إعداد: نشوى عبد النبي سيد
باحثة في العلوم السياسية
مقدمة
أعلن الصندوق السيادي الإماراتي قبل أيام عن عزمه لتركيز عملياته في الفترة المقبلة على منطقة آسيا، وهو توجه ينسجم مع الرؤية الإماراتية لأهمية دول وسط آسيا التي عملت خلال السنوات الأخيرة على تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية معها ، وتعتمد الإمارات في هذا على مركزها المالي القوي بالإضافة لبعض أدواتها وأزرعها الاستثمارية وعلى رأسها مجموعة موانىء دبي العالمية ،لذلك كان قطاع اللوجستيات من أهم القطاعات التي تستثمر فيها الإمارات مع دو آسيا الوسطى.
نسلط الضوء في هذا التقرير التحليلي على التحركات الإماراتية في منطقة آسيا الوسطى لمعرفة أبعادها ومدى إمكانية تقاطعها مع بعض المشروعات والخطوط الاستراتيجية لبعض الدول في نفس هذه المنطقة ومنها قوى كبرى كالصين وروسيا والهند وإيران.
التوجهات الإماراتية في منطقة آسيا الوسطى
في عام 2020 أظهرت السياسة الخارجية الإماراتية تعزيز للعلاقات مع دول “آسيا الوسطى”، عبر مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية والسياسية، واتضح التقارب ما بين الإمارات وجمهوريات آسيا الوسطى من خلال ما يأتي:
- استخدام أكبر للأداة الإنسانية في دول آسيا الوسطى، فعلى سبيل المثال: قامت الإمارات بتوزيع مئات الأطنان من المساعدات الطبية لدول آسيا الوسطى في ذروة تفشي وباء كورونا حول العالم، في وقت كانت دول مثل اليمن –الأقرب جغرافياً للدولة – تفتقر لأجهزة المسح الطبية. و في ديسمبر 2020 قامت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية بتوقيع اتفاقية مع حكومة إقليم تركستان بكازاخستان لبناء مستشفى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
- في نوفمبر 2019، افتحت تركمانستان قنصلية جديدة في دبي، وتم الكشف عن توسيع عمل “دراغون أويل” الإماراتية المملوكة لحكومة دبي في البتروكيماويات في تركمانستان.
- بحلول نهاية 2019 زار رئيس قرغيزستان أبوظبي ووقع عدد من الاتفاقيات مع ولي عهد الإمارة الشيخ محمد بن زايد.
- تعتبر الإمارات كازاخستان وجهة رئيسية لاستراتيجية الاستثمار في المنطقة حيث تعمل أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، تصاحب الروابط التجارية أيضًا علاقات سياسية ممتازة بين البلدين.
- ضخ استثماراتها لتعزيز رؤيتها للوصول إلى الموانئ كجزء من نظام المحاور العالمي، مثل استحواذ موانئ دبي العالمية على منطقتين اقتصاديتين خاصتين في كازاخستان على بحر قزوين. كما قامت موانئ دبي العالمية بشراء حصة 51٪ في منطقة قورغاس الاقتصادية الخاصة للشحن العابر في الصين- حدود كازاخستان.
وهذه الاتفاقات والتطورات هي سلسة لعدة اتفاقات خلال الأعوام الماضية عقدتها الإمارات مع دول آسيا الوسطى: اقتصادية، وعسكرية، وأمنية، وإنسانية. في تركيز واسع على تلك المنطقة البعيدة عن الجغرافيا العربية والتأثير على الإمارات وأمنها القومي.
تقع معظم الاستثمارات الإماراتية في آسيا الوسطى في دولة كازاخستان، والتي تعتبر واحدة من أهم المحطات على طريق الحرير الجديد على سواحل بحر قزوين. كما تحظى الموانئ التركمانية على خط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا باهتمام كبير من قبل الإمارات العربية المتحدة. وترى الإمارات العربية المتحدة كازاخستان كوجهة رئيسية لاستراتيجية البلاد الاستثمارية. تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على الاستثمار في كل من كازاخستان وتركمانستان، وتتعدى المصالح الإماراتية في هذه المنطقة المجاورة والاستراتيجية مجرد الاستثمار، وهنا يتضح سبب الاهتمام الإماراتي بأستانة وعشق أباد المهمين على بحر قزوين. ويبدو أن دولة الإمارات، التي تعتبر علاقتها مع أذربيجان وروسيا ممتازة أيضا، لا تتطلع إلى بحر قزوين ودعم البنية التحتية والصناعة على طول خط طريق الحرير الصيني فحسب بل تنظر أيضا في أفضل السبل لتوسيع العلاقات .
