اعداد
اليان بطرس
المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية
وباحث متخصص في الشئون اللاتينية
تقديم:
شارك مركز السلام للدراسات الإستراتيجية في عملية المراقبة على انتخابات المشروعات الوطنية بفنزويلا، والتي جرت في ابريل 2024 م ، وتأتي هذه المشاركة تقديراً من جمهورية فنزويلا البوليفارية لجهود مركز السلام في تعزيز العلاقات المشتركة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية فنزويلا على مستوى مؤسسات الفكر، التي تعد أحد دعائم عملية صنع القرار في الدول الحديثة، وغني عن الذكر أن التعاون بين مراكز الفكر والدراسات الإستراتيجية باتت تشكل إحدى مرتكزات تطوير العلاقات الثنائية، لما توفره من أرضية للحوار والتفاهم وطرح أفكار بناءة للتعاون المشترك في كافة المجالات، وبناء جسور من الثقة المتبادلة على مستوى الخبراء وصناع السياسات .
ويسعد مركز السلام أن يقدم تقريره عن العملية الانتخابية التي شهدتها جمهورية فنزويلا البوليفارية بكل موضوعية وشفافية، لغرض الإستفادة منها للباحثين المهتمين بدراسات أمريكا اللاتنيية بشكل عام، وكذلك الجهات الحكومية والخاصة ومجموعات رجال الأعمال المهتمين باستكشاف الفرص الكبيرة التي تزخر بها فنزويلا، والتي لا ينفصل عنها التعرف على حالة الاستقرار السياسي هناك، وطريقة عمل النظام السياسي في هذا البلد وآليات انتقال السلطة وإدارة العمليات الانتخابية.
النظام الانتخابي في فنزويلا للإنتخابات الرئاسية والمحلية:
نظم الدستور الفنزويلي وفقًا لاخر تعديلات في (2009) السلطات الانتخابية وحددها في الباب الرابع من الدستور في الفصل الخامس منه بداية من المادة 292 حتي المادة 298، وحدد السلطات المقررة للمجلس الانتخابي الوطني المسئول عن تنظيم العملية الانتخابية في البلاد، والمؤسسات المشاركة في التنظيم كلجنة السجل المدني والانتخابي ولجنة المشاركة السياسية والتمويل، ويحدد القانون الأساسي المعني تنظيمها وعملها، وأكد الدستور في المادة 293 أن تنظيم انتخابات النقابات العمالية والاتحادات المهنية والمنظمات ذات الأهداف السياسية، وفق أحكام القانون المعمول بها. وتنظم السلطة الانتخابية أيضاً الإجراءات الانتخابية لمنظمات المجتمع المدني، بطلب منها أو بأمر من دائرة الانتخابات في محكمة العدل العليا. وتغطي الكيانات والأجهزة والمنظمات المشار إليها تكاليف عملياتها الانتخابية.
أما عن الانتخابات الرئاسية فقد حدد الدستور الفنزويلي شروطها في الفصل المختص بالسلطة التنفيذية، ونص في المادة 227 أنه يجب أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية فنزويلي المولد، ولا يحمل جنسية أخرى، وغير صادر بحقة حكم مبرم، وأن يكون قد تجاوز الثلاثين من العمر، لا يتمتع بمنصب ديني، وأن يستوفي الشروط الأخرى المقرة في الدستور، وفي المادة228 وضح أنه يتم انتخاب رئيس الجمهورية بتصويت عام ومباشر وسري، طبقاً للقانون. ويعلن كرئيس منتخب المرشح الذي يحصل على أغلب الأصوات الصحيحة. ووفقًا للمادة 229 لا يجوز أن ينتخب رئيساً للجمهورية أي شخص يشغل منصب النائب التنفيذي لرئيس الجمهورية أو وزير أو حاكم ولاية أو رئيس بلدية، أو أصبح يشغل أي من هذه المناصب في أي وقت بين تاريخ ترشحه وتاريخ الانتخابات الرئاسية.
حددت المادة 230 أن مدة الرئاسة ست سنوات. ويمكن إعادة انتخاب رئيس أو رئيسة الجمهورية لفترة رئاسية جديدة، وأقرت المادة 231 أن المرشح المنتخب يتولى منصب رئيس الجمهورية في العاشر من يناير من السنة الأولى لولايته الدستورية بعد تأدية اليمين أمام المجلس الوطني. وفي حالة وجود سبب يحول دون تأديته لليمين أمام المجلس الوطني، يؤديه أمام محكمة العدل العليا.
