إعداد/
د. أكرم حسام – رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية
محمد عادل – باحث فى العلوم السياسية ومتخصص فى الشئون العربية والافريقية
مقدمة
بعد أكثر من عقدين على تحولها كدولة حبيسة في القارة الأفريقية، تمكنت إثيوبيا بطريقة غير مشروعة من تغير واقعها الجيواستراتيجي عبر إتفاقية فاقدة للمشروعية القانونية والدولية كونها وقعت مع إقليم إنفصالي غير معترف به دولياً وهو ما يسمى بجمهورية أرض الصومال . وهي بذلك قد خطت نفس الخطوات التي اتبعتها تركيا في 2017 عندما استغلت حالة الإنقسام في ليبيا ووقعت إتفاقية مع حكومة غرب ليبيا برئاسة فايز السراج أعطيت بموجبها حقوق وإمتيازات كثيرة من بينها تأسيس وجود عسكري لها على الأراضي الليبية إلى جانب إعطائها حقوق وإمتيازات بحرية في البحر المتوسط، تمكنت من خلالها من تغيير واقعها البحري واستغلت الإتفاقية ” غير المشروعة أيضاً” في الدخول في معادلة تقسيم الحدود البحرية ومناطق الثروات في شرق المتوسط بعد أن كانت بعيدة تماماً بموجب إتفاقية القانون الدولي للبحار عن هذه الإمتيازات، وفرضت واقع جديد لا تزال تبعاته قائمة حتى وقتنا هذا .
أن الإتفاقية التي وقعتها حكومة أبي أحمد مع حكومة صومالاند “غيرالمعترف بها” في يناير الجاري تعتبر تغييراً كبيراً في المعادلة الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وسيترتب عليها – حال نجاح إثيوبيا في تنفيذ هذه الصفقة – تغيرات في العلاقات البينية بين إثيوبيا ومعظم دول القرن الأفريقي التي تنظر لهذه الإتفاقية بكل حذر وترقب وتحفظ، بينما لا تزال هناك أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات عنها وأبرزها :
- ما هي الحجية القانونية لهذا الإتفاق ؟
- لماذا غيرت إثيوبيا من تصريحاتها وتوجهاتها السابقة والتي كانت تشير لمنفذ بحري عبر الأراضي الإريترية ؟
- من سيمول هذه الصفقة في ظل الوضع الاقتصادي الإثيوبي الراهن وإعلانها تخلفها عن سداد ديونها الخارجية قبل اسبوعين من الإعلان عن هذه الصفقة؟
- ما هي فرص نجاحها في ظل بعض التحديات المتوقعة سياسياً وأمنياً ومالياً؟
- كيف ستتعامل جمهورية الصومال مع هذا التحدي الكبير لسيادتها والذي يشجع دوافع الإنفصال داخل أقاليمها الأخرى؟
- موقف دول القرن الأفريقي خاصة إريتريا وجيبوتي وكينيا من هذه الإتفاقية؟
- المواقف الدولية خاصة للقوى الفاعلة في القرن الأفريقي ومدى رؤيتها للخطوة الإثيوبية وتأثيرها على التوازنات والمصالح لروسيا والصين والولايات المتحدة والدول الغربية صاحبة النفوذ في هذه المنطقة؟
- والسؤال الأهم كيف تتعامل مصر مع هذا التطور المهم في دينامكيات البحر الأحمر ، وما هي حدود الحركة المتاحة؟
الوضع القانوني للإتفاقية
ظلت أثيوبيا دولة حبيسة لقرابة العقدين ونصف – عقب استقلال اريتريا في تسعينات القرن الماضي- غير أنها تمكنت عبر مناورة استراتيجية تاريخية من التوقيع على اتفاق مع جمهورية صولايلاند غير المعترف بها دوليا حصلت بموجبه على ميناء بحري على البحر الأحمر وقاعدة عسكرية ضمن صفقة كبيرة تحمل تعهدات سياسية واقتصادية واستثمارية ضخمة من جانب اثيوبيا في صوملاند.
وقعت إثيوبيا مذكرة التفاهم مع إقليم “أرض الصومال” غير المعترف به دولياً في يناير 2024، تسمح لها باستئجار أرض تابعة لميناء بربرة بمساحة 20 كلم لمدة 50 عام ، مما يمنحها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر. ويهدف هذا الاتفاق، الذي وصفه مكتب رئيس الوزراء “أبي أحمد” بأنه تاريخي إلى تزويد إثيوبيا، وهي دولة غير ساحلية، بإمكانية الوصول إلى البحر التي تشتد الحاجة إليه لتنويع طرق التجارة البحرية، التي كانت تعتمد بشكل كبير على جيبوتي منذ استقلال إريتريا عنها في عام 1991.