شركة موانىء دبي ودورها في تعزيز القدرات اللوجستية مع دول وسط آسيا:
تعتبر مشاريع الشراكة الاستراتيجية في منطقة آسيا الوسطى أولوية استراتيجية مهمة بالنسبة لمجموعة موانئ أبو ظبي، كونها تشكل رافداً رئيسياً للنمو العالمي، وتدعم أعمال عدد من الشركاء الرئيسيين في دولة الإمارات.
أن الإمارات تقوم باستثمارات لتعزيز رؤيتها للوصول إلى الموانئ كجزء من نظام المحاور العالمي، مثل استحواذ موانئ دبي العالمية على منطقتين اقتصاديتين خاصتين في كازاخستان على بحر قزوين. كما اشترت موانئ دبي العالمية حصة 51٪ في منطقة قورغاس الاقتصادية الخاصة للشحن العابر في الصين- حدود كازاخستان و 49٪ من الأسهم في منطقة أكتاو التي تمنح موانئ دبي العالمية حقوق الإدارة والحوكمة.
التعاون الإماراتي مع أوزبكستان
شهدت العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات وجمهورية أوزبكستان نمواً ملحوظاً خلال المرحلة الماضية، بدعم من قيادتي البلدين، ويتطلعا إلى توسيع شراكتهما القائمة وتنويعها في القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية، ولاسيما قطاعات الاقتصاد الجديد باعتبارها ركائز النموذج الاقتصادي المعرفي للدولة في ضوء مستهدفات الخمسين ومحددات مئوية الإمارات 2071. تعد أوزبكستان شريكاً مهماً للإمارات في منطقة آسيا الوسطى، وهناك حرص إماراتي على الارتقاء بعلاقات التعاون القائمة لتصل إلى مستوى شراكة اقتصادية شاملة، تسهم في تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية بين البلدين، وتفسح المجال أمام مجتمعي الأعمال لاستكشاف المزيد من الفرص الواعدة في أسواقهما، وبناء شراكات في القطاعات الحيوية، وبما يصب في تعزيز مرونة اقتصاديهما بشكل مستدام.
حققت أرقام التجارة البينية بين البلدين تطوراً كبيراً خلال المرحلة الماضية، إذ سجلت التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين نسبة نمو تصل إلى 104% بقيمة تبادلات تجارية بلغت 993 مليون دولار في عام 2022، مقابل 487 مليون دولار في 2021. في حين يقدر إجمالي الصادرات الإماراتية غير النفطية إلى أوزبكستان بنحو 92 مليون دولار خلال عام 2022، بنسبة نمو وصلت إلى 190% مقارنة بعام 2021. وبلغ إجمالي إعادة التصدير الإماراتي للأسواق الأوزبكية نحو 720 مليون دولار خلال عام 2022، بنمو قدره 102%، مقارنة بعام 2021. فيما تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول لأوزبكستان على مستوى الدول العربية، ودول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2021.
يلعب الموقع الجغرافي الاستراتيجي لأوزبكستان دورهاً هاماً في تطوير الإمكانات اللوجستية للمنطقة، جنباً إلى جنب مع دول آسيا الوسطى وأفغانستان. كما تعمل دولة أوزبكستان على توسيع البنية التحتية للنقل بشكل كبير لتعزيز هدفها المتمثل في أن تصبح مركزًا للنقل والخدمات اللوجستية في منطقة آسيا الوسطى.
إن أهم مهمة بالنسبة لأوزبكستان هي فتح الطرق المؤدية إلى الموانئ البحرية باستخدام أكثر وسائل النقل اقتصادًا، وذلك عن طريق السكك الحديدية. وليس من قبيل المصادفة أن أكثر من 7 مليارات دولار تم إنفاقها، و2.5 ألف كيلومتر من السكك الحديدية في أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة.