يأتي المجتمع المحلي (المحليات)، والانتخابات التي يتم اجرائها في فنزويلا في ابريل 2024م، كأساس للحكم المحلي في أعلى قمة هرم الممارسات الديمقراطية، وتحتل الديمقراطية التشاركية والحكم المحلي في فنزويلا مكانة مميزة، فكان شعار الرئيس هوغو تشافيز في أول انتخابات رئاسية له عام 1998 ” الديمقراطية التشاركية والقيادة للشعب” وقد ألتزم الرئيس بتطبيق هذا المبدأ منذ توليه الرئاسة في 1999م، والتزم الرئيس نيكولاس مادورو، بتلك المبادئ وعمل على تعزيز الديمقراطية في البلاد، وتنمية الحكم المحلي وتدعيم ثقافة الانتخابات.
وجاء التصويت على المشروعات الوطنية في بلدات وولايات فنزويلا في أبريل 2024 تحت رقابة دولية، ومشاركة واسعة من المتطوعين وسفراء السلام في العالم، وقد شاركت السيدة (اليان بطرس) ضمن المراقبين على العملية التصويتية بصفتها المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية وكمتخصصة في الشئون اللاتينية.
تجربة المشاورة العامة لتحديد أولويات المشروعات الوطنية:
أكد نائب رئيس الخارجية للشئون الافريقية في فنزويلا في لقاءه على هامش مؤتمر (مجتمع عالمي بديل)، بأن البلاد تشهد مرحلة غير مسبوقة من الديمقراطية والتنمية، وتأكيدًا على تلك الكلمات ما تشهده الولايات في عموم فنزويلا، فلأول مرة في تاريخ البلاد يتم اجراء، “مشاورة شعبية” لتحديد أولويات المشروعات الوطنية لبلديات فنزويلا، وأُطلق على تلك العملية التصويتية اسم “Comuna Puede Más”، وتم إجراء التصويت في أكثر من 49 ألف مجلس محلي لاختيار 4500 مشروع. تم إنشاء حوالي 15000 مركز تصويت في 24 ولاية.
تم اجراء التصويت على المشروعات الوطنية في ولايات وبلدات فنزويلا، وتجسدت معاني الديمقراطية والمشاركة الشعبية في دور المحليات في دعم الدولة الوطنية وتعزيز قواعد الحكم المحلي اللامركزية في الإدارة، وقد شارك مركز السلام للدراسات الإستراتيجية في الرقابة على العملية التصويتية على المشروعات الوطنية في بلدية لوس تيكيس بولاية ميرندا، ولم تقتصر التجربة على تعزيز قيم الديمقراطية أنما ايضاً لمس جوانب التنمية في ولاية ميرندا، فبدأت التنمية الحضرية في ميرندا منذ 2012 حيث تم بناء مراكز تطوير حضارية انطلقت من 4 بلوكات سكانية إلى أن وصلت 43 وكلها تم بناءها بأيدي وطنية.
إن العملية التصويتية التي شهدتها ميرندا على المشروعات الوطنية ليس فقط شاهد على الديمقراطية والتنمية أنما أيضا شاهد على الإنسانية والتحضر،
تقييم سلامة العملية الانتخابية:
تابع الوفد الدولي المراقب للعملية الانتخابية إجراءات العملية التصويتية وزار المقرات الأساسية التي يتم فيها عقد الاجتماعات الشعبية للاستفتاء على المشروعات قبل طرحها للتصويت الانتخابي. من التصويت، ستدرج كل بلدية المشاريع التي ستكون أولوية لتتولى الدولة الوطنية تنفيذها، ويشمل دور البلدية الإدارة الاقتصادية للموارد. ويحكم ممارسات البلديات (المحليات) قانون الاقتصاد المجتمعي، الذي يعترف بأربعة أنواع من التنظيم على المستوى الاقتصادي: مؤسسات الملكية الاجتماعية المجتمعية المباشرة، ووحدات الإنتاج الأسري، ومجموعات التبادل، أو مؤسسات الملكية الاجتماعية المجتمعية غير المباشرة، وهي مؤسسات مختلطة نصفها تديره الدولة والنصف الآخر البلدية.
ضمت بلدة لوس تيكوس عدد من اللجان التي تم فيها اجراء التصويت على المشروعات الوطنية، ومن أبرز تلك المشروعات التي تم التصويت عليها؛ شراء سيارة اسعاف مجهزة، الاستمرار في بناء وحدات سكانية، تحديث أدوات مسئولي الخدمة العامة وتوفير مستلزمات غذائية ودوائية لسكان المنطقة.