تضمن الاتفاق بنداً يقضي بأحقية إثيوبيا في استخدام المساحة المقررة للأغراض العسكرية والتجارية، وفي المقابل تحصل أرض الصومال على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية وأن تنظر في مسألة الاعتراف بأرض الصومال التي تسعى لإكتساب بعض الشرعية داخل المجتمع الدولي
تفتقد هذه الإتفاقية للمشروعية الدولية – على الرغم من أن القانون الدولي للدول يعطي الدول غير الساحلية الحق في الاستعانة بموانئ دول الجوار من خلال اتفاقيات دبلوماسية تعتمد على القواعد واللوائح الدولية- فهذه الإتفاقية خرجت عن هذا السياق من عدة جوانب وهي أنها وقعت مع كيان إنفصالي غير معترف به دولياً ، كدولة ذات سيادة، حيث يعيق عدم الاعتراف بها قدرة هيرجسيا على الدخول في اتفاقيات رسمية وإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، وبدون الاعتراف الدولي، تصبح شرعية الاتفاقيات وأية إجراءات لاحقة ومترتبة عليها في دائرة البطلان. ويؤكد القانون الدولي أن الكيانات غير المعترف بها، والتي يعتبر مركزها القانوني من وجهة نظر القانوني الدولي غير واضح للدول الأعضاء في المجتمع الدولي، تبقى خارج إطار مخاطبة قواعد هذا القانون، فيما يتعلق بالإتفاقيات الدولية عدا حالة واحدة فقط وهي المتعلقة بالإلتزامات الخاصة بقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وجاء هذا الإستثناء ليغطي ويحييد أي فراغ قانوني ناشئ عن عدم ممارسة الدولة الأم للسيطرة على الإقليم المعني الخاضع لسيادتها من الناحية الرسمية، وتحجج الكيانات غير الرسمية وغير المعترف بها بأنها غير مخاطبة بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني للتهرب من مسئولياتها تجاه المدنيين وقواعد الصراع. لذلك ألزم القانون الدولي الإنسان قوة الأمر الواقع التي تمارس السيطرة الفعلية على الأرض والسكان، لتأمين التمتع بحقوق الإنسان للسكان الواقعين تحت سيطرتها.
كما أن هذه الإتفاقية تعتبر إخلالاً جسيماً وتعدياً صارخاً من جانب إثيوبيا على مواثيق الإتحاد الأفريقي والمبادىء التي قامت عليها منظمة الوحدة الأفريقية وورثها عنها الإتحاد الأفريقي منذ تأسيسه وأهمها مبدأ إحترام الحدود الدولية التي خلفها الإستعمار ، ولعل هذا الإنتهاك من جانب إثيوبيا هو إستمرار لخطها السياسي القديم والجديد الذي تتحجج به للتنصل من الإتفاقيات الحاكمة لإستخدام مياة النيل مع مصر وبعضها اتفاقيات حدود . لذلك فإن حكومة الرئيس حسن شيخ شريف قادرة على الاستفادة من تمسك منظمة الاتحاد الأفريقي بمبدأ سيادة الدولة القومية واحترام الحدود الموروثة عند الاستقلال، لإحراج إثيوبيا المستضيفة للاتحاد واستقطاب الدعم من داخل القارة السمراء وخارجها.
إن عدم مشروعية هذه الإتفاقية من الأساس يمتد بآثاره القانونية التي تبطل أي تحركات أو مراكز قانونية جديدة قد تنتج عنها وأهمها وضعية الميناء البحري على الأحمر، ويمكن الدفع بهذه الحجية من جانب الحكومة الصومالية أمام مؤسسات التمويل الدولية والقارية الحكومية وغير الحكومية لردع المستثمرين والشركاء المحتملين عن الدخول بتمويلات أو مشاركات بالمشاريع والاتفاقيات في أرض الصومال.
