداني الوطني وميلشيات الدعم السريع.
تحركت القاهرة على أكثر من مستوى للتعاطي بفاعلية مع الوضع في السودان، شملت هذه التحركات لقاءات مع المسئولين السودانيين بالقاهرة والخرطوم، واستضافة لقاءات لشخصيات وقوى سياسية سودانية للحوار حول الأزمة والبحث عن حلول، كما شملت تأسيس آلية دول الجوار للسودان كمنبر تفاوضي يمكن أن يوفر كل السبل والظروف الممكنة لنجاح المسار السياسي ووقف الحرب، علاوة على التحرك عربياً وإقليمياً ودولياً لمناقشة الأوضاع في السودان مع الدول الفاعلة والشركاء سواء دول أو منظمات، بالإضافة للجهد الإنساني الكبير في استقبال الأخوة من السودان الفارين من الحرب وتقديم مساعدات إنسانية للداخل السوداني كذلك، وغيرها من الجهود الجبارة التي تحملها القيادة السياسية المصرية على عاتقها، ويحمل مسئولية تنفيذها مؤسسات وطنية مصرية مشهود لها بالخبرة والكفاءة، تمارس واجبها بكل تفاني وإخلاص وتسابق الزمان لملاحقة مستجدات هذه الحرب ومحاولة العمل مع الأشقاء في السودان للعودة لمربع الاستقرار.
ورغم أن هناك تفاؤل كبير من العديد من القوى السياسية السودانية بالمخرجات المتوقعة لمؤتمر القاهرة، إلا أن هناك تحديات لا ينبغي تجاهلها، فالأزمة بالفعل معقدة سياسياً وعسكرياً، وهناك تدخلات سلبية من قوى خارجية ، ولنقولها بصراحة هناك دول لا يهمها سوى مصالحها الضيقة ورؤيتها القاصرة لأدوار وهمية تتخيل أو تعتقد أنها وعبر مساعدات مالية أو عسكرية لطرف ما يمكن أن تخلق لنفسها دوراً مصطنعاً على حساب أرواح السودانيين ومقدرات دولة عربية تبحث عن الاستقرار والأمن منذ سنوات.
نقدم في مركز السلام وعبر برنامج عين على الإتجاهات الاستراتيجية تقدير موقف حول فرص وتحديات مؤتمر القاهرة للقوى المدنية السودانية، من زاوية تحليلية تستصحب معها عدة محاور وهي رؤية مصر وجهودها السابقة للتعامل مع الأزمة السودانية، الفرص والتحديات أمام مؤتمر القاهرة وأخيراً فرص تعزيز نتائج المؤتمر.
مؤتمر القاهرة وضرورات الحركة المصرية:
تنطلق الهموم المصرية لهذا المؤتمر من مخاوف حقيقية على السودان الشقيق وعلى الأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي ومنطقة وسط أفريقيا، فالسودان يقع في القلب بين هذه المناطق، وما يحدث فيه يمكن أن يخرج بتداعياته إلى العديد من دول الجوار ويعيد تشكيل معادلات سياسية واستراتيجية عديدة بها، بسبب التداخل الديمغرافي والقبلي والإعتماد المتبادل في العديد من الموارد وطرق النقل والحدود وغيرها، ولا يجب أن ننسى وجود استراتيجيات لبعض الدول والقوى الخارجية التي تبحث عن إعادة تشكيل هذه المنطقة إنطلاقاً من السودان.
ينذر الوضع الراهن في السودان عسكرياً وميدانياً بخطر وشيك على وحدة السودان، كما ينذر الوضع الإنساني بالإقتراب من وضع المجاعة حسب التقديرات الدولية، ولا يوجد أفق لأي مسار سياسي عبر منابر التفاوض الأخرى خاصة منبري جدة والإيجاد، وعدم التعاطي من جانب طرفي الحرب مع المبادرة الأخيرة للإتحاد الأفريقي التي صدرت عن مجلس السلم والأمن الأفريقي ودعوة اللجنة الرئاسية للمجلس بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وقادة الدول الأفريقية، للجمع بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان و محمد حمدان دقلو “حميدتي” على طاولة واحدة. مما يجعل دول الجوار للسودان ومنطقة القرن الأفريقي في وضع معقد يصعب التنبوء بمآلاته، على كافة المستويات.