ومن خلال القيام بمهام الرقابة على عملية (المشاورة الشعبية) التصويت على المشروعات الوطنية في وحدات الحكم المحلي قد تم ملاحظة عدد من النقاط؛
- أن عملية التصويت على المشروعات الوطنية لها خطوات استباقية تبدأ من التحضير للمشروعات التي تمس اهتمامات الوحدة المحلية وتعرض على الجمهور في مقرات وتم تصفيتها وتنقيحها ليخروج منها المشروعات التي تتم التصويت النهائي عليها، وهو ما يعد تمثيل للديمقراطية المباشرة ودمج بينها وبين الديمقراطية النيابية القائمة على الانتخابات والتصويت.
- مشاركة المرأة وكبار السن، فنسبة مشاركة المرأة في عملية التصويت التي شهدتها مباشرة قد تتجاوز 70%، وامتلأت مراكز التصويت بكبار السن، مما يشير على عمق الثقافة الديمقراطية وأهمية قيمة المشاركة في صنع القرار.
- التطوع، حيث أن إجراءات العملية الانتخابية من البداية إلى النهاية قائمة على التطوع، ومشاركة المجتمع الأهلي ايمانًا من الجميع بأهمية دورهم في الحياة العامة والمشاركة في صنع القرار، والتأثير في صنع السياسات العامة وتحديد الأولويات الوطنية حتى لو على مستوى الوحدة المحلية.
- سهولة الإجراءات والخطوات لإتمام عملية التصويت، وتيسير المتطوعين الإجراءات على المشاركين في العملية، ومساعدتهم في انجاز الخطوات المطلوبة.
- من ضمن الملاحظات هو أن صندوق الانتخاب في بعض المناطق كان عبارة عن صندوق كرتوني نظرًا لضعف الإمكانيات في بعض المناطق الأكثر احتياجًا وهذا دليل على حرص المجتمع لإتمام العملية حتى بأقل الإمكانيات.
- اللامركزية في القرارات، حيث أن عملية (المشاورة الشعبية) هي مثال على اللامركزية، ودعم الحكومة الوطنية لقيم الحكم المحلي والإدارات المحلية، وتأصيل قيم المساواة وهو ما أكد عليه الرئيس (نيكولاس مادورو) في كلمته في مؤتمر (مجتمع عالمي بديل).
- الاهتمام من الجميع، بداية من أجهزة الشرطة والأمن ، ليخرج التأمين بشكل يقترب من المثالية، والمتطوعين الذين بذلوا جهدهم لشرح وتوضيح كافة إجراءات العملية الانتخابية وما يتعلق بها من خلفيات، وتسهيل التواصل والاتصال بين القائمين على الرقابة والمشاركين في العملية الانتخابية.
- تسهيل عمل المراقبين الدوليين من قبل المتطوعين وأفراد الأمن، والمسئولين، فقد كان الترحيب من الجميع.
- التوسع في عملية التصويت لتضمن مشاركة الجميع فالقانون يسمح بالمشاركة في التصويت للأفراد بداية من 15 سنة، وتنتشر المراكز الانتخابية وتتناسب مع التوزيع الجغرافي، ففي بلدية (لوس تيكيس) 12 مركز انتخابي، قمنا بزيارة 3 مراكز ومنهم مركز (كمونا كسيتا)، وأدق تعبير إلى وصفه ” أنه مركز اقتراع متواضع ولكن مبني بحب”.
- على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها، فأن فنزويلا حرصت على توجيه الدعوة لوفود دولية للرقابة على الانتخابات ومشاهدة عملية التصويت فوصل عدد المراقبين إلى 158 مراقب من 50 دولة، وحرصت فنزويلا على اشراك مراقبين من الدول العربية ومنها مصر والأردن ولبنان وتونس.
أهمية تجربة إنتخابات “المشاورة الشعبية” في النظام السياسي الفنزويلي:
أن نجاح تجربة التصويت على المشروعات الوطنية في إطار عملية “المشاورة الشعبية”، والتي تم فيها إجراء التصويت في أكثر من 49 ألف مجلس محلي لاختيار 4500 مشروع. في حوالي 15000 مركز تصويت في 24 ولاية. هو مؤشر على جاهزية فنزويلا لعقد الانتخابات الرئاسية المقرر لها 28 يوليو 2024، على شيوع الأجواء الديمقراطية في فنزويلا.