دواعي تغيير مسار المشروع من اريتريا لأرض الصومال
عندما كانت تتحدث إثيوبيا – خاصة بعد وصول حكومة آبي أحمد ذات التوجهات القومية – عن أهمية وصولها للبحر الأحمر وأنها مسألة حتمية بالنسبة لها كانت كل الأنظار تتجه لأريتريا، وكان كثيرون يستبعدون إقدامها على هذه المخاطرة لأنها تعني الدخول مع إريتريا في حرب مفتوحة، تعلم أديس آبابا جيداً أنها قد تضر الداخل الإثيوبي خاصة في ظل التطورات التي جرت في السنتين الماضيتين بسبب حرب التيجراي والتداخل العرقي مع المجموعات العرقية في إريتريا والدور الذي لعبه نظام أسياس أفورقي في مساندة نظام أبي أحمد حتى تمكن من إخماد التمرد الذي كاد أن يقضي على وحدة الدولة الإثيوبية لولا المساعدة الإريترية والمساعدات التي قدمتها أطراف دولية وإقليمية معروفة.
لذلك كان اختيارها للسواحل الصومالية إختيار قائم على حسابات القوة والضعف بالأساس، وأن الصومال بوضعها الساسي والعسكري الحالي غير قادر على دفع إثيوبيا للرجوع عن هذا الإتفاق، إلا إذا تبلورت تحالفات إقليمية ودولية مساندة لها بهذا الإتجاه وهو أمر غير مرجح بشكل كبير لأسباب عديدة قد يكون من بينها أهمية أثيوبيا نفسها للقوى الكبرى الراغبة في العمل في منطقة شرق أفريقيا.
ويجب أن ننوه إلى أنه وبعد فقدان إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر بعد استقلال إريتريا ، حافظت أديس أبابا على وجود بحري من خلال قواعد لها في اليمن وجيبوتي حتى عام 1996، كما استخدمت إثيوبيا الموانئ الإريترية بناءً على اتفاقية خاصة بين البلدين، ثم توقفت إثيوبيا طوعًا عن استخدام الميناء في عام 1998. وطوال السنوات التي تلت وقعت إثيوبيا سلسلة من الاتفاقات مع بعض دول الجوار الجغرافي مثل جيبوتي والصومال وكينيا والسودان إلى جانب أرض الصومال بشأن استخدام الموانئ البحرية، والحصول على حصص فيها لتسهيل التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، وهو ما تزامن مع عودة العلاقات الاستراتيجية مع إريتريا عقب توقيع اتفاق السلام بينهما في عام 2018. كما وقعت إثيوبيا اتفاقًا مع الصومال في يونيو 2018 يتضمن الاستثمار الإثيوبي في أربع موانئ بحرية من أبرزها ميناء جرعد وهوبيو .. كما أبرمت اتفاقًا مع جيبوتي في عام 2018 لشراء حصة من ميناء جيبوتي وذلك في مقابل استحواذ الحكومة الجيبوتية على حصص من بعض الشركات الإثيوبية مثل شركة إثيوتيلكوم وشركة الكهرباء الإثيوبية وشركة الخطوط الجوية الإثيوبية. بالإضافة إلى توقيع اتفاق آخر مع السودان في مايو 2018 للوصول إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر .
جاء التركيز الإثيوبي على جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها مبكراً حيث وقعت إثيوبيا اتفاق مع أرض الصومال حول استخدام ميناء بربرة منذ عام 2005 ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ لأسباب الاعتراف القانوني الدولي بأرض الصومال بالإضافة إلى الخدمات اللوجتسية التي لم يقدر الاقتصاد الإثيوبي على تحملها في تطوير الميناء. لكنها عاودت المحاولة في العام 2018 عبر البوابة الإماراتية، حيث أعلنت هيئة موانئ دبي العالمية في مايو 2018 توقيع اتفاق يمكّن إثيوبيا من الاستحواذ على حصة نسبتها 19% في ميناء بربرة بإقليم أرض الصومال، في حين تمتلك موانئ دبي حصة نسبتها 51%، وحكومة أرض الصومال بنسبة 31%. كما وقعت إثيوبيا مع موانئ دبي مذكرة تفاهم في مايو 2021 لتطوير الطريق البري الرابط بين أديس أبابا وميناء بربرة بأرض الصومال ليصبح أحد ممرات التجارة الدولية بهدف تعزيز المصالح الاقتصادية الإثيوبية في المنطقة، خاصة أن موانئ دبي أعلنت أنها تستهدف تحقيق استثمارات بقيمة مليار دولار على طول الممر من خلال تدشين بعض المشروعات مثل الموانئ الجافة والصوامع وأحواض الحاويات. إلا أن حكومة أرض الصومال قد أعلنت في يونيو 2022 فقد الحكومة الإثيوبية لحصتها في ميناء بربرة بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام الصفقة قبل موعدها النهائي. فقد كان من المفترض أن تقوم أديس أبابا بتطوير طريق بري بطول 260 كيلومتر يصل بين بربرة والحدود الإثيوبية.