تنطلق الدعوة المصرية لهذا المؤتمر من إيمان راسخ بأن النزاع الراهن في السودان هو قضية سودانية بالأساس، وأن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة السودانية، وفي إطار احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها. وتعتبر هذه المنطلقات من ثوابت الحركة المصرية التي لم تتزحزح منذ اشتعال الموقف في السودان في ابريل 2023، فمنذ ذلك الحين لم تتوقف مصر عن الحركة، حيث قامت مصر خلا عام تقريباً بعدة جهود لوقف هذه الحرب أبرزها: استضافة “قمة دول جوار السودان” في يوليو 2023 ، ، وفي أغسطس 2023، قام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بزيارة مصر كأول زيارة خارجية له منذ اندلاع الحرب، وفي سبتمبر 2023 عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك . بالإضافة لإستضافة القاهرة للعديد من المؤتمرات اللقاءات والاجتماعات للقوى المدنية السودانية بمختلف مرجعياتها السياسية سواء كانت لقاءات رسمية أو غير رسمسة من خلال ندوات وحلقات نقاش قامت بها بعض مراكز الفكر المصرية ومنها مركز الأهرام للدراسات السياسية والمركز المصري للفكر وغيرها . هذا بالإضافة إلى استضافة مصر للفريق البرهان في مارس 2024، وأكدت القاهرة – آنذاك- على أهمية أمن السودان ودعم وحدة الصف الوطني وتسوية النزاع القائم.
كما شاركت القاهرة سواء من خلال الرئيس السيسي شخصياً أو من خلال وزارة الخارجية في كافة الاجتماعات الدولية والإقليمية المعنية بالسودان سواء على مستوى الثنائي او على مستوى المنظمات والهيئات الأممية لتنسيق الجهود مع الشركاء الإقليمين والدوليين في الملف السوداني بما يدعم وحدة تلك الجهود ووحدة الصف السوداني ، لاسيما المشاورات مع المبعوث الأمريكي للسودان والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وممثلي الإتحاد الأوروبي ولقاءات مع قادة دول ومسئولي دول مهمة مثل الصين واليابان وتركيا وغيرها.
الفرص الداعمة لنجاح المؤتمر:
بسبب تعقد المشهد السوداني سياسياً وعسكرياً فإن أي تقييمات أو تقديرات بشأن التطورات هناك لابد أن تُبنى على مقاربة الفرصة والتحدي، وفي هذا الإطار هناك عدة فرص تعزز من حظوظ نجاح هذا المؤتمر، وبالمناسبة نجاح هذا المؤتمر ليس نجاحاً لمصر في حد ذاتها، بقدر ما هو نجاح للسودان والسودانيين، فمصر لا تبحث عن أدوار كغيرها، لكنها مهمومة حقيقية بالوضع السوداني، وفي هذا الإطار توجد عدة فرص كما يلي:
فرصة (1) مشاركة تحالف “تقدم” وهو تحالف عريض يضم العديد من القوى السياسية والحزبية والمدنية في السودان ويحظى بظهير شعبي، علاوة على المكانة الإعتبارية لشخص رئيسه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك إقليمياً ودولياً، وهو شخصية سياسية تحظى بثقة ومقبولية بشكل عام. بالإضافة لمشاركة تحالف الكتلة الديمقراطية وهما أكبر كتلتين سياسيتين في النظام السياسي السوداني الذي تشكل بعد مرحلة 2019م.
فرصة (2) مشاركة رؤساء أحزاب سودانية قوية وفاعلة ومنها حزب الأمة ، التجمع الاتحادي ، والحزب الإتحادي الديمقراطي، وحزب المؤتمر السوداني ، حزب البعث القومي.
فرصة (3) مشاركة لممثلي عدد من الحركات المسلحة الموقعين على مسار السلام ومنهم قائد حركة تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي الهادي إدريس، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وقائد حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية الجبهة الثورية مالك عقار.
فرصة (4) مشاركة قوى سياسية مدنية ومجتمعية منها تجمع قوى تحرير السودان، ممثلي المهنيين والنقابات والمجتمع المدني ولجان المقاومة، ورئيس المجلس الأعلى للبجا والعموديات المستقلة . ورئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة الأمين داؤود، ورئيس قوى الحراك الوطني التجاني السيسي.
فرصة(5) مشاركة شخصيات وطنية لها وزنها خبرتها بينها نور الدين ساتي، والواثق كمير، وصديق أمبدة، وعالم عباس، والمحبوب عبد السلام، والشفيع خضر.
