إعداد/ د. محمد بوبوش
أستاذ العلاقات الدولية و القانون الدولي العام جامعة محمد الأول-المغرب
تقديم:
تشهد منطقة الساحل والصحراء عموماً أشكالاً مختلفة من الأنشطة الإجرامية من تنظيمات إرهابية إلى كارتيلات الجريمة المنظمة بجميع أشكالها، إضافة إلى مشكلات الأقليات والعرقيات والنزاعات التي تتسبب فيها لتحقيق بعض الأهداف وعلى رأسها مطالبها الانفصالية، كل هذه المهددات جعلت من منطقة الساحل والصحراء بؤرة من بؤر التوتر ومنطقة حاضنة للإرهاب، فدول الساحل تعتبر من أفقر الدول، وهي غير قادرة على القيام بدورها كدولة والاضطلاع بمهمة مراقبة مجموع ترابها الوطني، خاصة وأنه يتكون من أراضي شاسعة قاحلة وجرداء، وذات كثافة سكانية جد متدنية، الشيء الذي حول أجزاء كبيرة منها إلى ملاذات للجماعات الإرهابية، التي انتقلت من بعض دول الجوار غير المستقرة خاصة ليبيا في مرحلة ما بعد 2011 م .
أما على المستوى الخارجي، فيخشى من وقوع مالي ودول الساحل المجاورة تحت وطأة التنافس الدولي بين روسيا وفرنسا والولايات المتحدة ، فروسيا عمدت لإستبدال قوات فاجنر بتشكيل “الفيلق الإفريقي” لينشط في ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر، بينما قد تتجه الدول الغربية لتعطيل عملية النفوذ الروسي المتنامي هناك عبر تحريك الجماعات الإنفصالية والجماعات المسلحة الإرهابية الأخرى التابعة للقاعدة وداعش لتقويض الاستقرار الأمني في مالي والنيجر ودول أخرى.
لذلك فإن الوضع الأمني هناك لا يزال يحمل تداعيات ومشكلات كثيرة، تجعل كل السيناريوهات ممكنة، ونسلط الضوء في هذا التحليل على أبرز هذه التحديات من المنظور الأمني والاستراتيجي.
تقييم الموقف الأمني الداخلي:
تعود أسباب المشكلات الداخلية التي تعاني منها دولة مالي إلى بداية ظهور أو وجود الدولة في البداية، أي نهاية المرحلة الاستعمارية، فالدولة الفرنسية التي تمثل الدولة المستعمرة السابقة التي تركت الدولة الناشئة في جملة من التناقضات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، كذلك هو الأمر بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث التي لم تتمكن من تجاوز هذه التناقضات.
مشاكل الجماعات المتطرفة واستمراها
في عام 2012، شهدت مالي أزمة أمنية عميقة بدأت في الشمال وامتدت إلى وسط البلد وإلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، وتغيرت الأوضاع لاحقاً مع طلب الحكومة المالية إنذاك التدخل الفرنسي ضد التنظيمات المتشددة عام 2013، وطردها من المدن التي سيطرت عليها، وكذلك توقيع الحكومة المالية اتفاقية الجزائر مع الحركات الأزوادية عام 2015، وتكليف قوة دولية تعرف باسم مينوسما لضمان تنفيذ الاتفاق. لم يطرأ الكثير من التغيير على الأرض لأعوام، وظل الوضع على الأرض على حاله فيما يتعلق بتوزيع مناطق السيطرة بين الشمال والجنوب، مع ازدياد نفوذ التنظيمات المتشددة المرتبطة بالقاعدة، والتي اتحدت عام 2017 ضمن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، وأيضاً توسع عمليات تنظيم داعش الذي أنشأ فرعه في أفريقيا عقب سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا عام 2014.
في عام 2020 شهدت مالي إنقلاباً عسكرياً، على أثره تولى الجيش في مالي مقاليد الحكم بعد أن اتهم الحكومة المدنية في البلاد بعجزها عن التصدي للتمرد الدائر في الشمال، وعجزهم عن إنهاء الأنشطة الإرهابية. لكن وبعد مرور أربع سنوات تقريباً على هذا الإنقلاب لم تتمكن الحكومة المالية من مواجهة هذه المشكلات، بل يمكن القول أنها تفاقمت بصورة أكبر، خاصة مع التغيير الاستراتيجي الذي تبنته الحكومة المالية بالاقتراب من روسيا والصين ومعاداة الوجود الغربي الفرنسي بالأساس على أراضيها.