ويبدو أنه خلال الأشهر القليلة الماضية – منذ إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي ” أبي أحمد “في 13 أكتوبر 2023، في كلمته أمام أعضاء البرلمان الإثيوبي، أن لإثيوبيا حق طبيعي وقانوني وتاريخي وديموغرافي في امتلاك منفذ إلى البحر الأحمر. مشيرًا إلى أن إثيوبيا كانت قوة بحرية حتى فقدت قدرتها على الوصول إلى البحر بعد استقلال إريتريا. واعتبر مسألة ملكية الميناء والمنفذ البحري بأنها مسألة وجودية بالنسبة للشعب الإثيوبي- كانت هناك محاولات لتجديد مساعي الميناء البحري خلف الكواليس، وتزامن ذلك مع ظروف دولية وإقليمية مواتية تنشغل فيها القوى الكبرى بقضايا بعيدة عن أفريقيا خاصة الحرب في أوكرانيا وازمة الشرق الأوسط وحرب غزة وأزمات بحر الصين الجنوبي والباسفيك.
كما كانت حكومة آبي أحمد تتأهب فعلياً لهذ الخطوة خلال السنتين الماضيتين ( 2022/ 2023) حيث خفضت إثيوبيا بشكل كبير من حجم وارداتها في ميناء جيبوتي بعد بحثها عن بدائل في المنطقة ضمن إستراتيجية جديدة لتقليل اعتمادها على طرق الاستيراد والتصدير التقليدية مما أدى إلى أن حجم واردات إثيوبيا في ميناء جيبوتي انخفض بنسبة 14.62% بعد تحويل إثيوبيا جزء كبير من نشاطها التجاري البحري الى موانئ أخرى في تاجوراء وبربرة ومويالي، ضمن الإستراتيجية الجديدة في خفض الضغط على طريق جيبوتي – أديس أبابا الذي يعتبر حالياً شريان الحياة لنقله 95% من البضائع والسلع من ميناء جيبوتي إلى العمق الإثيوبي.
الإتفاقية الجديدة تتضمن مشروعات ضخمة وعملاقة وبنية أساسية وقواعد وطرق وتحتاج لإستثمارات ضخمة ، وهو ما يثير سؤال من الممول الحقيقي لهذه الصفقة ؟ في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها اثيوبيا حاليا وتخلفها عن سداد ديونها الخارجية .
المكاسب الاستراتيجية لأثيوبيا
لا شك أن إثيوبيا وحال نجاحها في إتمام هذه الصفقة وتحقيق كامل مكوناتها بما فيها الشق العسكري المتعلق ببناء الاقعددة البحرية ، ستحقق العديد من الفرص والمكاسب الاستراتيجية وأبرزها ما يلي:
- تقليل الضغط على الميزانية الإثيوبية التي تتحمل سنويًا ( 2 ) مليار دولار لجيبوتي نظير استخدامها لموانيها إلى جانب تكاليف تشغيلها لبعض الخطوط التي تنقل بضائعها من الداخل الإثيوبي لبعض المنافذ البحرية مع السودان ودول أخرى.
- زيادة مستويات التجارة الخارجية، حيث سيسمح الوصول الإثيوبي لميناء بحري على البحر الأحمر بالانخراط بفعالية أكبر في التجارة الدولية، مما يعزز آفاق النمو الاقتصادي للبلاد، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع دول أخرى في المنطقة وخارجها.
- جلب إستثمارات خارجية لهذا المشروع تعزز من وضعها الاقتصادي، ولذلك فإن نجاحها في امتلاك منفذ بحري تابع لها سيكون مشجع للمستثمرين نحو التوجه لإقامة مشروعات تجارية واقتصادية للإستفادة من المشروع بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية.
- إقامة نفوذ عسكري في منطقة البحر الأحمر الجنوبية، والعودة لحلمها القديم بأن تكون قوة بحرية مؤثرة في البحر الأحمر الذي يعتبر ممرًا بحريًا عالميًا حاسمًا، لنقل النفط والتجارة من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة.