إن دعوة المراقبين الدوليين للرقابة والاشراف على “المشاروة الاجتماعية” هي رسالة سلام وأمن للعالم أجمع عن قدرة فنزويلا على إدارة الانتخابات الرئاسية القادمة بأمن وخطوات منهجية ومدروسة وتستند إلى التكنولوجيا الحديثة والمتطورة لتسهيل الإجراءات على المشاركين وتأكيد على قدرة الدولة على تخطي التحديات الاقتصادية.
أن الانتخابات الرئاسية القادمة في فنزويلا تحمل تحدي للمجتمع والدولة معاً، واختبار حقيقي للتجربة الديمقراطية وخطوات التنمية.
رؤية مراكز الفكر البوليفارية للتحديات العالمية من المنظور الاستراتيجي :
على هامش هذه الزيارة ، شارك مركز السلام للدراسات الاستراتيجية في مؤتمر البديل الاجتماعي العالمي الذي عقد في الفترة من 17 إلى 20 أبريل 2024م بمدينة كراكاس، ونظم المؤتمر التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا، و (ALBA-TCP) ومعهد سيمون بوليفار (ISB)، والدول الأعضاء في الكتلة والقادة والحركات الاجتماعية في المنطقة وتم عقد أنشطة واجتماعات المؤتمر في فندق ميليا في كراكاس، تحت عنوان “يمكننا أن نواجه معًا التحديات الرئيسية للإنسانية والكوكب”، وبتلك الكلمات انطلقت أعمال المؤتمر العالمي “بديل اجتماعي عالمي”، الذي روج له التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا -معاهدة التجارة الشعبية (Alba-tcp) كمساحة لتعزيز الوحدة وصياغة جدول أعمال يحمي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والعالم من التحديات المتغيرة، وبدعم وتعاون فني مع معهد سيمون بوليفار للسلام والتضامن بين الشعوب والقارات الثلاث، ومعهد البحوث الاجتماعية والعديد من المراكز البحثية الدولية، وبمشاركة وفود من جميع أنحاء العالم.
أكد المشاركون أن العالم يشهد العديد من التحديات القاسية والممتدة وتنتشر الحروب في كل الأرجاء فالحرب في أوكرانيا والقتال في السودان واليمن والحرب في فلسطين والكنغو الديمقراطية، وقد سعى المؤتمر إلى الاتخاذ من كراكاس بفنزويلا منبرًا للإنسانية للوصول إلى حلول مقترحة للتحديات التي تواجه العالم وانهاء الحروب والصراعات وافشاء السلام، وهو ما ظهر خلال الوثيقة الختامية للمؤتمر والتي تحمل جملة من التوصيات لإنقاذ العالم وحماية الإنسانية وإشاعة السلام والأمان في أرجاء المعمورة.
وللمؤتمر دلالات وطنية وإقليمية ودولية والذي أكدت عليه مشاركة الوفود الدولية التي اقتربت من 60 وفد من مختلف دول العالم بما يتجاوز 500 مشارك، وهو خير دليل على شيوع الأمن والاستقرار في أنحاء فنزويلا، ودلالة على الخطوات الحقيقية التي اتخذتها البلاد في طريق التنمية على الرغم من التحديات المتعددة التي تواجهه وأبرزها الحصار الاقتصادي المفروض عليها من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
وقد شهدت فعاليات المؤتمر العديد من الأنشطة المؤثرة والدالة على هوية فنزويلا الاصلية، وبدأ اليوم الأول للمؤتمر بالترحيب بالحضور والمشاركين بواسطة رقصة شعبية يتضح فيها معالم الثقافة الفنزويلية، ثم عرض فيديو يوضح أهم المبادئ التي تقدرها الدولة، والصحوة اللاتينية بها، وعزز المؤتمر المتحدثين والأعضاء المشاركين في فعاليته؛ حيث ألقى عدد من الشخصيات العامة والمؤثرة والمسئولين كلمات أمام الحضور آثرت أفكارهم وأثارت شغفهم نحو الخروج بتوصيات نهائية للمؤتمر لتحقيق الحلم العالمي ” نحو عالم أفضل”.
كلمة الرئيس ” نيكولاس مادورو”
قدم الرئيس ترحيبه الشديد بضيوف المؤتمر والقائمين عليه، وأوضح الرئيس في كلمته أمام الحضور أنه على الرغم من العقوبات الأمريكية التي تصاعدت في الفترة الأخيرة والحصار الاقتصادي الذي فرضته القوى الغربية والولايات المتحدة، إلا أن فنزويلا بالتعاون مع شركائها من مختلف دول العالم استطاعت إقامة (مؤتمر مجتمع عالمي بديل) وتغلبت على كل التحديات، وحققت نجاح بوجود الحاضرين ومشاركتهم.