ومع اقتراب المرافق الجديدة، مثل محطة تحويل الغاز إلى سائل (GTL)، من الاكتمال في قاشقاداريو في جنوب البلاد، تتحول أوزبكستان من تصدير غازها الطبيعي إلى معالجته داخليًا إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، بما في ذلك الوقود للصناعات المحلية والنقل العابر . وستكون أوزبكستان ثالث أكبر منشأة لتحويل الغاز إلى سوائل في العالم تنتج الكيروسين لشركات الطيران والديزل لأغراض الزراعة والصناعات الأخرى وغاز البترول المسال للسيارات والنفتا لصناعة البلاستيك. حيث أن الإمداد الآمن بالوقود سيساعد في تحقيق طموحات البلاد كمركز إقليمي للنقل والخدمات اللوجستية في متناول اليد، وتحتل أوزبكستان موقعًا مركزيًا في منطقة آسيا الوسطى وهي بالطبع مفترق طرق لجميع الطرق، من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق.
- تأسيس شركات شحن وخدمات لوجستية جديدة : أطلقت مجموعة موانئ أبوظبي مشروعاً مشتركاً مع «إس إي جي» في يوليو 2022، إحدى أكبر شركات النفط والغاز في أوزبكستان، يهدف إلى تأسيس شركات شحن وخدمات لوجستية جديدة، كما وقعت اتفاقية مبدئية لتطوير مركز لتجارة الأغذية في أوزبكستان. كما تم الإعلان عن افتتاح مجموعة موانئ أبوظبي مكتب لها في أوزبكستان، والذي يعد الأول للمجموعة في منطقة آسيا الوسطى، إذ سيتولى مهام الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقات والتنسيق مع المقر الرئيسي للمجموعة في أبوظبي، بهدف ضمان سير العمل على المشروعات وتلبية متطلبات التنفيذ.
- تأسيس مشروع مشترك باسم ADL أولانيش: تم الإعلان من قبل موانئ أبو ظبي ومجموعة SIG إينيرا (إحدى أكبر الشركات القابضة متعددة القطاعات في أوزبكستان) يوم 6 مارس 2023، عن تأسيس مشروع مشترك جديد باسم ADL أولانيش، ويهدف هذا المشروع إلى تقديم خدمات لوجستية عالمية متكاملة في أوزبكستان. وستقدم مجموعة موانئ أبو ظبي من خلال المشروع المشترك الجديد خبراتها الواسعة في مجال الخدمات اللوجستية لسلسلة التوريد العالمية وتقنياتها المتقدمة إلى الشركة الجديدة، بهدف معالجة التحديات اللوجستية التي تواجهها الشركة في أوزبكستان، نظراً لأن الدولة غير ساحلية كما أنها محاطة بخمس دول أخرى غير ساحلية. كما سيوفر إطلاق الشركة الجديدة منصة تتيح توسيع محفظة خدمات الإمارات اللوجستية وتعزيز خدماتها في السوق الرئيسي لأوزبكستان التي تسير على طريق تحقيق نمو مستقبلي ملموس. حيث تشهد خدمات الشحن والتخزين في الوقت الحالي طلبا ًمتنامياً في أوزبكستان التي حققت خلال الأعوام القليلة الماضية نمواً اقتصادياً ملموساً، بفضل الإصلاحات الكبيرة وجهود التطوير والتحديث التي تبذلها البلاد.
التعاون الإماراتي مع قيزغستان
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أصبح تطوير طرق النقل والخدمات اللوجستية الجديدة أمرًا ملحًا. وجمهورية قيزغستان بصفتها أكبر لاعب في أوراسيا ، وبصفتها عضوًا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ، يمكنها الاستفادة من الاندماج في سلاسل النقل والخدمات اللوجستية بما في ذلك بحر قزوين. حيث تتمتع قيرغيزستان اليوم بفرصة تحسين وضعها في منطقة آسيا الوسطى وزيادة التجارة مع دول منطقة بحر قزوين. في استراخان في عام 2023 ناقش ممثلو دول مختلفة إنشاء ممر نقل متعدد الوسائط ، والذي سيبدأ في قيرغيزستان ، ويمر عبر أراضي أوزبكستان وتركمانستان ، ثم يصل إلى روسيا عبر ميناء دولي من تركمانباشي.
كما إن مشروع السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوكرانيا مهم جدًا لقيرغيزستان ، وبالتالي يمكن لقيرغيزستان أن تصبح مشاركًا ترانزيتًا في الشبكة اللوجستية ، مما سيجعل البلاد أكثر ربحية للمشاركة في مشروع بحر قزوين.