- تقليل إعتمادها على دول الجوار خاصة إريتريا وجيبوتي، فإمتلاك إثيوبيا لميناء على البحر الأحمر لا يجعلها تعتمد بشكل مباشر على هذه الدول التي تشهد علاقات أديس أبابا معها تأرجح وعدم استقرار.
- سيعزز من قوتها وحضورها في الترتيبات السياسية والأمنية الحالية في البحر الأحمر والتي تقودها بالأساس مصر والسعودية من خلال منتدى البحر الأحمر الذي يضم ثماني دول هي السودان وجيبوتي وإريتريا ومصر والأردن والسعودية والصومال واليمن، وسيجعلها لاعب رئيسي في هذا المنتدى بعد أن تم استبعادها ، وهو الأمر الذي أثار وقتها رفضاً اثيوبيا وطالبت أكثر من مرة على لسان مسئوليها بضرورة الانضمام إلى منتدى البحر الأحمر.
التحديات الحالية والمستقبلية
هناك مجموعة من التحديات تقف أمام قدرة إثيوبيا على الوصول لأهدافها من هذه الإتفاقية غير المشروعة وهي كما يلي:
- تحدي التمويل . حيث تعاني إثيوبيا من مشكلات إقتصادية أدت إلى استنزاف مواردها وزيادة الضغط على الحكومة الإثيوبية، لذلك من المحتمل أن تؤثر هذه القضايا المحلية على قدرتها على الاستثمار في البنية التحتية للميناء وتطويره، بما في ذلك احتياطيات النقد الأجنبي المحدودة، وتحديات في تمويل مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق التي تشمل بناء الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب التي يمكنها التعامل مع حجم التجارة والسلع.
- تحدي الأمن وتأمين مسارات النقل عبر الأراضي الصومالية. حيث يُعد ضمان أمن واستقرار الموانئ وطرق النقل أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لإثيوبيا للاستفادة بشكل فعال من وصولها إلى البحر الأحمر والاستفادة منه.و في ظل حالة عدم القبول للمشروع الإثيوبي فإن هذا يزيد من المخاوف الأمنية التي قد تجعل المشروع برمته يتعرض لعمليات إرهابية خاصة بعد أن أعلنت حركة الشباب الصومالية أنها تعارض اِنشاء هذا الميناء وهددت بأنها ستسهدفه. هذا إلى جانب الصراعات الداخلية التي تمر بها إثيوبيا من وقتٍ لآخر بين أقاليم الدولة والحكومة.
- التحدي السياسي المرتبط بشرط الاعتراف بأرض الصومال. حيث سيؤدي اعتراف اثيوبيا بأرض الصومال لمواجهتها عواقب سياسية كبيرة على المستوى الأفريقي والعربي والدولي خاصة في ظل عدم اعتراف المجتمع الدولي حتى الآن بجمهورية أرض الصومال .
- مخاوف دول الجوار المتحفظة والرافضة . هذه الإتفاقية ومن خلال ردود الفعل عليها من دول الجوار في القرن الأفريقي توضح أن اريتريا وجيبوتي وكينيا لديها مخاوف بشأن السلوك الإثيوبي تجاه تجاوز سيادة الدول ومحاولات تغيير ميزان القوى، حيث تنظر جيبوتي وإريتريا وكينيا والصومال إلى الاتفاقية على أنها تحدي محتمل لمصالحها في القرن الأفريقي حيث تمتلك كلًا من جيبوتي وإريتريا وكينيا موانئ خاصة بهم ، وتعتبر هذه الموانئ مصادر حيوية بالنسبة لمصالحهم، لذلك فإن السيطرة الإثيوبية على ميناء بربرة يمكن أن تكون أداة قوية في يد إثيوبيا لمواجهة هذه الدول التي دخلت في صراعات قديمة معها تتجدد من وقت لآخر. لذلك أعلنت وزارة الخارجية الإرتيرية في بيان جاء سريع على ما صدر من إثيوبيا بأنها ترفض بشكل قاطع هذه الاتفاقية الموقعة، واصفة ما حدث بأنه “تحرك عاطفي من قبل إثيوبيا .
