إعداد:
عاطف محمود دبل – باحث فى العلوم السياسية
أحمد جمال الصياد – باحث فى العلوم السياسية
مقدمة
يترقب الليبيون ومعهم المعنيون بالشأن الليبي من دول وحكومات ومنظمات ما سيسفر عنه مؤتمر سرت للمصالحة الوطنية المقرر عقده في ال 28 من شهر أبريل المقبل 2024م ، وتُعلق الأمال على الخروج من حالة الجمود السياسي التي تُخيم على الأزمة الليبية منذ أكثر من عامين تقريباً وتحديداً منذ فشل إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في نهايات 2021م ، وعدم نجاح الأطراف السياسية منذ تلك اللحظة في الوصول لإتفاق بشأن تحديد موعد لهذه الإنتخابات والالتزام به، ويبدو أن الطريق لهذه الإنتخابات – التي يعتبرها البعض نقطة البداية لعكس مسار الأزمة نحو الإستقرار المآمول- لا يزال بحاجة للمرور على عقبات كثيرة بعضها قانوني ودستوري وبعضها سياسي حيث استمرار حالة التباعد بين المكونات السياسية في الشرق والغرب، مع استمرار بعض الفاعلين الإقليميين والدولين في لعب أدوار سلبية في غير صالح ليبيا بأي حال.
وفي هذا الإطار نطرح قراءة تحليلية للموقف الراهن في ليبيا قبل محطة سياسية مهمة في الشهر المقبل (مؤتمر سرت ابريل 2024م) لمعرفة استعددات الأطراف السياسية لهذا المؤتمر والتوقعات بشأنه وكيف تتعامل الأطراف الخارجية معه وهل سيكون لمخرجات هذا المؤتمر تأثير في مسار الصراع الليبي؟
أولاً : التحديات :
الجمود السياسي العام والمراوحة في المكان:
تُعبر كلمة الجمود عن الوضع السياسي والعسكري العام في ليبيا منذ أكثر من عامين، وقد بذلت محاولات كثيرة لكسر هذا الجمود عبر استعادة المسار السياسي (محاولات ترتيب موعد جديد للإنتخابات وتعيين مبعوثين أممين، تعين بعض الدول لمبعوثين خاصين لها في ليبيا، اجتماعات بين الأطراف السياسية المحلية ، إجتماعات خارجية في القاهرة ودول أخرى، وزيارات المسئولين الليبيين للخارج والعكس، الجهود المبذولة من بعض المنظمات الدولية خاصة الإتحاد الأفريقي من خلال تشكيل اللجنة رفيعة المستوى للإتحاد الأفريقي في ليبيا التي تترأسها الكونغو وتشارك فيها عدة دول منها مصر والجزائر. كما استمرت محاولات محدودة لكسر هذا الجمود عبر التلويح بالقوة ومحاولة بعض الأطراف تغيير الأمر الواقع في بعض المناطق إعتماداً على قدراتها الخاصة ومنها على سبيل المثال لا الحصر (التهديدات المتكررة من جانب المشير خليفة حفتر بأنه لن ينتظر كثيراً وأن الجيش الليبي لن يسمح بتفتيت ليبيا) كما جرت محاولة أخرى لتغيير الواقع بالقوة في الغرب الليبي (الصدام بين فتحى باش اغا وعبد الحميد الدبيبية في نهايات 2022 ) .