فرصة(6) توقيت الدعوة ، حيث يأتي المؤتمر في وقت صعب على المستوى العسكري تحديداً بعد اتساع نطاق الحرب ووصولها لمناطق جديدة كانت مستقرة نسبياً، في الشرق والشمال والجنوب، إضافة لإصرار الدعم السريع وداعميه الخارجيين على السيطرة على الفاشر عاصمة إقليم دارفور، ومد ميلشيات حميدتي بأسلحة جديدة ومؤثرة منها المسيرات ومضادات الطيران وغيرها ، وهو ما يخشى معه إنفراط عقد السودان واقتراب سيناريو التقسيم الجديد، مما سيكون دافع قوى للقوى السودانية الوطنية المخلصة للتصدي لهذا السيناريو الذي يستهدف وحدة الأراضي السودانية. كما أن تداعي الوضع الإنساني مع التحذيرات الأممية مما أسمته ” المجاعة في السودان” والتي تتفاقم معها أزمة غذاء نتيجة لتعطل الزراعة في مناطق الحرب وطرد الدعم السريع للمزارعين من مناطقهم وحرمانهم من حصاد محاصيلهم وتدمير الأسواق وتعرض أي سيارات لنقل المواد الغذاية على الطرق للنهب والسرقة، تجعل الجميع في السودان ينتظر بفارغ الصبر أي بارقة أمل يمكن أن تلوح في الأفق، ولعل مؤتمر القاهرة المزمع عقده يكون نقطة البداية في التحول من مسار إلى مسار يضمن للسودان وحدته ويوحد الرأى حول متطلبات المرحلة القادمة.
فرصة (7) الموقف المصري الواضح والمتوازن من السودان على طول الخط ، علاوة على الفهم المصري العميق لكثير من التعقيدات السياسية على مستوى الداخل السوداني، ما يجعل مصر مؤهلة لطرح مقاربات منطقية وجادة تراعي بعض التعقيدات، وتضمن في الوقت نفسه فرص التوافق، ولعل المقاربة الخاصة بمؤتمر القاهرة التي روعي فيها عدة أمور ستكون من ضمن فرص تعزيز نجاح هذا المؤتمر ومنها، توجيه الدعوة للجميع على أساس حزبي، بغض النظر عن الكتل والأطراف التي تنتمي لها مما سيقود لفتح مناقشات داخل الكتل نفسها ليعبر كل مشارك عن وجهة نظره، وتعتبر هذه الصيغة هي الأمثل لدعوة الأطراف لتفادي الحديث عن أوزان الكتل ومستويات تمثيلها، بالإضافة لطريقة إدارة الاجتماعات من جانب أمانة المؤتمر والتي ستكون مباشرة وعبر الطاولة المستديرة التي تساعد على تقريب وجهات النظر، وربما تكون هذه المرة هي الأولى التي تلتقي فيها أحزاب وقوى سياسية ببعضها البعض بشكل مباشر منذ 2019.
فرصة (8) إستصحاب البعد الدولي والإقليمي ممثلاً في دعوة الدول والمنظمات الفاعلة للمشاركة وحرص مصر على مشاركة أطراف دولية فاعلة منها مجموعة الترويكا والدول الراعية للمنابر حالياً مثل السعودية، والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي وغيرها كمراقبين فقط ، وهو ما قد يساعد على تجاوز إشكالية تعدد المنابر، وصولاً لتأسيس المنبر التفاوضي الموحد.
فرصة (9) وضوح وتحديد أجندة المؤتمر من البداية ومن خلال الدعوات التي وجهت للمشاركين أنفسهم ، وذلك بعد التشاور مع العديد من القوى والشخصيات السودانية في مرحلة الإعداد للمؤتمر، وذلك لغرض حصر النقاش في القضايا المركزية، وتجنب التشعبات غير المطلوبة لقضايا فرعية يمكن مناقشتها لاحقاً في مرحلة ما بعد الحرب بين الفرقاء السودانيين أنفسهم ، وفي هذا الإطار تم التركيز على ثلاث قضايا رئيسية وهي كيفية وقف وإنهاء الحرب، القضايا الإنسانية ، كيفية التأسيس لمسار سياسي لحل الأزمة السياسية في البلاد.
التحديات الماثلة:
بسبب تعقيدات الوضع السوداني كذلك هناك عدد ليس بالقليل أو الهين من التحديات أمام نجاح هذا المؤتمر أبرزها ما يلي:
تحدي(1) : اعتذار بعض القوى السياسية والحركات المسلحة عن المشاركة وتحفظها على تفسير موقفها ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال التي يرأسها عبد العزيز الحلو، ونائب رئيس التيار الثوري الديمقراطي بثينة دينار ( إحدى مكونات تحالف تقدم).