- الرفض الصومالي ومحاولات نزع الشرعية عن الإتفاق وإحراج إثيوبيا إقليميا ودوليا . كان طبيعياً أن تعارض الحكومة الصومالية بشدة الاتفاقية، معلنة أنها “لاغية وباطلة” وتنتهك سيادتها ووحدتها وحريتها، وتستطيع الحكومة الصومالية كحكومة منتخبة ومعترف بها دوليا وكدولة عضو في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية أن تتقدم بشكاوى ضد إثيوبيا وتطالبها بالعدول عن هذا العدوان على سيادتها .
- التحديات الدولية : أثار الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال إدانة عدد من الدول سواء القوى الغربية أو الإقليمية و التي أعربت عن معارضتها للاتفاق الموقع بين إثيوبيا وأرض الصومال محذرة من أن ذلك الاتفاق قد يجلب صراعات أمنية في المنطقة. وهذا التحدي لا يرتبط فقط بالموقف السياسي الحالي من الإتفاق لكن قد يترتب عليه مواقف لاحقة تتعلق بالاستثمار والتمويل الدولي حيث يتطلب تطوير البنية التحتية للموانئ استثمارات دولية كبيرة وستحتاج إثيوبيا إلى التنقل في بيئات التمويل والاستثمار الدولية المعقدة، والتي قد تشمل التعامل مع الحكومات الأجنبية والبنوك الدولية ووكالات التنمية. ويمكن أن تتعقد هذه العملية بسبب الوضع الاقتصادي لإثيوبيا وجدارتها الإئتمانية،
فرص إثيوبيا للمناورة
تتوقف قدرة إثيوبيا في حال نجاح تنفيذ الاتفاقية على مرونتها السياسية في جلب تمويلات خارجية لتمويل الميناء وبناء قاعدتها البحرية هناك .وعقب التوقيع على الاتفاقية، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي بيانًا قال فيه إن مذكرة الشراكة والتعاون هذه ستفتح تعاونًا متعدد الأوجه بين طرفي الاتفاق والأطراف الأخرى ، لتعزيز التعاون المشترك وستفتح مجالات جديدة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين كافة الدول لخارطة الطريق. ولذلك قد تتجه إثيوبيا في سبيل الحصول على الدعم الإقليمي والدولي الذي سيوفر لها الاستثمارات إلى السعي نحو بناء تحالفات وشراكات سياسية مع الدول التي تمتلك مصالح عبر البحر الأحمر وتقيم تحالفات بشكل أقوى مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما قد يؤثر على ديناميكيات المنطقة.
أيضًا تعتمد إثيوبيا على نهج ترويجي يستند إلى سردية الانفجار الديموغرافي المتوقع في البلاد أمام الأوضاع الاقتصادية السيئة وكونها دولة حبيسة بحاجة إلى منفذ بحري. حيث تروج بأن هذا الضغط الديموغرافي يتطلب تحسين للأوضاع الاقتصادية في البلاد حتي لا تحدث مشكلات داخلية تسبب في حالة نزوح جماعي يزعزع استقرار المنطقة، وهي سردية قريبة من سرديتها بخصوص السدود وسد النهضة بالتحديد.
كما ستعتمد إثيوبيا على نفوذها في الإتحاد الأفريقي وقيادتها لبعض هيئاته من أجل كسب مواقف أفريقية مؤيدة لها، ولعل رد فعل الاتحاد الأفريقي و الهيئة الحكومية الدولية التنمية (الايجاد) والذي انتهج الحياد تجاه هذه الاتفاقية يساعدها على ذلك ، حيث دعا “موسى فكي” إلى “الهدوء والاحترام المتبادل لتهدئة التوتر المتصاعد بين إثيوبيا والصومال”، وحثهما على الامتناع عن القيام بأي عمل يمكن أن يزيد من تدهور العلاقات بينهما. وأعربت (إيجاد)، “عن الدعوة للحل السلمي وعدم التصعيد”.
الخطوة الإثيوبية قد تجد دعمًا من أطراف أخرى خارجية تسعى للحضور القوي في منطقة القرن الإفريقي وليس من المستبعد أن تكون إثيوبيا قد حصلت على الضوء الأخضر من هذه الأطراف لكي تلعب هذا الهدف الإستراتيجي بالنيابة عنهم.