مع اقتراب العام الحالي 2024 م من نهاية الربع الأول منه، لا يزال الوضع السياسي على حاله دون تغيير، من حيث تمسك كل طرف بمواقعه السياسية والعسكرية، وعدم الرغبة في تقديم تنازلات، بينما لا يملك أي من الأطراف المحلية القدرة – بمفرده وفي ظل المعطيات الحالية – على تغيير الواقع الحالي بوسائل القوة والقهر، في ظل تمتع أغلب القوى الموجودة بداعمين محليين( العشائر والقبائل) وداعمين خارجيين ( قوى كبرى وقوى إقليمية فاعلة). وبعضها للأسف الشديد لا يرغب في تغيير التوازنات الحالية إلا إذا انسجمت مع مصالحه وأهدافه في ليبيا. لذلك تعلقت الآمال بجهود الدول المخلصة والهادفة بحق لعودة الإستقرار لليبيا وعلى رأسها مصر التي استمرت في بذل جهود كبيرة قامت بها مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية والجهات المسئولة عن هذا الملف بالدولة وتجسدت في عدد كبير من اللقاءات التي عقدت بالقاهرة وخارجها، قُدمت فيها الأفكار البناءة وتم الإستماع لرؤى الأطراف الليبية، وتم التأكيد على أن الحل يجب أن يأتي من الليبيين أنفسهم وأن مصر داعمة لأي توافق وطني ليبي بكل قوة وإصرار.
لقد ساهمت عوامل إقلييمة ودولية أخرى في ترك الملف الليبي دون إهتمام دولي حقيقي، فالحرب في أوكرانيا سحبت الإهتمام الدولي لما يجري في شرق أوروبا من مواجهة كبرى مع الروس، كما ساهمت حرب غزة في سحب البساط من كل الملفات الإقليمية الأخرى على مستوى المنطقة العربية، فتراجع الإهتمام الدولي بملف ليبيا، وكذلك ملف السودان التي تواجه اقتتال داخلي وحرب طاحنة.
إن الإنشغال الدولي والإقليمي بملفات أخرى قد يكون سلاح ذو حدين، فمن ناحية يمكن أن يكون إيجابي إذا كانت هناك إرادة حقيقية للحل من الأطراف المحلية ويمكنها الإستفادة من تخفيف الإنخراط الدولي في الملف، ويمكن أن يكون سلبي حال غابت هذه الإرادة الوطنية واتجهت الأطراف المحلية لتعظيم مواقعها الحالية والإستفادة من الإنشغال الدولي لصالحها.
استمرار إشكالية المبعوث الأممي وتعثر جهود الوساطة:
وقع المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي في نفس المربع الذي سبقه إليه المبعوثين السابقين، فدخل في صدامات مع الأطراف السياسية الداخلية، كما انتهجت هذه الأطراف نفس السلوك إزاء أي مبادرات للحل، في ظل تمسك كل طرف بمصالح ضيقة، ومحاولات فرض حلول بعينها لا تحقق التوافق الوطني. وبات الوضع مأزوماً بصورة كبيرة، ففي 15 فبراير الماضي 2024 م أعلن باتيلي فشل مبادرته التي كان قد أطلقها في 23 نوفمبر 2023، والتي كانت تستهدف الوصول إلى العملية الانتخابية وتأسيس سلطة سياسية موحدة في البلاد. فخلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي ، أشار باتيلي إلى أن الأطراف الخمسة التي تم اختيارها لما يسمى “بالطاولة الخماسية”- المبادرة دعت لإجتماع 5 مكونات سياسية ليبية وهي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وقائد مليشيات شرقي ليبيا خليفة حفتر- غير مستعدة على ما يبدو لتسوية الخلافات المتبقية للتمهيد لإجراء الانتخابات”. وهو ما دفع القوى السياسية الليبية، وفي الصدارة منها الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد إلى المطالبة بإبعاد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بعد اتهامه لها بعدم الاستعداد لتسوية خلافاتها. وتعود الكرة مرة أخرى للأمم المتحدة والدول الفاعلة لإعادة تسمية مبعوث أممي أخر أو البحث عن طريقة لتنشيط دور المبعوث الحالي ودعم جهوده.
نشير إلى أن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي كان قد أوضح في إحاطة سابقة إلى أعضاء مجلس الأمن في 17 ديسمبر الماضي 2023م حقيقة مواقف الأطراف الخمسة وملخصها ما يلي:
- المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي. أبدى دعما واضحاً وملموسا يلتزم بحسن النية لإنجاح الحوار.