وقعت مجموعة موانئ أبوظبي اتفاقيتين مع حكومة قرغيزستان لدعم التجارة وتعزيز الروابط التجارية مع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى في 14 ديسمبر 2022. تنص الاتفاقية الأولى على إطلاق مفاوضات بين وزارة الاقتصاد والتجارة القرغيزية ومجموعة موانئ أبوظبي لتوفير قطعة أرض مساحتها 300,000 متر مربع في مناطق خليفة الاقتصادية أبوظبي (كيزاد) لتطوير وتشغيل مركز لوجستي ومنطقة جمركية. وسيتم تنفيذ المشروع في المنطقة الحرة في كيزاد، وسيسهم في تيسير عمليات استيراد وتصدير البضائع من جمهورية قرغيزستان وإليها. وتنص الاتفاقية الثانية على قيام بوابة المقطع، التابعة للقطاع الرقمي في مجموعة موانئ أبوظبي، بإعداد استراتيجية لوزارة المالية القرغيزية تهدف إلى تطوير حل لإدارة الحدود والجمارك، وتشييد بنى تحتية، وتأسيس نافذة رقمية وطنية موحدة، إضافة إلى مجموعة من الخدمات الرقمية التي تسهم في تعزيز عملية التنمية في قرغيزستان.
ترتكز الاتفاقيات على استراتيجية مجموعة موانئ أبوظبي الرامية إلى توسيع حضورها في آسيا الوسطى. وتجدر الإشارة إلى أن صادرات قرغيزستان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2020 بلغت 70.9 مليون دولار حيث شملت أبرز الصادرات الذهب وقطع غيار الطائرات والبترول المكرر، في حين بلغ حجم تجارة الدولة مع قرغيزستان 174 مليون دولار. كما إن الاتفاقيات التي تم توقيعها تعزز العلاقات القرغيزية-الإماراتية وتضيف زخماً كبيراً لها.
التعاون الإماراتي مع كازاخستان
تعتبر كازاخستان حلقة مهمة في طريق الحرير الجديد، ومن هنا يأتي الاهتمام الإماراتي لدور الموانئ في منطقة آسيا الوسطى.، وتركز موانئ دبي العالمية على تطوير البنية التحتية الصلبة واللينة التي تدعم روابط النقل متعددة الوسائط التي ستكون أساسية في طريق الحرير.
ترى الإمارات العربية المتحدة كازاخستان كوجهة رئيسية لاستراتيجية البلاد الاستثمارية، ومع وجود أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، فإن الروابط التجارية تصاحب العلاقات السياسية الممتازة بين البلدين. تعتبر استثمارات الإمارات في كازاخستان موضوعا جديرا بالملاحظة، وهو ما يمكن عرضه كالتالي:
- في نوفمبر 2008 تم إطلاق صندوق الفلاح في كازاخستان، حيث تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتمويل المشاريع في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة وإنتاج الغذاء والبنية التحتية والموارد الطبيعية والعقارات. وقد شهد صندوق الفلاح التابع لـ«مبادلة»، تصاعدا جديدا في نشاطه في الآونة الأخيرة لتعزيز وجود الإمارات في كازاخستان من خلال توفير تمويل إضافي للمشاريع التجارية والسكنية والبنية التحتية في كازاخستان.
- أن رؤية الإمارات العربية المتحدة للوصول إلى الموانئ كجزء من محور عالمي تبقى حاضرة في كازاخستان أيضا، ويمكن رؤيتها في استحواذ دبي العالمية على منطقتين اقتصاديتين خاصتين في كازاخستان على بحر قزوين. وقد اشترت موانئ دبي العالمية حصة بقيمة 51 في المئة في منطقة خورغوس الاقتصادية الخاصة ولها مساهمة بنسبة 49% في منطقة أكتاو التي منحت حقوق الإدارة والحوكمة لموانئ دبي العالمية. وتعتبر كازاخستان حلقة مهمة في طريق الحرير الجديد وهنا نرى أن المفهوم الإماراتي لدور الموانئ له أهمية مركزية في منطقة آسيا الوسطى.