وشدد الرئيس في كلمته على أهمية انضمام فنزويلا إلى البريكس وأهمية العملة الموحدة للبلاد، وأشار الرئيس في حديثة إلى القيم الوطنية في فنزويلا؛ حيث المساواة والعدالة، وتمني الرئيس أن تسود تلك القيم العالم كله، كما أوضح في حديثه إن الدولة قادرة على تجاوز التحديات التي تواجهه من خلال العمل الجماعي والجهود الوطنية. وضمن هذا السياق، أكد الرئيس في عبارات صريحة وواضحة أن فنزويلا لن تنفصل أبدًا عن كولومبيا مهما كانت المحاولات الخارجية وخاصة الأمريكية والغربية، وأن فنزويلا يربطها بكولومبيا وحدة تاريخية ومصير مشترك وهدف واحد نحو مستقبل أفضل.
“نحن أبناء الله في الأرض”، بهذه الكلمات عبر الرئيس مادورو عن الاخوة العالمية والوحدة الإنسانية في عالم متغير عن معارضته للحروب التي يشهدها عالمنا اليوم أشار إلى ان ما يحدث في العالم هو حرب بين الخير والشر، والمنتصر سيكون الخير من خلال المقاومة والأخلاق والإنسانية.
أولويات القضايا الدولية من منظور أمريكا اللاتينية:
تناول المؤتمر عدد من الموضوعات المتنوعة والتي لها تأثير على المجتمع الداخلي وعلى المستوى القاري بل والعالم أجمع، وجاءت تلك الموضوعات في كلمات المتحدثين ومدخلات المشاركين، وفيما يلي أبرز الموضوعات التي تم عرضها على النحو التالي:
التغيرات المناخية: أكدت نائبة الرئيس الفنزويلية “ديلسي رودريغيز” في كلمتها على خطورة التغيرات المناخية، وأشارت إلى أن التغييرات المناخية هي أخطر ما يواجه العالم، وأن قضية التغييرات المناخية تخيم بظلالها على فنزويلا وتزيد من تحدياتها في طريق التنمية والازدهار، فاجتاحت موجات الجفاف الناجم عن تغير المناخ منطقة غابات الأمازون المطيرة، وقد كافحت فنزويلا عدداً قياسياً من حرائق الغابات، وسجلت الأقمار الصناعية أكثر من 30200 حريق في فنزويلا في الفترة من يناير إلى مارس، وهو أعلى مستوى من الحرائق لتلك الفترة منذ بدء التسجيل في عام 1999، ويشمل ذلك الحرائق في منطقة الأمازون، وكذلك الغابات والمراعي الأخرى في البلاد، وفي سياق حديث نائبة الرئيس أوصت بمناقشة دفع الدول الكبرى تعويضات عن الاضرار التي تسببت بها في الدول النامية المتضررة من التغييرات المناخية.
القضية الفلسطينية: حملت جميع مظاهر ومعالم المؤتمر مجالات الدعم للقضية الفلسطينية فأرتدى المدير التنفيذي للمعهد البوليفاري الشال الفلسطيني، وأكدت نائبة الرئيس الفنزويلي “ديلسي رودريغيز” على دعم الدولة للقضية الفلسطينية وحرصها على عموم السلام في منطقة الشرق الأوسط.
المساواة، العدالة ومكافحة الفقر والجوع: أكد كل المتحدثين في المؤتمر على رغبتهم الشخصية ورغبة دولهم في القضاء على الفقر والجوع والعنف في أنحاء العالم، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف شركاء الإنسانية، ومكافحة كافة أشكال العنصرية والاضطهاد واحلال المساواة والرحمة بين أفراد المجتمع الواحد، والمجتمع العالمي.
قضايا القارة الأفريقية وتذكير بدور مصر المحوري في القارة:
(اقتصاد يتعافي والديمقراطية حاضرة)، هكذا صرح نائب وزير الخارجية للشئون الافريقية ” يوري بايمنتل” حديثه على هامش المؤتمر وسط جمع من الوفود الحاضرين وكان مركز السلام للدراسات الاستراتيجية حاضرًا من خلال ممثله مدير المركز اليان بطرس، معبرًا بالمداخلات عن التنمية الحضرية والنمو الاقتصادي الذي حققته فنزويلا رغم التحديات التي تواجه البلاد، والحصار المفروض عليها نتيجة وفرة الموارد لديها، ولا تتوقف الدول الكبرى عن تحدي الدول الراغبة في النمو والتي لديها ثروات وطنية وخير دليل على ذلك معارضة الدول الكبرى لكوبا وفرض الحصار عليها بعد التطور المبهر الذي تشهده كوبا في القطاع الصحي. ولم يغفل نائب وزير الخارجية للشئون الافريقية، تقديم الشكر والعرفان للقادة الذين دافعوا عن تحركات التحرر الوطني وكانت لهم علامات بارزة في تاريخ الإنسانية، ومن أبرزهم (كاستروا)، و(لولا ديسيلفا)، و(جمال عبد الناصر).