- رئيس مجلس النواب عقيلة صالح . فقد اشترط حضوره بضرورة أن يركز جدول أعماله على تشكيل حكومة جديدة، ورفض مشاركة الدبيبة.
- المجلس الأعلى للدولة. قدم رئيسه محمد تكالة ثلاثة أسماء ممثلين لحضور الاجتماع، رغم رفضه لمسودة القوانين الانتخابية التي نشرها مجلس النواب.
- حكومة الوحدة الوطنية “الدبيبة” . قدم أسماء ممثلي حكومة الوحدة الوطنية، وعبر عن استعداده لمناقشة المسائل العالقة في القوانين الانتخابية، إلا أنه رفض رفضا قاطعا إجراء أي مناقشات بشأن تغيير الحكومة.
- خليفه حفتر. قبل المشاركة، لكنه اشترط مشاركة حكومة الدبيبة ومشاركة الحكومة المعينة من مجلس النواب أو استبعاد الحكومتين من المشاركة.
من الواضح أن فشل المحاولة الأخيرة للمبعوث الأممي لليبيا “عبد الله باتيلي” في جمع أطراف الأزمة على طاولة واحدة من أجل تذليل العقبات القانونية والسياسية والدستوية للوصول للإستحقاق الإنتخابي يعني أن هناك خلل ما، وهذا الخلل تكرر أكثر من مرة لذلك فإن السؤال المطروح هو: هل الإشكالية في أدوار المبعوثين الأممين وعدم درايتهم بالثقافة الليبية وتعقيدات المشهد هناك وتحيزاتهم الخاصة أحياناً ( مثال الجدل الذي دار حول المبعوثة السابقة ستيفاني ويليامز) أم أنه تغافل متعمد عن حقائق معروفة ورغبة من بعض الأطراف في إعاقة دور المبعوث الأممي ووضع العراقيل في طريقه، على أساس أن إطالة أمد الصراع وإنهاك أطرافه أطول فترة ممكنة يجعلهم مستعدين دائما للدخول في تحالفات خارجية، يقبلون فيها بما سيتم تقديمه لهم من هنا أو هناك.
من الواضح أيضاً أن مسألة الإنتخابات ليست في صالح بعض الأطراف الحالية خاصة الأطراف التي تستعين وتستقوى بميلشيات عسكرية خاصة، وتستفيد من استمرار الوضع الراهن وما يوفرها لها من نفوذ سياسي ومالي من بعض العوائد سواء من جباية الضرائب أو من عؤائد الحراسات الخاصة للمنشآت الحيوية مثل شركات النفط وغيرها .
لذلك نتوقع أن حالة الجمود ستستمر لفترة غير معلومة ، وسيظل هذا الأمر مرتبطاً بالتفاهمات الدولية والإقليمية والتي لا نرجح أنها ستكون قريبة على المدى المنظور فحرب أوكرانيا لا تزال مستمرة ولم تحسم بعد وحرب غزة الحالية لا تزال تبعاتها غير معروفة إلى الآن وهي بالفعل تستحوذ على إهتمام العالم ككل. بينما قد يكون لبعض المسارات والتفاعلات دوراً في تسريع هذه التفاهمات الدولية بشأن ليبيا منها أن تتدهور الأوضاع في ليبيا مرة أخرى للصراع المسلح أو أن تتضح تحركات بعض الدول خاصة روسيا فيما يتعلق بتأسيس وجود بحري وعسكري لها على الشواطىء والأراضي الليبية.
ثانيا: الفرص المتاحة:
التوافق بين مجلسي النواب والدولة:
شهدت الأيام الماضية مشروعا للتوافق بين وفدين من مجلسي النواب والدولة حول العمل للالتزام بالقوانين المنظمة للعملية الانتخابية التي أصدرتها لجنة 6+6، وذلك لمحاولة لتحقيق إنجاز انتخابي ينتج عنه تشكيل حكومة وطنية جديدة، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه انفراجه للمشهد السياسي الليبي الذي أصابه الجمود لفترة طويلة، كما أن ذلك التوافق من شأنه الإسهام في دعم إتمام العملية السياسية الليبية خاصة أن الطرفين _ مجلسي النواب والدولة_ كان بينهما خلافات بشأن القوانين الانتخابية، تلك القوانين التي أصدرها مجلس النواب ورفضها مجلس الدولة.