كما استغلت الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش” الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي منذ سنوات، من أجل الانتشار وتوسيع هجماتها ومناطق نفوذها في دول غرب أفريقيا المجاورة، وتنشط في المنطقة الحدودية بين دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي تنظيمات إرهابية عدة، وتمكنت من تقوية حضورها خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد عدوى الانقلابات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ عام 2020، والتي وصلت لبوركينافاسو والنيجر والجابون وربما تكون هناك دول أخرى مرشحة لإستكمال حزام الإنقلابات في هذه المنطقة.
التقييم الإجمالي لهذا الجانب يشير إلى أنه لا يزال هناك عنف الجماعات المتشددة يتركز في منطقتي موبتي وسيغو بوسط مالي. وقد أدت العمليات التي يقوم بها المجلس العسكري وقوات فاغنر إلى تأجيج حالة التمرد في هذه المنطقة من خلال استهداف المدنيين. بدت جبهة تحرير ماسينا، وهي الجماعة الإسلامية المتشددة الأكثر نشاطًا في مالي، بشكل أكثر جرأة. فلقد شنت هجمات معقدة بشكل متزايد على البنية التحتية الحيوية، مثل المطار في مدينة سيفاري، وعلى مواقع لقوات فاغنر والقوات المسلحة المالية. كما توغلت الجبهة في مناطق أبعد في جنوب مالي. استفادت جبهة تحرير ماسينا وفاغنر من انتهاكات حقوق الإنسان والعنف ضد المدنيين الذي مارسه المجلس العسكري، وذلك لتعبئة المجندين.
مشكلة الطوارق . هي بالطبع مشكلة قديمة منذ تأسيس الدولة ، تخمد تارة وتشتعل تارة أخرى، ولها أساباب معروفة تتعلق بالأساس بفكرة التهميش للإقليم الشمالي، والاعتراف بثقافة ولغة الطوارق وإعطاءهم حصص في المناصب السياسية والحكم المحلي وغيرها . ففي يوم 6 أبريل 2012؛ أعلن الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA، بمدينة گاو، عن استقلال أقاليم الشمال عن جمهورية مالي، وتأسيس دولة جديدة تحمل اسم “جمهورية أزواد”، ودعا في بيان رسمي المجتمع الدولي إلى الاعتراف بها. وخلق هذا الإعلان رجة سياسية قوية في مالي ومنطقة الصحراء والساحل، وداخل الأوساط الدولية، خاصة في أوروبا وأمريكا. وقد جاء هذا الإعلان في سياق تنامي العنف في مناطق الصحراء والساحل، وزاد سقوط نظام القذافي بليبيا في أكتوبر 2011 من حدة التوتر وتأجيج الأوضاع نتيجة انتشار الأسلحة، وتدفقها إلى البلدان المجاورة لها في الصحراء والساحل.
وفي عام 2015، وقعت الحكومة المركزية بمالي “اتفاق السلم والمصالحة” مع الطوارق، بوساطة من الجزائر، وتضمن الاتفاق 68 بنداً، أهمها اعتراف باماكو بخصوصية الإقليم الشمالي في إطار الدولة الموحدة، كما أعلنت باماكو قبولها بالتوسع في تطبيق اللامركزية، لتتيح تمثيلا أكبر لأبناء الشمال بالجمعية الوطنية، ورفع مستوى التنمية بالشمال، ليعادل نظيره بالإقليم الجنوبي.
لكن مالي أعلنت، الخميس 25 يناير 2024 عبر بيان بثه التلفزيون الحكومي، عن إنهاء اتفاق السلام والمصالحة الوطنية الذي ترعاه الجزائر، بعد تغير موقف المجموعات الموقعة عليه، فضلا عن الأعمال العدائية التي يمارسها الوسيط، في إشارة إلى الجزائر.