كما تطرق النائب إلى تجمع (سيلاك) وأهميته بالنسبة لدول القارة وخاصة في الشق الاقتصادي، وتحقيق شراكات اقتصادية على المستوى الإقليمي والتغلب على كافة التحديات الخارجية التي تواجه الدولة الوطنية. وعبر أن الانتخابات هي المشروعات الوطنية في البلدات المحلية التي تمثل أفضل تعبير عن الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، وللتأكيد على صدق هذا المسار قدم الدعوة لاستضافة مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات والرقابة عليها ومتابعة اعمالها، وتحمل كافة التحديات الأمنية والاقتصادية ليس فقط مؤشر على الديمقراطية أنما أيضًا التنمية.
تجمع ” ألبا ” وملامح التحالف الجديد :
اتضح من المؤتمر ملامح تحالف يتشكل بقوة يجمع بوليفيا وفنزويلا وكوبا، حيث عبر رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، في مدخلته الهامة في المؤتمر عن دعمه ودعم بلاده لدور كوبا وفنزويلا كدولتين تناضلان ضد الضغوط الخارجية والتحديات التي تفرضها عليهما الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. موضحًا أن الخطوات التنموية التي تتخذها بلاده إلى جانب كوبا وفنزويلا هي طريق التنمية الحقيقية وفرصة لخلق بديل اجتماعي عالمي جديد، موضحًا أهمية الحركات الاجتماعية الوطنية والتجمعات ومراكز الفكر وتجمع ألبا في إنجاح خطط الدول الوطنية للتغلب على التحديات التي تواجهه وتحقيق الديمقراطية بالطرق التي تتوافق مع خصوصيتها البنيوية والسياسية. وأخيرا، وجه الرئيس دعمه الكامل لـ “ألبا” وأعلن أنها قادرة على تخليص الدول المستهدفة من الدول الكبرى والتي تواجه تحديات خارجية قاسية، والوصل بها إلى الاستقرار والتنمية.
استراتيجية ألبا 2030. يعتبر التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا، منظمة حكومية دولية تقوم على فكرة التكامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي. اسم «البوليفاري» يشير إلى أيديولوجية سيمون بوليفار، زعيم استقلال أمريكا الجنوبية في القرن الـ 19 المولود في كاراكاس والذي أراد توحيد أمريكا الإسبانية إلى «دولة كبرى» واحدة. تأسست في البداية من قبل كوبا وفنزويلا في عام 2004، وهي مرتبطة بالحكومات الاشتراكية والديمقراطية الاشتراكية الراغبة في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي على أساس رؤية الرعاية الاجتماعية، المقايضة والمساعدات الاقتصادية المتبادلة.
مشاركة بين ألبا ومركز سيمون بوليفار في تنظيم المؤتمر
أما عن “مركز سيمون بوليفار ورئيسه كارلوس رون” ، (والمعهد يعد من أهم المؤسسات التي تدعم الديمقراطية الشعبية وتدافع عن العدالة الاجتماعية. منذ إنشائها، واصلت المؤسسة دعم شعوب أمريكا اللاتينية. تؤمن المؤسسة بضرورة توحيد شعوب أمريكا اللاتينية ومواجهة كافة التحديات التي تواجه البلاد، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ودائمًا ما يؤكد كارلوس رون رئيس معهد سيمون بوليفار بفنزويلا عن دعمه الدائم لضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية لأنها الأساس لتحقيق السلام والتنمية والرخاء.).
وقام تجمع ألبا بالمشاركة مع معهد سيمون بوليفار بالقيام على تنظيم المؤتمر ورعايته، ووجه كافة الحضور والمشاركين شكر خاص للمعهد وتحالف ألبا على المجهود المبذول لخروج المؤتمر بذلك الشكل المشرف الذي يليق بالحضور والمتحدثين، وأكد كل المتحدثين على ضرورة الاستمرار في تحقيق أجندة البا 2030، والجدير بالذكر أن التحالف يعمل على عدة مجالات استراتيجية تشمل التنمية الشاملة للاتصالات والنقل، وتعزيز استثمار رأس المال في أمريكا اللاتينية، وتكامل الطاقة، واحترام البيئة، والدفاع عن هوية وثقافة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بالإضافة إلى وكذلك تنسيق المواقف المتعددة الأطراف مع الدول والتكتلات في المناطق الأخرى.