تحدي (2) التعقيدات الداخلية الموجودة في إطار بعض المكونات والتحالفات السياسية السودانية، بجمعها بين أطراف أو شخصيات يحملون رؤى وتوجهات فكرية وأيدلوجية متباينة، بينما يجمعهم رؤية موحدة حول ثلاث موضوعات كبرى وهي (ضرورة وقف الحرب، العودة للمسار المدني، إعادة تعريف دور المؤسسة العسكرية في النظام السياسي السوداني في المرحلة القادمة)، مما يجعل دعوة ممثل أو قيادي أو شخصية معينة من هذا التكتل أو الحزب مسار للإنتقاد من جانب أجنحة معينة داخل نفس التكتل، فرغم الإتفاق على الخطوط العريضة إلا أن لكل مكون رؤيته الخاصة لبعض التفاصيل الخاصة بكل محور.
تحدي (3) فكرة التوافق الجامع لكل المكونات المشاركة معادلة صعبة في مثل هذه المؤتمرات، فأمام لحظة تاريخية كتلك التي يعيشها السودان، وإن لم يسمو البعض عن رؤيته الخاصة ويكون أقرب للتوافق الوطني وينحي جانباً أي مصالح سياسية آنية ويعلي مصلحة السودان وشعبه ستظل هذه الجهود أمام تحدي حقيقي لتحويل مقرراتها ونتائجها والبيانات التي تصدر عنها لخطة عمل على الأرض، بخطوات محددة ووواضحة، تحدد فيها المسئوليات والمهام ، وفق إطار زمني محدد وواضح.
تحدي (4) غياب ممثلي طرفي الحرب الرئيسيين ( الجيش الوطني والدعم السريع) على طاولة المؤتمر، لأسباب عديدة، لعل أهمها رفض بعض القوى السياسية السودانية لهذا الأمر، علاوة على عدم نجاح أي جهود أو مفاوضات ثنائية بينهما حتى الآن سواء عبر منبر جدة أو غيره. سيظل عدم إشراك طرفي القتال مع القوى السياسية على طاولة حوار واحدة تحدي حقيقي، ساهمت فيه مسألة تعدد منابر التفاوض وتدخلات قوى خارجية غير مدركة لتعقيدات المشهد السوداني، لذلك ستظل مواقف طرفي القتال من أي جهد سياسي مؤشر مهم في التحليل والحكم على فرص النجاح، فلكل من الجيش السوداني وميلشيا الدعم السريع رؤيتهما الخاصة للكيفية التي تتوقف بها الحرب ، ولمرحلة ما بعد الحرب، ولمراكز كل طرف منها ومكاسبه السياسية أيضاً. وتعول مصر ومعها الشركاء من القوى السودانية والشركاء الدوليين على أن أي توافق سياسي عريض لن يترك مجال أمام طرفي الحرب سوى الاستجابة لتفادي الإنعزال عن الإطار السياسي والشعبي الداعم لأي منهما، ويكون هذا التوافق أيضاً محدد لا يمكن تجاوز مقرراته في أي جهود قادمة لأي طرف.
تحدي (5) دخول دعوات أخرى للحوار السودني السوداني على نفس خط المبادرة المصرية ، بل وإختيار توقيت متزامن تقريبا ، حيث وصلت دعوة رسمية من الاتحاد الإفريقي لعقد حوار (سوداني- سوداني) منتصف يوليو الجاري 2024م، مما قد يقود لتعدد مسارات الحوار واحتمالات تعارضها وإعادة تدوير قضايا الخلاف مرة أخرى.
تحدي (6) تحفظ العديد من القوى السياسية السودانية على مشاركة الحركات الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل وأية قوى أو شخصيات سياسية محسوبة عليه ، حيث سبق أن عارضت تنسيقية “تقدم” في أكثر من مناسبة إشراك حزب المؤتمر الوطني المنحل في أي عملية سياسية وبالفعل هدد تحالف تقدم بعدم المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الإتحاد الأفريقي منتصف الشهر الجاري حال دعا إليه أي من القوى المنتمية للتيار الإسلامي وجبهة الإنقاذ المنحلة بمكوناتها المختلفة. وهذا التحفظ قد يكون مدعاة لهذه القوى للعمل على إعاقة أي مسار سياسي لا يشملها، مما يجعلها تعمل على تغذية بيئة الصراع بأشكال مختلفة.