الموقف المصري
ركزت كثير من الكتابات والتحليلات منذ توقيع هذه الإتفاقية على التعرف على الموقف المصري، ربما بحكم وضع الخلاف الحالي بين إثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب أخر حول المياة وسد النهضة والذي وصل مؤخراً لطريق مسدود بعد إعلان الجانبين إنتهاء المسار التفاوضي دون اتفاق. وربما بسبب ثقل مصر الاستراتيجي في المنطقة وفي شرق أفريقيا بالتحديد ، وبحكم الاعتبارات الجيواستراتيجية المتعلقة بالبحر الأحمر وأهميته بالنسبة لمصر وعوامل أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذه المساحة المحدودة، فمصالح مصر في شرق أفريقيا كبيرة ومتنوعة كما تملك مصر رصيداً ضخماً من العلاقات التاريخية والممتدة مع دول المنطقة علاوة على علاقات سياسية وإقتصادية وأمنية متميزة مع العديد من دول القرن الأفريقي التي تعتبر إمتداد طبيعي للدائرة الجنوبية للأمن القومي المصري.
محددات الموقف المصري من النزاع القائم
- التمسك بمبدأ الدولة الوطنية والحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية.
- رفض أي إعتداءات على سيادة أي دولة عربية خاصة من جانب بعض القوى الإقليمية صاحبة مشاريع الهيمنة والتوسع الإقليمي .
- تقديم الدعم السياسي والمادي الممكن للدول العربية للحفاظ على مقدراتهم وثرواتهم الوطنية في حدود توازنات القوة العالمية الخاصة بكل صراع والمتحكمة في تفاعلاته.
- التمسك بالقانون الدولي ومقرراته فيما يتعلق بحقوق السيادة .
- اعتبار الأمن القومي العربي وحدة واحدة وأنه مسئولية جماعية للمنظمة المعبرة عن هذا التعاون وهي جامعة الدول العربية.
- دعم دور المنظمات الإقليمية الفاعلة في حل النزاعات، بما فيها دور الإتحاد الأفريقي وآليات التدخل المتاحة.
- التعاون والتشاور المستمر مع الدول المعنية بأمن القرن الأفريقي وتغليب نهج التعاون والحلول السلمية للنزاعات.
ضمن هذه المحددات يمكن فهم الموقف المصري المبدىء حتى الآن والذي قد يتطور مستقبلا حسب تطورات الموقف ، حيث أعلنت مصر معارضتها إتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال بشأن ميناء بربرة لعدة أسباب وهي انتهاك الاتفاق للسيادة الصومالية، خشية أن يؤدي الاتفاق لوقوع نزاعات في القرن الفريقي تهدد استقرار دوله ومقدرات شعوبه .
ويجب أن نشير بهذا الخصوص إلى أن معارضة مصر للاتفاقية تأتي لتعبر عن ثوابت علاقاتها مع الصومال، حيث حافظت مصر تاريخياً على علاقات وثيقة مع الصومال وموقفها ثابت في دعمها لسلامة أراضي الصومال وأي تطورات من شأنها تقويض وحدة أراضيها.
ويمكن لمصر دعم لموقف السياسي الاستراتيجي للصومال من خلال ما يلي
- تأييد ودعم التحرك الصومالي بعقد قمة عربية طارئة لمناقشة تبعات هذه الإتفاقية واستصدار موقف سياسي عربي داعم لسيادة الصومال وحقه في رفض الإتفاقية، وأن كانت مصالح بعض الدول العربية مع إثيوبيا قد تحد من نجاح هذه الخطوة.
- التحرك الدبلوماسي على المستوى الاقليمي لدعم الموقف الصومالي مع الدول الرافضة للإتفاقية والتي تقف مع مصر في نفس الاتجاه مثل تركيا التي أكدت وزارة خارجيتها أهمية وحدة وسيادة وسلامة الأراضي لجمهورية الصومال ودعت لحل النزاع بين الصومال و أرض الصومال وإثيوبيا من خلال مفاوضات مباشرة، ولعل التقارب المصري التركي الأخير يشجع على ذلك.
- دعم الموقف السياسي للصومال على المستوى الدولي مع القوى الدولية الفاعلة الرافضة للإتفاقية خاصة الأتحاد الأوروبي الذي أعلن تمسكه بوحدة الأراضي الصومالية وكذلك الصين بما لها من نفوذ مع إثيوبيا من ناحية وفي ظل موقفها الرافض لإعتراف أرض الصومال بتايوان، وهو نهج جاء ضد السياسة الخارجية للصين ومبدأ الصين الواحدة. لذلك أعلنت الصين في يوليو 2021 عن إجراء دوريات بحرية مشتركة مع الصومال كرد على
السيناريوهات المستقبلية
- السناريو الأول: نجاح إثيوبيا في فرض الأمر الواقع .