- أن خبرة دبي في الأعمال المصرفية الدولية وإدارة المناطق الحرة هي جزء من معادلة العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة وكازاخستان. وشارك مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) في معرض إكسبو2017 وقد يحول أستانا إلى مركز مالي رئيسي لدول آسيا الوسطى ويعتبر هذا المركز منطقة خاصة مع نظام قضائي منفصل قائم على القانون العام الإنجليزي. وتركز المنطقة على خدمة أسواق رأس المال والتمويل الإسلامي بهدف أن تصبح واحدة من 20 مركزا ماليا رائدا في العالم. على غرار مركز دبي المالي العالمي، ويعتزم مركز استانة خدمة الشركات الدولية مع أخلاقيات عالية الجودة والمعايير القانونية.
- وقّعت مجموعة موانئ أبوظبي اتفاقية شراكة استراتيجية في 18 يناير 2023 مع الشركة الكازاخستانية الوطنية للنفط “كاز موناي غاز”، واتفاقية مبدئية مع وزارة الصناعة وتطوير البنية التحتية في كازاخستان للتعاون على بناء أسطول بحري، وتطوير البنية التحتية البحرية في بحر قزوين والبحر الأسود. يأتي هذا التعاون عقب اتفاقية الشراكة التي أعلن عنها مؤخرا مع “كي إم تي إف”، شركة الخدمات البحرية واللوجستية التابعة للشركة الكازاخستانية الوطنية للنفط، والتي تنص على إطلاق مشروع حصري مشترك يهدف إلى تقديم الخدمات البحرية والشحن لشركات الطاقة العاملة في منطقة بحر قزوين.
- وقعت مجموعة موانئ أبوظبي، اتفاقية في 2 ديسمبر 2023 مع شركة “كازاخستان تيمير زولي” – شركة السكك الحديدية الوطنية الكازاخستانية، والرائدة في مجال النقل والخدمات اللوجستية في آسيا الوسطى، بهدف تأسيس مشروع مشترك لتعزيز ربط السكك الحديدية، وخدمات الشحن البحري، وتطوير العمليات في الموانئ الكازاخستانية، ودعم التحول الرقمي والربط اللوجستي في منطقة آسيا الوسطى. سيهدف المشروع المشترك، المملوك بنسبة 51٪ من قبل مجموعة موانئ أبوظبي، وبنسبة 49% من قبل شركة “كازاخستان تيمير زولي”، إلى إنشاء مركز لوجستي إقليمي ديناميكي، والاستفادة من خبرة مجموعة موانئ أبوظبي في الإدارة والتشغيل، وتطوير العمليات اللوجستية والحلول الرقمية، بالإضافة إلى الاستفادة من المعرفة والممارسات الإقليمية لشركة “كازاخستان تيمير زولي” في العمليات المتقدمة للسفن والتحسينات اللوجستية، ومن ضمنها عربات نقل البضائع الصلبة عبر السكك الحديدية، وتطوير الموانئ، وتوسيع البنى التحتية للسكك الحديدية. يتماشى المشروع المشترك مع مساعي مجموعة موانئ أبوظبي وشركة “كازاخستان تيمير زولي” المتمثلة في إحداث تحول في المشهد اللوجستي الإقليمي.
مبادرة الجواز اللوجستي العالمي:
أطلقت دبي في يوليو 2019، مبادرة في “المنتدى الاقتصادي العالمي” في منتجع “دافوس” السويسري لتنفيذ مشروع “خطّ دبي للحرير”، وذلك في إطار جلسة خاصة قام بتنظيمها ممثلو الإمارة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي.
وتشمل استراتيجية خط دبي للحرير على بعض المرتكزات الرئيسية مثل:
- الاستجابة لمتغيرات التجارة العالمية عبر تقديم خدمات لوجستية جديدة متطورة باستخدام أحدث التطبيقات الذكية.
- كما تقوم استراتيجية خط دبي للحرير على الطبيعة التكاملية للتجارة، والحاجة لدفع التعاون الدولي نحو مستويات أعلى لتحقيق الأهداف المشتركة، ومنها تعظيم الاستفادة من القدرات المتاحة لدى كافة أطراف هذا التعاون وتعزيز تبادل الخبرات والأفكار والرؤى مع الشركاء التجاريين الحاليين وكذلك الشركاء الجدد وكل من يسعى للعمل لدفع مسيرة التجارة العالمية قدما بتوظيف الأفكار المبدعة والمبتكرة من خلال مبادرة خط دبي للحرير.