وأشاد المتحدثين بما حققته تجمع ألبا من إنجازات وأبرزها؛ التدخلات الجراحية لمكافحة “العمى الفقر”، وتم إجراء 5,482,525 عملية جراحية وتسليم أكثر من 41 مليون عدسة ونظارات. وتنفيذ برنامج رعاية للأشخاص ذوي الإعاقة وتقديم المساعدة لأكثر من 1,75,000 للأشخاص ذوي الإعاقة، وتعليم القراءة والكتابة فأصبح هناك ما يقرب من 5 ملايين شخص يعرفون القراءة والكتابة بفضل طريقة “نعم أستطيع” في كوبا، والتي تمت تحت رعاية ALBAK، كما تم تأسيس مستشفى أمراض القلب للأطفال في دول أمريكا اللاتينية وإجراء عمليات جراحية لأكثر من 1,698 طفلا من ألبا يعانون من مشاكل في أمراض القلب، بالإضافة إلى تنظيم الألعاب الرياضية بين دول ALBA تعبيرًا عن اهتمامها بالرياضة ورعاية الشباب.
كما كان حضور خورخي أريسا، أول مقاتل في الجمهورية ونائب الجمعية الوطنية؛ الأمين التنفيذي لبرنامج ALBA-TCP علامة لافتة في المؤتمر، وقد لقى ترحيب خاص من كل المتحدثين في المؤتمر، وجه له الرئيس مادورو اهتمام خاص، ورافقه بعد انتهاء مداخلة الرئيس في المؤتمر. كما كانت مشاركة وزير مستشار السياسات والعلاقات الدولية في نيكاراغوا، أورلاندو تاردينسيلا، إضافة إلى المؤتمر، فبعدما قدم الشكر لتنظيم المؤتمر وللرئيس مادورو، شدد على ضرورة التكاتف للتغلب على التحديات الدولية التي تواجه بلادهم.
ملاحظات جانبية : فنزويلا تستحق الأفضل:
لا يمكن لأي مراقب أن يغفل في تجربة كهذه عن وضع ملاحظات جانبية تخص طبيعة الشعب وثقافاته وفنونه وطبيعة الحالة الأمنية بالبلاد ومدى جهوزيتها، كذلك الحالة الحضارية والتنموية في البلاد، من خلال الأماكن التي تمكن من زياراتها . وبهذا الخصوص نشير للملاحظات التالية:
فرص السياحة في فنزويلا. تعد “ميرندا ” أحد أهم الوجهات السياحية في فنزويلا وتعتبر هذه المنطقة جزءًا من جبال الأنديز الفنزويلية، ولها جمال جبلي خاص يميزها، وتشتهر بكرم الضيافة ومرح أهلها وحبهم للحياة كعادة الامر في كل أرجاء فنزويلا، على صعيد التكوين الإداري فتتكون الولاية من بلدات التي تنقسم بدورها إلى (الكوميونات)، وهي نوع محدد من التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي يعتمد على الأحياء الحضرية والمجتمعات الريفية. تم إنشاؤها من القانون الأساسي للكوميونات، الذي أصدره الرئيس هوغو شافيز في عام 2010، وهي تجارب لشكل جديد من التنظيم الاجتماعي القائم على الإدارة الذاتية والحوار الدائم مع الدولة.
فمنذ أن وطأة قدمي الولاية بصفتي مراقب على العملية التصويتية وشاهدت كل معالم الديمقراطية والترحيب، فبداية من الحرص على التأمين للأفراد والمقرات الانتخابية والمراقبين من قبل الجهات الأمنية، وحرص وزارة الخارجية على توفير سبل الراحة للمراقبين الدوليين، ومن المسئولين عن البلدة (العمدة) الذي قام بجولة خاصة مع الوفد الدولي المراقب لتعريف الوفد بمعالم البلدة، والتي لاحظت فيها انتشار أماكن الترفيهة والرياضة، وهو ما مثل لدي تساؤلاً فقد تعرضت الولاية إلى تحديات بسبب الفيضانات والسيول، ولكن افادنا (عمدة بلدية لوس تيكوس) أنه تم تطوير البنية الحضرية على مستوى البلدة والولاية، وتم بناء مجمعات سكانية مؤهلة قرابة 800 وحدة سكانية، و120 وحدة تحت الانشاء في الفترة الحالية.