نشير إلى أن القيادة العسكرية المالية كانت قد قامت في عام 2023 بتجنيد مجموعة فاغنر الروسية (وتُسمى الآن الفيلق الإفريقي) لمساعدتها على مواجهة متمردي الطوارق. وابتداءً من أغسطس 2023 ، أخذ القتال يحتدم بين متمردي الطوارق والقوات الحكومية التي يساندها مرتزقة فاغنر. وتعد مالي أخر دولة بغرب أفريقيا جذبت قوات “فاغنر” الروسية للعمل على أراضيها ضمن مهمة تدريب الجيش ومحاربة التنظيمات المسلحة، وفي نهاية العام الماضي (2023) وقعت باماكو ومجموعة شركة “فاغنر” الروسية للخدمات الأمنية الخصوصية اتفاقاً لإرسال نحو 1200 جندي لتدريب الجيش المالي مقابل حصول الشركة التي يقودها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين على مبالغ تصل إلى 10 ملايين دولار شهرياً.
أما في نهاية شهر يوليو 2024 بدأت المعارك تتجدد مع الطوارق مرة أخرى، خاصة بعد تقدم الجيش المالي و”فاغنر” نحو آخر معقل للأزواديين، وذلك في محاولة لاستكمال السيطرة على الأراضي الأزوادية بعد سقوط كيدال نهاية العام 2023، ويسعى الجيش المالي إلى بسط سيطرته على الإقليم الغني بالمعادن، خاصة الذهب، تلبية لتعهداته لفاغنر وبعض الدول التي تزوده بطائرات مسيرة وكان لها دور كبير في التفوق العسكري المالي ( يشار إلى أن دول مثل روسيا وتركيا قد زودت الجيش المالي بطائرات مسيرة متقدمة خلال الفترة الأخيرة).
وقد تعرضت شركة “فاغنر” الروسية لضربات كبيرة على يد الحركات الأزوادية في مالي، وذلك بعد سلسلة انتصارات مكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال البلاد، وقد يدفع هذا الإخفاق موسكو إلى التفكير في نشر قواتها المنشأة حديثا “الفيلق الأفريقي” لإنقاذ تلك المكاسب.
ورغم الخلاف المعروف ما بين المتمردين الطوارق والعرب من جهة، وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من جهة أخرى، فإن مجموعة «فاغنر» أكدت في بيانها أن الطرفين كانا يقاتلان معاً في الميدان، ويؤكد بيان فاغنر على حقيقة وجودها في ميدان المعركة لصالح روسيا ودول أخرى.
الدور المحتمل للفيلق الأفريقي الروسي في مواجهة التحركات الغربية والفرنسية:
شكلت أزمة مالي وما تلاها من تداعيات التدخل الدولي في منطقة الساحل والصحراء اختبار مؤثرا لأدوار القوى الإقليمية والدولية المتنافسة، إذ سعت كل دولة لمحاولة التأُثير على الوضع في مالي، بما يضمن لها حماية مصالحها الاستراتيجية. ومنذ انسحاب الجيش الفرنسي من مالي، سعت بلدان الساحل الأفريقي إلى البحث عن بدائل للقوات الفرنسية، بخاصة بعدما خرجت تظاهرات شعبية في دول عدة منددة بارتفاع عمليات العنف المسلح ورافضة الوجود الفرنسي في المنطقة، وكانت روسيا حاضرة من خلف الكواليس ، وقدمت شركة (فاغنر) التي كانت تعمل في الخفاء وتقدم خدمات عديدة في ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي في مجال تدريب الجماعات المعارضة، والتخطيط العملياتي، كما عملت في السودان مع قوات (الدعم السريع) قبل تمردها، خصوصاً في مجالي التدريب، وحراسة مناجم الذهب.
من الضروري تسليط الضوء على نظرة بعض دول الساحل لروسيا ولقوات فاغنر شبه العسكرية ، حيث يرون فاغنر بديلاً جذاباً لمصادر أخرى من القوة العسكرية، مثل بعثات الأمم المتحدة، وقوات الاتحاد الأفريقي، وقوات دول من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، التي لا تهتم كثيراً بأفريقيا بخلاف دعم المعارك ضد الإرهابيين المتطرفين. وقد سدّت فاغنر بالفعل بعض الفراغ الأمني في مالي بعد انسحاب فرنسا ، حيث يتواجد اليوم هناك نحو 1,400 من متعاقدي فاغنر لدعم الحكومة المحلية،حيث يوفرون الطائرات والرادارات الجوية وكذلك المحامين وخبراء الجيولوجيا لتسهيل استخراج المعادن .