وبعد ذلك أُطلق على هذه المبادرة اسم “مبادرة الجواز اللوجستي العالمي”، وذلك لأنها تعمل على توسع دائرة الروابط التجارية بين الدول، كما تعمل على تعزيز الشراكات مع مختلف مراكز التجارة العالمية من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الإمكانات المتوافرة، بما يمهد لعولمة حقيقية للتجارة خلال العقد المقبل، وذلك لأن تلك المبادرة تجمع بين “الجمارك العالمية” وموانئ دبي” وطيران الإمارات و”دناتا” للسفريات وذلك بهدف ربط الأسواق عبر بوابة دبي لتبادل الخبرات وتطوير العمليات التجارية بصورة مباشرة بين الدول الشريكة.
وكان قد سبق هذه المبادرة، قيام “موانئ دبي العالمية” ببناء شبكة من هذه الموانئ والمناطق الاقتصادية والعمليات اللوجستية في ستّ قارات لتفعيل التجارة الذكية عبر تزويد مالكي ومجمعي البضائع بسلاسل توريد رقمية متكاملة، إذ من شأن الجواز اللوجستي العالمي أن يجعل التجارة عبر دبي أكثر سرعة وسهولة وفعالية وسيساعد على تطوير اقتصاد الدول الشريكة.
انضمت أوزبكستان إلى مبادرة الجواز اللوجستي في 16 أغسطس عام 2021، وهذه المبادرة ربطتها بشبكة أول نظام ولاء عالمي للشحن يشمل قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. عملت المبادرة على تمكين التجار الأوزبكيون من التوسع بتعاملاتهم وأنشطتهم التجارية، واستكشاف فرص الأعمال الجديدة بفضل شبكة المراكز والبوابات الموزعة في دول أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. استفادة التجار الأوزبكيون من زيادة الحركة التجارية والعوائد، وتعزيز حضور دولة أوزبكستان وانتشارها عبر شبكة مبادرة الجواز اللوجستي العالمي، لتوسع بذلك من قدراتها على التواصل التجاري مع مختلف دول العالم، وتسهيل الوصول إلى الحكومة الأوزبكية بما يدعم تعاملات التجار ويُسهل أنشطتهم في أوزبكستان عبر تسجيل عضويتهم في المبادرة.
يُمثل انضمام أوزبكستان إلى مبادرة الجواز اللوجستي فرصة للتجار ووكلاء الشحن الذين استفادوا من شبكة المراكز التجارية متعددة الوسائط في جنوب نصف الكرة الأرضية، بما يضمن لهم كفاءة الكلفة والوقت اللازم لإنجاز التعاملات وتمكين عمليات التبادل التجاري عبر الإمارات العربية المتحدة التي أتاحت أمامها فرصة الاستفادة من شبكة واسعة تشمل العديد من المراكز والبوابات التجارية الممتدة عبر قارات أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وتضم العديد من البلدان، مثل الهند وكازاخستان وتايلاند والبرازيل والسنغال وجنوب إفريقيا والإمارات العربية المتحدة وغيرها.
كما انضمت كازاخستان رسمياً إلى مبادرة “الجواز اللوجستي العالمي” في 31 ديسمبر 2020، والتي تهدف إلى ربط المراكز التجارية حول العالم وتعزيز التجارة بين الأسواق النامية، مما سيعزز مكانتها كمركز تجاري بارز لأوروبا وآسيا. تعمل مبادرة “الجواز اللوجستي العالمي” على توفير مجموعة من الفرص للشركات والحكومات من أجل تعزيز الخطوط التجارية وتطوير خطوط جديدة مع إطلاق أول برنامج ولاء لوجستي يوفر مزايا فريدة لوكلاء الشحن والتجار، كما تهدف المبادرة إلى التغلب على الحواجز التجارية مثل عدم كفاءة الخدمات اللوجستية والتي تحدّ حالياً من نمو التجارة بين الأسواق النامية.
وتعتبر كازاخستان، تحت قيادة الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الدولة الثالثة التي تنضم رسمياً إلى دبي في تبادل الخبرات لتسهيل التدفق التجاري حول العالم، بعد كولومبيا والسنغال.