وفي 1 مارس 2024، تم التوقيع على محضر اتفاق من قبل أعضاء المجلسين، يدعوا ذلك الاتفاق للالتزام بالقوانين الصادرة من لجنة 6+6 الخاصة بالعملية الانتخابية، واحترام الملكية الليبية للعملية السياسية، ودعوة المفوضية الوطنية للانتخابات للإعلان عن موعد لإجراء الانتخابات، بالإضافة إلى التحقيق مع حكومة الوحدة، بعد الإتهامات الموجهة إليها من محافظ البنك المركزي الليبي لحكومة الدبيبة بأنها أربكت المشهد الاقتصادي الليبي وتسببت في تراجع سعر صرف الدينار الليبي لمستويات قياسية وذلك بسبب إنفاق ما يقارب 465 مليار دينار ليبي وهو ما يعادل تقريبا 113 مليار دولار.
تمثل خطوة التوافق بين المجلسين ( النواب والدولة) فرصة إيجابية في المشهد السياسي الليبي بشكل عام، ويمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق الوطني والتي يمكن من خلالها توحيد الإجسام السياسية الموازية بين الشرق والغرب وتشكيل حكومة وطنية جديدة، والاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن.
مبادرة إخراج الميليشيات من طرابلس:
شهدت طرابلس العديد من الصراعات بين الميليشيات المسلحة التي تتمركز بها، وكان آخرها مجزرة أبو سليم والتي راح ضحيتها 10 أشخاص، تلك المجزرة كشفت عن التصعيد والاقتتال الدائمين بين الميليشيات بطرابلس، وهو ما دفع عماد الطرابلسي وزير الداخلية بحكومة الوحدة للتوصل بعد مفاوضات ومشاورات مع الأجهزة الأمنية، بإخلاء العاصمة طرابلس من الميليشيات، وذلك خلال الفترة المقبلة والتي قد تكون قبل منتصف أبريل حسب تصريحه. ويظل ذلك الاتفاق محل شك بسبب النفوذ الكبير الذي تتمتع به تلك الميليشيات في طرابلس، ، بالإضافة للعلاقات الوثيقة التي تجمعها بعدد من أعضاء حكومة الوحدة، إلى جانب اندماج الميليشيات وتغلغلها بقوة في جهاز الدولة، مما يطرح صعوبة تنفيذ ذلك الاتفاق، ومن الممكن أن يكون الاتفاق هو إخراجها بعيدا عن وسط مدينة طرابلس فقط، وهو ما يعني مجرد إبعاد وليس تخلي بشكل كامل، وذلك لا يعني الحيلولة دون تواجد تلك الميليشيات وحضورها في العاصمة والمشهد السياسي الليبي.
مؤتمر سرت للمصالحة الوطنية.
من المقرر عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في مدينة سرت في أبريل المقبل، برعاية مشتركة بين اللجنة العليا المنبثقة عن الاتحاد الأفريقي لشأن ليبيا والمجلس الرئاسي، لذلك تركز الجهود الأفريقية من خلال اللجنة رفيعة المستوى المُشكلة لهذا الغرض على التمهيد لهذا المؤتمر والعمل على إنجاحه بالتواصل مع كل الأطراف المعنية وحشد الدعم السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
وهناك تعويل كبير على هذا مؤتمر سرت ليؤسس مرحلة جديدة من المصالحة الوطنية، وفق منهجية العدالة الإنتقالية التي استخدمت كمقاربة معروفة في صراعات مماثلة وحققت بعض النجاحات، غير أن التحديات كثيرة ولا يزال الطريق غير ممهد، ففصل المسار الداخلي عن المسار الخارجي للأزمة بات مستحيلاً بعد استقرار مراكز القوة لبعض الفاعلين المحليين وداعميهم من الخارج، بل التوجه نحو بعضهم لتوسيع قاعدة التعاون نحو مزيد من المكاسب.