المشاركة الشعبية في صنع السياسة العامة. وهي تجربة جديدة يمكن الاستفادة منها ، حيث أن العملية الانتخابية كانت نموذج للديمقراطية والمشاركة المجتمعية ولتعزيز فكرة اللامركزية في الإدارة وأن هناك شفافية وانضباط في إتمام العمليات الانتخابية حتى في ابسط صورها والمتمثلة في الاستفتاء على مشروعات وطنية.
استخدام الذكاء الإصطناعي في إدارة العملية الإنتخابية. والتي شهدت إجراءات التصويت من خلال استخدام التكنولوجيا المتطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فيتم رصد وحصر الأصوات بطريقة الكترونية ويدوية ويتم المقارنة بينهم للتأكد من مصداقية النتائج.
ابرز معالم التنمية . خلال جولة حرة في رحاب كركاس وطبيعتها وحضارتها وتطورها المعماري الذي يشهد على قدرة فنزويلا على التحدي والصمود رغم كل ما تواجهه من تحديات. وأنه رغم ارتفاع الأسعار الذي شاهدته إلا أن الشعب الفنزويلي قادر بمساندة الدعم الحكومي المقدم على تجاوز ذلك وهو ما أمكن ملاحظته في ظل توفر الدعم للحاجات الأساسية للمجتمع، حيث قدمت فنزويلا فكرة ونموذج يحتذى به لكل الدول النامية المتقدمة والتي تواجه عديد المشكلات. إن أبرز معالم التنمية في فنزويلا، ما تشهده من تطور معماري واقتصادي؛ حيث تم بناء 5 مليون وحدة سكنية كلها بمجهود وتنظيم وطني لعدم اللجوء إلى الخارج، وتجاوزت البلاد أزمات كادت تعصف باستقرار الدولة وتنميتها، فتعرضت الدولة نتيجة الحصار لأزمة في الأمن الغذائي والأمن الطبي (الدوائي) ولكنها استعادت قدرتها وحققت أمنها الغذائي والطبي، كما أن تعرض النظام السياسي في الدولة لمحاولات التهديد والتغير وهو من أكثر التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه الدولة
الخلاصة:
تعد تجربة فنزويلا في التنمية السياسية جديرة بالملاحظة والاستفادة، لما فيها من جوانب إيجابية كثيرة، كما أنه من الضروري أن توجه بوصلة الإهتمام الاستراتيجي لمنطقة أمريكا اللاتينية التي تزخر بموارد وقدرات اقتصادية وبشرية كبيرة ، وقد تنبهت لذلك دول إقليمية مثل تركيا وإيران، وبدأت في تكوين شركات ونفوذ ببعض هذه الدول، مع التأكيد على أن قضايا العالم العربي والقارة الأفريقية تحظى بأولوية في أجندة إهتمام القادة في أمريكا اللاتنية وكذلك أجندة إهتمام مراكز الفكر هناك، وتحتاج بالفعل لمن يد لها اليد ويستكشف الفرص، ونعتقد أن مصر لها فرصة كبيرة في هذا الإتجاه.
يصادف العام المقبل شهر نوفمبر ذكري مرور أربعة وسبعون عاماً على العلاقات بين مصر وفنزويلا التي بدأت في نوفمبر 1950 وهي علاقات شديدة التميز وشهدت في الآونة الأخيرة تطور كبير سواء على المستوى الدبلوماسي أو على مستوى التفاهم والترابط في عدد من الملفات الاقتصادية والثقافية وهو دليل على النشاط الكبير التي تقوم به وزارة الخارجية في البلدين، بخلاف الزيارة الأخيرة للرئيس مادورو وحديثة عن أعجابه الشديد بمصر وحرصه على تعزيز العلاقات، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية بجمهورية فنزويلا البوليفارية، إيبان خيل بينتو العام الماضي ولقاءاته البناءة مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي ووزير البترول والثروة المعدنية ومع رجال الأعمال من قطاعات البترول والغاز وقطاع صناعة الأدوية المهتمين بالقيام بالأعمال التجارية والاستثمار.
وتدعيما لهذه الجهود قام مركز السلام بعقد عدد من الفاعليات والورش مع عدد من رجال الاعمال المصريين في مختلف المجالات وسفارة فنزويلا بالقاهرة لبحث سبل التعاون لبحث سبل الاستثمار وتدعيم الاقتصاد وفتح آفاق جديدة لتعرف أكثر على قدرات الدولتين وكيفية استثمارها بما يخدم المصالح المشتركة.