يمنح الانضمام إلى الجواز اللوجستي العالمي الفرصة لكازاخستان لتنويع صادراتها ووارداتها من أوروبا والصين إلى الأسواق النامية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا. ومن الممكن أن تصبح كازاخستان صلة همزة الوصل ما بين مبادرة “الحزام والطريق” ومبادرة الجواز اللوجستي العالمي، من خلال توفير فرص جديدة في قطاع النقل والخدمات اللوجستية. وستصبح ألماتي المركز اللوجستي الرئيسي في كازاخستان، كما سيتيح موقعها الاستراتيجي امكانية زيادة حصة كازاخستان من التجارة بين الصين وأوروبا. وتوفر ألماتي أيضاً إمكانية الوصول إلى عدد من الأسواق في المنطقة مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة التعاون الاقتصادي لتكون رابطاً بين هذه الأسواق والشركاء في الجواز اللوجستي العالمي، وسيكون مطار ألماتي مركزاً جوياً يقدم مجموعة واسعة من الخدمات ذات المستوى العالمي.
ستعمل عضوية كازاخستان في الجواز اللوجستي العالمي على تمكين الدولة من الوصول إلى الأسواق الأقل استغلالاً، ويتيح الموقع الاستراتيجي لمدينة ألماتي امكانية زيادة حصتها من التجارة بين الصين وأوروبا عبر السكك الحديدية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن توفر ألماتي فرصًا لدخول الأسواق الإقليمية مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، وتصبح بوابة اتصال بين السوق الإقليمية والدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. سيصبح مطار ألماتي مركزًا للطيران يقدم خدمات ذات مستوى عالمي.
البعد الاستراتيجي في التحركات الإماراتية في منطقة آسيا الوسطى
ركزت أبو ظبي على منطقة آسيا الوسطى- خاصة كازاخستان- خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك من أجل توثيق علاقتها السياسة والاقتصادية مع روسيا والصين وذلك من خلال تعزيز المشروعات والعلاقات التي تفيد الدولتين المتنافستين، بالإضافة إلى ذلك تسلط الإمارات الضوء على آسيا الوسطى كساحة للتنافس بين الإمارات ومنافسيها تركيا وإيران.
إن توجه أبوظبي نحو الشمال مع التركيز على كازاخستان وتركمانستان له معنى جيوسياسي، حيث أصبح منع إيران من اكتساب مزيد من النفوذ في آسيا الوسطى شاغلاً جيوسياسياً مهماً، يختلط بمستقبل أسواق الغاز الطبيعي ومصالح الطاقة وطرق النقل. ويبدو أن دولة الإمارات، التي تعتبر علاقتها مع أذربيجان وروسيا ممتازة أيضا، لا تتطلع إلى بحر قزوين ودعم البنية التحتية والصناعة على طول خط طريق الحرير الصيني فحسب بل تنظر أيضا في أفضل السبل لتوسيع العلاقات.
في الآونة الأخيرة، بدأت الإمارات في إلى اتباع النموذج الصيني ” حيث تسعى الإمارات جاهدة للاستفادة من مبادرة الحزام والطريق في بكين. وقد اجتذب بناء السفن استثمارات إماراتية كبرى في كازاخستان التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من ممر سلسلة التوريد على طول مبادرة الحزام والطريق في الصين. وأصبحت موانئ بحر قزوين الواقعة في كازاخستان وتركمانستان روابط تجارية بحرية مهمة تربط البحر الأسود وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
الخلاصة:
بالنسبة للإمارات، تمتلك الدول الخمس في آسيا الوسطى – كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان – إمكانات هائلة للاستثمار في القطاعات الرئيسية منذ خروجها من انهيار الاتحاد السوفيتي. وتعتبر الإمارات كازاخستان وجهة رئيسية لاستراتيجية الاستثمار في المنطقة حيث تعمل أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، تصاحب الروابط التجارية أيضًا علاقات سياسية ممتازة بين البلدين.
كما تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة باستمرار لوضع نفسها في مكانة راسخة في مستقبل منطقة آسيا الوسطى، مستندة في ذلك إلى استراتيجيات محددة لتحقيق مجموعة من الأهداف الجيوسياسية التي تناسب مع رؤية أبو ظبي، والتي تشمل الاستثمار في كازاخستان وتركمانستان، وهما دولتان رئيسيتان لهما موانئ على بحر قزوين ما يجعلهما دولتان هامتان بالنسبة للممرات الإقليمية التجارية.