مواقف القوى الفاعلة ودعم مسار التوافق:
الولايات المتحدة الأمريكية. تسعى الولايات المتحدة لتحقيق نوع من التوازن في سياستها تجاه الأزمة الليبية، فآخر التحركات الأمريكية في ليبيا تمثلت في زيارة مبعوث البيت الأبيض ريتشارد نورلاند لبعض أطراف الأزمة مثل قادة عسكريين في الشرق والغرب الليبي، بما يشير لرغبة واشنطن في إدارة الأزمة بما يخدم التوجهات والمصالح الأمريكية، كما أن تلك الزيارة قد تسهم في الدفع بتشكيل حكومة ليبية موحدة. وهو ما يتماشى مع ما صرحت به السفارة الأمريكية في ليبيا للمبعوث الأممي عبدالله باتيلي بأن الإدارة الأمريكية تدعم دعوة الأخير لإشراك كافة أطراف الأزمة في مفاوضات وذلك دفعا للعملية السياسية، كما أن نورلاند بحث في زيارته لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة “إنهاء المراحل الانتقالية، وإجراء الانتخابات، بالإضافة لدعم خطة باتيلي، وذلك في إطار وضع مسار واضح لحل الأزمة الليبية، كما صرح نورلاند في زيارة لحفتر بأن “واشنطن تدعم جهود توحيد الجيش الليبي، والحفاظ على السيادة الليبية”
روسيا . أخر التحركات الروسية في تلك الأزمة تتمثل في زيارات من وإلى موسكو، حيث قام رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة بزيارة روسيا وذلك بالتنسيق مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة سعيا لإقامة علاقات اقتصادية مع موسكو، فتلك الزيارة ستمتد آثارها لبناء علاقات جيدة مع روسيا كحد أدنى حتى وإن لم تحدث تغير جذري في موقف موسكو التي لن تتخلى بشكل كامل عن حفتر. وفي يناير الماضي قام نائب وزير الدفاع الروسي بزيارة لحفتر في إطار تعزيز وتطوير العلاقات بين روسيا وليبيا. التحركات من وإلى موسكو سواء من الغرب الليبي أو إلى الشرق توضح أن موسكو تسعى لتحقيق توازن بين الشرق والغرب في ليبيا ، كما أن انفتاح روسيا على جميع أطراف الأزمة شرقا وغربا سيجعل منها طرفا في أي اتفاق أو مفاوضات لحل تلك الأزمة، وذلك حرصا من موسكو على مصالحها ونفوذها في ليبيا والقارة الإفريقية بشكل عام.
فرنسا. قام المبعوث الفرنسي مؤخرا بلقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبه موسى الكوني في طرابلس، وذلك في إطار محاولة باريس بأن تكون طرف مؤثر في مسار الأزمة الليبية، وقد صرح مبعوثها في زيارته الأخيرة بأن فرنسا حريصة تحقيق الاستقرار لليبيا، بإجراء انتخابات تمهد لحل تلك الأزمة. هذا اللقاء جاء بعد عقد لقاءات مع شخصيات هامة في الشرق الليبي لمحاولة حلحلة الأزمة، وأن تحظى فرنسا بمكانة مؤثرة في مسارها، وذلك تحقيقا للمصالح الفرنسية. فباريس ترى جيدا التحركات الدولية المختلفة في الملف الليبي، وتسعى مثلها مثل أي طرف دولي بأن تكون طرف فاعل في ذلك الملف تحقيقا لمصالحها.