تحدي (7) وضع تحفظات من جانب الحكومة السودانية عبرت عنها وزارة الخارجية السودانية بخصوص مشاركة الاتحاد الأفريقي وإيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا) ، وطالبت أن تكون هذه المشاركة مشروطة برفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية، وأن تصحح إيغاد موقفها الذي ينتهك سيادة السودان، حتى تكون محل ثقة الشعب السوداني، بما يمكنها من حضور مؤتمر كهذا”. ما يعني أن هناك مجال لحدوث بعض التحفظات على مشاركة هذه الأطراف في مؤتمر القاهرة، حتى ولو كان حضورهم بصفة المراقب فقط.
تحدي (8) كيفية تحقيق التوافق بين المسار الذي تقوده مصر والذي يعمل على حل عقد التجاذبات والمنابر المتعددة وأولوياتها، وعقدة التباين في مواقف القوى السياسية والمدنية من الحرب وأطرافها، وبين المسار الذي تقوده السعودية “منبر جدة” الذي يركز فقط على الترتيبات العسكرية والأمنية ولا يعطي إهتمام كبير للقضايا السياسية، ولذلك تحدي الفجوة بين المسار العسكري والمسار السياسي سيظل موجود ما لم تدمج الجهود تحت مظلة واحدة.
تحدي(9) وجود عدة اشكاليات لا يمكن تجاهلها تحيط بموقف الأحزاب والكتل السياسية في السودان أبرزها اشكالية الإنقسام وعدم القدرة على تركيز جهودها في جبهة مشتركة للإنقاذ الوطني .
تحدي (10) وجود جهات محلية وخارجية تغذي حالة الحرب، بل تعمل على تكريس الإنقسام السياسي بين المكونات السياسية والمدنية وتوسيع الهوة بين المكون المدني والمكون العسكري ، بالإضافة لعدم قدرة الأطراف السياسية والمدنية على التأثير في مسار الحرب، بسبب عدم قدرة معظمها على تبني مواقف مؤيدة لأي من طرفي القتال، فأغلب هذه الأحزاب ترى أن تأييد أي من الطرفين في الوقت الحالي إنما هو تأييد لإستمرار مسار الحكم العسكري في السودان، وهذا عكس ما يتطلعون إليه من حكم مدني وأطر ديمقراطية مختلفة. ولعل المشادة التي حدثت بين مندوب السودان ومندوب الإمارات في مجلس الأمن قبل أيام قليلة والتي وجه فيها مندوب السودان إتهامات صريحة لأبوظبي بمساندة ميلشيات الدعم السريع والعمل على تقويض الاستقرار في السودان كانت كاشفة لأحد جوانب تلك الصورة القاتمة عن أدوار بعض الدول في الملف السوداني، ونستشهد بها هنا لأنها اتهامات رسمية ومصرح بها في أعلى وأهم منبر دولي، بغض النظر عن مدى دقتها من عدمه.
تحدي (11) موقف الحرب المعقد بين الجيش وميلشيا الدعم السريع، والذي يجعل أي جهود سياسية معلقة على نتائج المواجهات العسكرية على الأرض، ومن يحسم المعركة ، وفي هذا الإطار نشير لبعض المعطيات الهامة وهي:
- اتساع رقعة الحرب في السودان ( ما يقارب 70% من مناطق السودان المأهولة) ، وذلك يعني دخول مناطق وولايات أكثر في نطاق أعمال القتال مثل ولايات في شرق السودان في منطقة القضارف، وسنار بل وزيادة احتمالية تعرض ولايات الشمال لهجوم ميليشيا الدعم السريع بواسطة المسيرات، وهي مناطق تقع تحت سيطرة الجيش.
- دخول بعض الأسلحة المؤثرة في مسار الحروب الحديثة و هي المسيرات والمضادات الأرضية للطيران وتمكن ميلشيات الدعم السريع بفضل دعم خارجي من بعض الدول من الحصول على سلاح المسيرات، مما سييعطيه ميزة أيضا في مواجهة قوات الجيش في بعض المناطق وإيقاع خسائر أكبر في المعدات والأفراد، وهو ما يعني أيضاً توسيع نطاق الحرب ليشمل مناطق جديدة.