مع ذلك تواجه قوات فاغنر بعض المشكلات خاصة بعد تصادم قيادة الحركة العام الماضي مع الحكومة الروسية، والتغيرات التي طالت الحركة وقياداتها وأدوارها ، وقد وضح أن هذه التغيرات الهيكلية ومحاولة نقل فاغنر من شركة خدمات أمنية كبيرة إلى زراع عسكري مباشر لروسيا لم تكن جيدة، ربما بسبب طبيعة هذه القوات وأعدادها وتسليحها وإفتقارها لقواعد وتمركزات عسكرية وأمنية تقدم له الدعم والإسناد الجوي والاستخباراتي كما كان للفرنسيين وبعض الدول الأوروبية ، والدليل على ذلك الضربات التي تعرضوا لها في مواجهاتهم مع الطوارق حيث تم قتل 84 مقاتلاً من فاغنر و47 جنديًا ماليًا في ثلاثة أيام من القتال العنيف الذي بدأ في 25 يوليو 2024 لام في قاعدة عسكرية في تينزاوتين.
لذلك المطروح حالياً هو استبدال فاغنر بالفيلق الأفريقي، وهذا الفيلق يتواجد بشكل عملياتي في أفريقيا، ويتعامل مع ملف دول الساحل والصحراء، ويحل تدريجيا مكان “فاغنر”، ضمن استراتيجية موسكو لإعادة ترتيب دورها في القارة .
فيلق أفريقيا” تشكيل عسكري روسي تم الكشف عنه مطلع عام 2024 ليكون بديلا عن مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة، ويعكس هذا البرنامج سعي روسيا لتوسيع نفوذها العسكري في القارة الأفريقية، ومنحه شرعية الوجود الرسمي والعلني في مواجهة الحضور الأوروبي والأميركي. يتوزع الفيلق بين 5 دول أفريقية هي ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر. وتحتضن ليبيا المقر المركزي وذلك لعدة عوامل منها: نشاط عناصر فاغنر سابقا في مدينة سرت التي تبعد 450 كيلومترا شرق العاصمة الليبية طرابلس، إذ كانوا يتمركزون في قاعدة “القرضابية” الجوية وميناء سرت البحري، إضافة إلى قاعدة “الجفرة” الجوية (جنوب)، وقاعدة “براك الشاطئ” الجوية التي تبعد 700 كيلومتر جنوب طرابلس. تتبع إدارة الفيلق الأفريقي سلطة الإدارة العسكرية الروسية مباشرة، ويشرف عليه الجنرال يونس بك إيفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي. وتتكون النواة الأساسية للفيلق من مجموعات فاغنر، إذ تم دمج عناصر منها في قيادات الصفين الثاني والثالث داخل الفيلق، إضافة إلى مزيد من العناصر في نطاق قوة عسكرية لا تقل عن 40 إلى 45 ألف مقاتل، كما يتكون الفيلق من فرقتين إلى 5 فرق حسب القدرات القتالية وحجم العناصر. وحسب بعض المراقبين والمحللين فإن الفيلق يضم من 40 إلى 45 ألف مقاتل. وقد بدأت عمليات الانتداب والتجنيد في ديسمبر/كانون الأول 2023 في عدد من الدول الأفريقية وفي روسيا، ونُشرت إعلانات التجنيد منذ الأيام العشرة الأولى من الشهر نفسه في القنوات العسكرية على تطبيق تليغرام. ومن المتوقع ألا يفك الفيلق الأفريقي ارتباطه كليا بمجموعة فاغنر، إذ منحت أولوية الانضمام لأفراد من مرتزقة فاغنر الروسية الذين يشكلون تقريبا نصف العدد الإجمالي لأفراد الفيلق، ثم إلى المقاتلين الروس الذين شاركوا في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما فتح الباب أمام العسكريين والمقاتلين الأفارقة الذين يتمتعون بقدرات قتالية عالية وبكفاءات متعددة منها قيادة المركبات القتالية والدبابات وقيادة الطائرات المسيرة وأنظمة الرادار ومنظومات الدفاع الجوي.