مصر. كانت أخر التفاعلات المصرية- الليبية تتمثل في زيارة محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي للقاهرة، الذي التقى بالرئيس عبدالفتاح السيسي في فبراير الماضي، وذلك لبحث العمل المشترك وتعزيز التعاون بين البلدين كما تم التأكيد من جانب الرئيس السيسي على دعم مصر الدائم لكافة الجهود الرامية لحماية وحدة الأراضي الليبية ودعم مؤسسات الدولة الليبية حتى تتمكن من القيام بدورها لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وذلك لحل تلك الأزمة ودعم الاستقرار في ليبيا، بالإضافة لدعم مسار الحل الليبي- الليبي وذلك حسب تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري في لقاء سابق له مع المبعوث الأمريكي لليبيا في ديسمبر 2023، فالقاهرة تدعم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عاجلة في ليبيا، بالإضافة لخروج جميع القوات الأجنبية وتفكيك الميليشيات دعما لأمن ليبيا واستقرارها.
تركيا. كانت آخر التحركات التركية في ملف الأزمة الليبية يتمثل في قيام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بزيارة ليبيا في السابع من فبراير 2024م، وقام بعقد زيارات لثلاثة من أطراف الأزمة الليبية وهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بالإضافة للقاء قادة عسكريين أتراك في مقر قيادة القوات العسكرية التركية الليبية، وتم التأكيد في تصريحات فيدان على دعم تركيا للاستقرار الليبي، ودعم إجراء انتخابات من شأنها حل الأزمة الليبية، وذلك في إطار تثبيت النفوذ التركي في ليبيا تحقيقا لمصالح أنقرة السياسية والاقتصادية. بالإضافة لقيام عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية بتوقيع مذكرة للتفاهم والتعاون العسكري مع تركيا، كما صرح الدبيبة بأن التعاون العسكري بين ليبيا وتركيا هو من أولوياته ويشكل أهمية كبيرة لليبيا حسب تصريحه، وهو ما أشاد به وزير الدفاع التركي آشاد غولر والذي أكد على الدعم التركي سابق الذكر. .
التوافق المصري التركي بعد زيارة أردوغان للقاهرة. هناك تعويل كبير على أن زيارة أردوغان الأخيرة للقاهرة هي بداية لمسار تعاون مصري تركي بشكل أكبر في الملف الليبي خاصة بعد استقرار مراكز القوة في الشرق والغرب وإحترام كل طرف لمصالح الطرف الأخر وإدراكه أنه لا سبيل للإنفراد بحلول معينة أو فرضها على أي طرف، وبالنظر لرغبة القاهرة في عودة الاستقرار لليبيا لكونها دولة مجاورة وتقع في المجال الحيوي للأمن القومي المصري فإن النجاح في جلب تركيا لمربع الإستقرار الاقليمي بشكل عام من خلال التوافق معها في بعض الملفات بالمنطقة منها شرق المتوسط والملف الفلسطيني والملف الليبي سينعكس على ملفات بعينها حتى ولو كانت فيها مساحات من الخلاف لا تزال موجودة، فهذا أمر طبيعي، بينما يشجع الحوار بين الأطراف على تقليل مساحات الإختلاف والبناء على الأرضيات المشتركة.
الخلاصة
يعتبر مؤتمر سرت للمصالحة الوطنية والمرتقب عقده في 28 ابريل المقبل فرصة جديدة في مسار الأزمة الليبية، ولا نقول أنه فرصة للحل بل أنه نقطة في مسار الحل الذي لا يزال يحتاج لخطوات كثيرة أخرى، فتراكمات الأزمة على مدار أكثر من ثلاثة عشر سنة قد خلقت واقع سياسي صعب داخلياً ومتشابك مع تدخلات خارجية، بينها تناقضات كثيرة، فدخول ليبيا لساحة الصراع والتنافس الدولي قد يؤجل فرص الحل فيها ويجعله مرتبط بمسارات لملفات أخرى بالمنطقة والعالم . لذلك فإن التقييم الموضوعي لأهمية هذا المؤتمر هو أنه إختبار جديد للنوايا من كل الأطراف السياسية التي أبدت مؤخراً توجهات نحو التوافق، كما أنه اختبار جديد لبعض التحركات الدولية في الملف الليبي والتي تحدثت صراحة عن دعم المسار السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد قاطع لا رجعة فيه للإنتخابات المقبلة.