- الموقف الصعب للقتال في دارفور ، حيث توجد سيطرة نسبية ومتحركة من ميلشيا الدعم السريع على 4 ولايات من أصل 5 ولايات من إقليم دارفور، ويسعى حميدتي للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وبفرض تمكن الدعم السريع من السيطرة علي الفاشر تكون معظم مناطق إقليم دارفور تحت سيطرة حميدتي، وهو ما يعطيه ميزة استراتيجية كبيرة في مسار هذه الحرب عسكرياً وسياسياً، وذلك لمجاورته لعدة دول مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وهو ما يثير مخاوف من كسب ميلشيا الدعم السريع ميزة التواصل مع دول الجوار السابقة بالإضافة للسيطرة على المقدرات الاقتصادية للإقليم، والسيطرة أيضاً على أغلب الحدود الغربية للسودان، بالإضافة إلى أنه وفي حالة تمكن حميدتي من السيطرة على الفاشر وإقليم دارفور سيسهل له ذلك بدء الهجوم على ولايات الشمال التي يسيطر عليها الجيش، بالإضافة أن السيطرة على تلك المدينة ستساعد الدعم السريع على تقوية دفاعاته في ولاية الجزيرة، كما يثير ذلك القلق من تمكن قوات دقلو من مهاجمة الولايات المتبقية في كردفان.
- بدء إنتقال القتال لمناطق وولايات المحور الشرقي والشمالي للسودان، والتي كانت مستقرة نسبياً خلال الأشهر الماضية، كما لا يزال الوضع في ولايات الجنوب وإقليم كردفان أيضاً متحرك بصورة كبيرة.
- ضرورة عدم استبعاد فرضية حسم طرف من أطراف القتال للحرب، حال توافرت ظروف معينة تتحكم فيها تدخلات دولية وإقليمية بالأساس، ووفق سيناريو كهذا بالتأكيد ستتغير المعادلات السياسية داخل السودان أيضاً.
الخلاصة
يتضح من خلال ما سبق أن مؤتمر القاهرة للقوى المدنية السودانية يأتي في توقيت حساس وصعب، حيث تتداخل معه الكثير من الخطوط والتأثيرات، التي قد تخدم فرص نجاح هذا المؤتمر الهام، لكنها في الوقت نفسه تشكل تحديات ليس للمؤتمر في حد ذاته، بقدر كونها تحديات للمخرجات التي يتوقع أن تصدر عنه، وذلك على أساس أن أي توافق سياسي في أزمة مثل هذه الأزمة لابد أن يصاحبه بيئة مناسبة لتنفيذ مخرجاته تشمل ما يلي:
- صدور بيان ختامي متماسك موقع من كل الأطراف المشاركة على طاولة الحوار ، يشتمل على خطة عمل تنفيذية بأطر زمنية واضحة.
- ترحيب على المستوى الشعبي والسياسي داخل السودان بمخرجات المؤتمر حتى من بعض القوى التي لم تشارك لأي سبب كان، وذلك لكون هذا المؤتمر يعالج قضايا أساسية وحيوية يصعب الإختلاف حولها، فمن يختلف على ضرورة وقف الحرب، ومن يختلف على معالجة الوضع الإنساني، ومن يختلف على فكرة الحوار في حد ذاته بين السودانيين أنفسهم.
- ترحيب من المنظمات الإقليمية والدولية بنتائج وتوصيات المؤتمر وكذلك الدول الفاعلة في الملف السوداني.
- ترحيب الحكومة السودانية بمخرجات المؤتمر دون تحفظات قوية، ولعل صدور بيان إيجابي عن الطرف الأخر في القتال سيعزز من قوة مخرجات مؤتمر القاهرة.
- صدور قرارات من منظمات دولية وإقليمية ترحب بمخرجات المؤتمر وتعتبره قاعة وأرضية ملائمة لمعالجة إشكاليات المسار السياسي في السودان في المرحلة الحالية وكذلك في مرحلة ما بعد توقف الحرب.
- صدور قرار ملزم من مجلس الأمن يعترف بشرعية ما تقوم به القوات المسلحة السودانية من قتال ضد ميلشيات الدعم السريع، بل والنص على معاقبة أي دولة يثبت تقديمها أي شكل من أشكال الدعم العسكري لتلك الميلشيات، ويستند قرار كهذا على أحقية قانونية تتعلق بمن يحتكر حق استخدام القوة في النظم السياسية، وشرعية استخدامها والضوابط التي نص عليها القانون الدولي فيما يتعلق بالميلشيات المتمردة، وإلا ستكون هذه الحالة سابقة قانونية خطيرة.
- استمرار الجهود المصرية في متابعة نتائج وتوصيات المؤتمر بالتنسيق مع القوى السياسية السودانية الفاعلة ، وكذلك القوى الدولية والإقليمية الفاعلة.