إن وجود الفيلق الإفريقي يُعد كشفاً لأوراق روسيا بشكل علني بعد فترة من نشاط فاغنر غير الرسمي، ويُمثل هذا التحول مرحلة جديدة في استراتيجيتها الأمنية في إفريقيا، وتحول مركز ثقل العمليات الروسية من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى منطقة الساحل وليبيا، والمرجح استمرار التوظيفين السياسي والاستراتيجي للمجموعة الروسية في القارة بوصفها أداة يستعين بها الكرملين في مواجهة استقطاب دولي حاد على الساحة الأفريقية. واللافت في الأمر دخول أوكرانيا بقوة ساحة الصراع الجيوسياسي بمنطقة الساحل الأفريقي، عندما أعلنت رسميا عن وقوفها إلى جانب الانفصاليين الطوارق وأعضاء من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين خلال عملية عسكرية في شمال مالي، أدت إلى قتل عدد من الجنود الحكوميين ومسلحي مجموعة فاغنر الروسية، ويعطي دخول أوكرانيا في الحرب تأكيدا جديدا على أن منطقة الساحل والصحراء تحولت إلى ملعب للصراع الدولي. كما أنه يكشف عن أن كييف، التي فشلت في تحقيق مكاسب ميدانية ضد الروس على أراضيها، تجد في مالي فرصة للانتقام من مجموعة فاغنر التي كان لها دور مؤثر في تراجع الأوكرانيين في بداية الحرب.
التحرك الأوكراني ليس معزولا، وأنه جزء من رد فعل عواصم غربية تعمل على نشر الفوضى في دول الساحل التي قامت خلال الفترة الماضية بطرد القوات الفرنسية وقطع الطريق أمام مصالح باريس مقابل الترحيب بتمدد النفوذ الروسي في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولجأت هذه العواصم إلى استخدام القوى الانفصالية في معركتها ضد موسكو ودفعت بالأوكرانيين في أتون الحرب كنوع من التغطية على الفشل في الحرب على أراضيهم وتسهيل مهمة الانتقام أمامهم ولو في منطقة بعيدة، وبمفعول فوري، أعلنت مالي الأحد 04 يوليو 2024 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، بعد إقرار مسؤول أوكراني رفيع بحسب الحكومة المالية، ب”ضلوع كييف” في تكبد الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية خسائر كبيرة في معارك مع انفصاليين أزواديين ومتشددين، وقعت أواخر يوليو 2024. واتهمت الحكومة المالية أوكرانيا بانتهاك سيادة البلاد، وتجاوز إطار التدخل الخارجي، إلى تشكيل “دعم للإرهاب الدولي
الخلاصة:
إن الوضع الأمني في مالي يزداد تعقيداً وخطورة، بعد أن أصبحت البلاد ساحة مفتوحة لمواجهات متعددة المحاور تحاول أطرافها رسم خرائط جديدة للنفوذ والسيطرة، ومع استمرار الصراعات الداخلية، تواجه الحكومة المالية تحديات كبيرة في استعادة السيطرة على الأراضي واستعادة الثقة بين السكان، وتتزايد المخاوف من أن الوضع قد يؤدي إلى تفشي العنف بشكل أكبر، مما قد يهدد استقرار البلاد والمنطقة بأسرها.
يمرّ الحلّ على الأرجح في اعتقادنا، في التعاون الإقليمي الذي يشكّل حالياً المسار الأفضل نحو إرساء الاستقرار الدائم في بلاد المغرب العربي والساحل الأفريقي على السواء، ويمكن لمصر كدولة لها ثقلها في القارة الأفريقية أن تنشط في هذا المسار، بما تملكه من قدرات سياسية وعلاقات قوية مع الدول التي مصالح في منطقة الساحل، كذلك بخبرتها الممتدة والناجحة في التصدي للفكر المتطرف والجماعات التي تمثله. كما تشكل مبادرة الأطلسي التي أعلن عنها العاهل المغربي وإعلان كونفدرالية الساحل، ترتيبا إقليميا مهما يمكن أن يساعد في مواجهة التحديات المتصاعدة في هذه المنطقة بما فيها مالي، إذا توفر لها دعم إقليمي ودولي، وإرادة حقيقية للتعامل بموضوعية مع المشكلات المزمنة، بتقديم حلول تعالج جذور تلك المشكلات، دون التركيز على الحلول الأمنية والعسكرية فقط، والتخلي عن فكرة الإخضاع القسري للمطالب التي تنادي بها بعض الأقليات، عدا ذلك ستظل النار تحت الرماد، يمكن إشعالها في أي لحظة.