ويتوقف نجاح هذا السيناريو على المدى الذي يمكن أن تتخذه الحكومة الصومالية في منع تمرير وإكمال هذه الإتفاقية سواء عبر الأدوات الدبلوماسية أو عب أدوات أخرى مثل العمل العسكري أو التهديد الأمني الذي يمكن أن يقوم به تنظيم الشباب الذي أعلن رفضه للإتفاقية، وكذلك مدى جدية المجتمع الدولي والقوى الفاعلة دولياً وإقليمياً في الضغط على إثيوبيا . وفي ظل خلل توازنات القوة لصالح إثيوبيا يستبعد المسار العسكري من جانب الحكومة الصومالية التي تعاني من مشكلات داخلية عديدة علاوة على ضعف قواته المسلحة إلى جانب حجم الوجود العسكري الإثيوبي حالياً داخل الأراضي الصومالية والموجود ضمن مهام حفظ السلام الأفريقية ( لدى إثيوبيا حاليًا ما لا يقل عن( 4000) جندي منتشرين في الصومال كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) و1000 جندي آخر منتشرين كجزء من الاتفاقيات الثنائية مع الصومال. وتشكل القوات الإثيوبية ما يقارب من ربع قوات الاتحاد الإفريقي التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي وهي مسؤولة عن قطاعات في وسط وجنوب غرب الصومال المتاخمة لإثيوبيا.
كما أن مصالح القوى الكبرى مع إثيوبيا قد تجعلها تغمض الطرف عن فرض الأمر الواقع خاصة وأن بعض هذه الدول قد تستفيد من هذا الأمر اقتصاديا واستراتيجياً، ولا ننسى أن بعض القوى الدولية والإقليمية تدعم إثيوبيا بالفعل ولديها معها شبكة
السيناريو الثاني: تعثر تطبيق الاتفاقية وعدم اتمامها
يرجع ذلك لمجموعة من العوامل اللوجستية والتمويلية التي تحتاج إليها إثيوبيا من أجل التواجد عبر البحر الأحمر وميناء بربرة وهو ما قد يفوق قدراتها في الوقت الحالي ، كما يمكن أن يؤدي تضارب المصالح بين القوى الدولية والإقليمية إلى إيقاف تنفيذ هذا الاتفاق برمته، أو أن يتم اعتماد تواجد إدارة إثيوبية على الجزء المخصص للميناء دون أن يكون هناك تواجد عسكري . أيضًا من المرجح أن ترجئ إثيوبيا مسألة الاعتراف بأرض الصومال لتجري تقييمًا متعمقًا تجاه المواقف الدولية والإقليمية من هذا الاتفاق ، مع الاستمرار في الاعتماد على موانئ دول الجوار على المدى المنظور .
وقد يساعد التحرك الصومالي المعلن برفع القضية أمام مجلس الأمن الدولي على تدويل القضية وربما استصدار قرار دولي بخصوصها ، وإن كانت التوازنات الحالية بمجلس الأمن وموقف بعض االدول خاصة الولايات المتحدة وروسيا قد تحول دون استصدار قرار ملزم لإثيوبيا.
الخلاصة
أن تداعيات هذه الصفقة لم تتضح بعد، لكنها سيكون لها تبعات كبيرة على التوازن الاقليمي في شرق أفريقيا وإعادة ترتيب التحالفات بين دوله خاصة بين الصومال وكينيا من جانب وإثيوبيا من جانب أخر وكذلك مع اريتريا، وليس مستبعداً أن يكون لهذه الصفقة تداعيات أمنية وعسكرية لكنها ستتوقف على المدى الذي ستتخذه الحكومة الصومالية في الرد على هذه الخطوة الإثيوبية التي وصفتها بغير الشرعية وساندتها في ذلك بعض الدول خاصة مصر ويتوقع أن تتطور بعض المواقف العربية لاحقاً باتجاه دعم سيادة الصومال. كما أن إعلان روسيا ترحيبها بالصفقة لخير دليل على أن هناك دور روسي في هذا الأمر وأن لعبة المنافسة الدولية بين الروس والأمريكان والصينيين قد دخلت بقوة للقرن الأفريقي وأن هناك أطراف إقليمية أخرى تقدم أدوار مساعدة بهذا الخصوص طمعاً في الحصول على جزء من موارد وثروات هذه الدول وتقوية نفوذها الاقليمي.